لقد كانت أمريكا هي التي تقف وراء الأزمة الخليجية السعودية-القطرية، إذ بعد أن تسلم ترامب مهام منصبه مطلع عام 2017م أصبحت السياسة الأمريكية أكثر حدة وفظاظة في التعامل مع الكثير من القضايا الدولية، ومن ضمنها قطر، فقد اتهمها ترامب برعاية الإرهاب وكان يريد منها أن تنضوي في صف السعودية التي أعطتها أمريكا دوراً مهماً في المنطقة لخدمة مصالحها، وذلك بعد أن قامت قطر عميلة بريطانيا بتشويه صورة أمريكا عبر قناة الجزيرة وكذلك عبر دعمها لعملائها من (الإسلاميين) حيث عملت لاستقطابهم عبر المال السياسي القذر لتحقيق مصالحها، ومع أن هذا الدعم هو بعلم أمريكا وبإذنها، كون قطر تظهر لأمريكا أنها ستخترق هؤلاء الذين تصفهم أمريكا بالمتشددين وتحتويهم، وتساعدها في العمل للحد من الإرهاب، إلا أن قطر أصبحت توظف هؤلاء لزعزعة عملاء أمريكا في مصر والسعودية وغيرهما، وهو ما أغضب ترامب فعزم على تأديبها عبر السعودية فكانت الأزمة الخليجية.
نقلت بي بي سي بتاريخ 6/6/2017 (لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تأثير زيارته الأخيرة إلى الخليج على قرار قطع العلاقات مع قطر، وقال ترامب إنه تلقى معلومات خلال هذه الزيارة تفيد بأن الدوحة تمول حركات ذات "أيديولوجية متشددة". وذكر في تغريدات في حسابه الرسمي على تويتر "خلال زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قلت إنه لا يمكن استمرار تمويل الأيديولوجية المتشددة. أشار الزعماء إلى قطر - انظروا" ثم كتب "جيد أن أرى زيارتي الأخيرة إلى السعودية ولقائي مع الملك و50 مسؤولا تؤتي ثمارها. قالوا إنهم سيتخذون موقفا حاسما من تمويل التطرف. كل الإشارات كانت تتجه صوب قطر. ربما يكون هذا بداية النهاية للرعب الذي يبثه الإرهاب").
ثم كانت تصريحات ترامب في 9/6/2017 تكشف وتؤكد أن أمريكا وراء ذلك التصعيد السعودي: (قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إن على قطر أن تتوقف فورا عن تمويل الإرهاب، معربا عن أمله في أن تكون القمم التي عقدها بالعاصمة السعودية الرياض، بداية لنهاية الإرهاب. وأضاف ترامب، في مؤتمر صحفي مع نظيره الروماني بالبيت بالأبيض، أن قطر كانت تاريخيا دولة ممولة للإرهاب.) (سكاي نيوز عربية 9/6/2017).
أما اليوم ومع فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكان قد وعد أثناء حملته الانتخابية أنه سينظر في ملفات وأزمات ورثها عن سلفه ترامب وسيعمل على حلها ومنها الأزمة الخليجية، ولعل ترامب قد أدرك ذلك فعمل على حل الأزمة التي افتعلها هو بين قطر والسعودية وذلك ليختم فترة حكمه بهذه المصالحة الخليجية حتى تحسب له.
جاء في جواب سؤال "ما وراء الأزمة بين السعودية وقطر!" والذي أصدره أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة بتاريخ 11/06/2017م ما يلي: "إن أمريكا وبريطانيا كلاهما يهمه أن تبقى قطر ضمن مجموعة الخليج مع اختلاف الهدف الذي تريده كل منهما". وجاء فيه أيضا: "أما أمريكا فتريد قطر كما ذكرنا آنفاً تحت العباءة السعودية، أي تنفذ مصالح أمريكا دون تشويش أو مشاغبة لاعتبارات مختلفة، فأمريكا تريد أن تبقى قاعدتها مستقرة تؤدي أعمالها دون أي مضايقات، وهي تدرك أن بريطانيا وراء قطر، وتستطيع بأساليبها الخبيثة المختلفة أن تسبب للقاعدة مشاكل إذا خرجت قطر من المجموعة الخليجية، وهكذا فإن أمريكا تريد من قطر أن تنفذ مخططاتها، وأن تكون ضمن النهج السعودي، وفي الوقت نفسه أن تبقى في المجموعة الخليجية... وأما بريطانيا فهي كذلك تريد أن تبقى قطر في المجموعة الخليجية لأنها وهي داخل هذه المجموعة تستطيع العمل من وراء ستار لتنفيذ مخططات بريطانيا وفق النهج الإنجليزي الذي له وجهان فيُظهر الخضوع والود من الأمام، ومن الخلف يطعن في الظهر...".
لهذا أرسلت أمريكا جاريد كوشنر مستشار ترامب ووفدا مرافقا له إلى كل من الرياض والدوحة بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2020م وذلك لغرض المصالحة بين كل من السعودية وقطر، وقد أشاد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالجهود الأمريكية في هذا الاتجاه أثناء انعقاد قمة العلا الخليجية.
لقد كانت سياسة المقاطعة جريمة تضاف إلى سجل هؤلاء الحكام المجرمين الذين مزق بهم الكافر المستعمر أمة الإسلام، محاولاً زرع العداوات بين أبناء الأمة الواحدة، لقد أصبح هؤلاء الحكام العملاء أشبه بريبوتات ترسم لها أمريكا ملامح العبوس والابتسامة متى تشاء، وتتغير أفعالهم وسلوكهم بتغير الشخص المبرمج الحاكم للبيت الأبيض وسياسته!
إن خصومات الحكام ومصالحاتهم لا تعني الأمة الإسلامية بشيء ما دامت ترسمها أمريكا، فالأمة الإسلامية أمة واحدة من دون الناس، والواجب عليها أن تدور مع الشرع حيث دار، لا أن تدور مع حكام الضرار وأسيادهم، إن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي الدولة التي تمثل الأمة الإسلامية وهي الجديرة بجمعها وتوحيدها وتأليف قلوبها، وإذا كان المسلمون قد فرحوا لرفع الحصار وفتح الحدود المصطنعة التي قيدت شعوب هذه الدول ومنعت تلاقيها واجتماعها، فكيف ستكون فرحتهم إذا ما أُزيلت هذه الأنظمة الظالمة المجرمة وأُزيلت معها الحدود الاستعمارية، وعادت الأمة أمة واحدة يقودها خليفة واحد يحكمها بشرع الله ويدفع عنها الأعداء ويسير بها بإذن العزيز الحكيم من نصر إلى نصر؟ نسأل الله أن يكون ذلك قريباً.
بقلم: الأستاذ عبد المؤمن الزيلعي
رأيك في الموضوع