(مترجم)
استجاب آلاف من أنصار ترامب لدعوته يوم الأربعاء الماضي للخروج بمسيرة إلى الكونغرس، بينما حاول أعضاء مجلس الشيوخ في الداخل تأكيد التعداد الانتخابي الذي سينهي رئاسته في 20 كانون الثاني/يناير الجاري. وأدى العصيان الدموي الذي أعقب ذلك إلى مقتل خمسة أشخاص، حيث قُتلت عضو سابقة في الجيش الأمريكي برصاصة في رقبتها أثناء محاولتها القفز عبر الأبواب المحصّنة بحثاً عن أعضاء الكونغرس المذعورين، وتوفي شرطي بعد إصابته في رأسه بمطفأة حريق للتغلب على أمن المبنى غير الكافي، وقام المتظاهرون بتحطيم النوافذ واجتاحوا معقل الديمقراطية الأمريكية ونهبوا بعض كنوزها والتقطوا صور "سيلفي" تمجّد أفعالهم. وكان كبار الجمهوريين من المجالس التشريعية للولايات وضباط الجيش السابقين من بين المتورطين في أعمال العنف، وتم ربط حبل على منصة المشنقة عند مدخل الكونغرس كرمز لمشاعرهم تجاه من هم في الداخل. وقد ظلّ ترامب يدّعي منذ أسابيع أن الانتخابات سُرقت منه، ومع ذلك رفضت المحاكم والمجالس التشريعية في الولايات مزاعمه، وفي النهاية ناشد ترامب نائبه مايك بنس لإلغاء فرز الانتخابات، لكنه رفض. إنّ أمريكا غارقة الآن في تبادل الاتهامات.
وناقشت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي صباح الجمعة "الاحتياطات لمنع رئيس غير مستقر من الشروع في الأعمال العدائية العسكرية أو الوصول إلى رموز الإطلاق والأمر بضربة نووية"، وشرعت في تنظيم تصويت ثانٍ لعزل ترامب بتهمة "التحريض على العصيان"، على الرغم من انتهاء رئاسته تقريباً.
إنّ الجمهوريين الذين ما زالوا يسيطرون على مجلس الشيوخ قد نأوا بأنفسهم عن تصرفات ترامب، واستقال بعضهم من حكومته، بينما أدانه آخرون، لكنهم لا يرغبون في إقالته من منصبه. وبعد ساعات من اقتحام الكونجرس، تم إجراء استطلاع "يوجوف" الذي يحظى باحترام كبير فأظهر أن 45٪ من الجمهوريين يؤيدون المشاغبين، وطُلب من ترامب إدانتهم، لكن بعد ساعات من بدء التمرد، قال ببساطة: "يجب أن نحقق السلام. لذا اذهبوا إلى المنزل. نحن نحبكم؛ أنتم مميزون جداً. أعرف ألمكم، وأعلم أنكم مجروحون. كانت لدينا انتخابات وقد سُرقت منا".
وأثار رفض ترامب لنتيجة الانتخابات مشاعر عنيفة بين مؤيديه، وأعلن تويتر أخيراً حظراً دائماً على استخدام ترامب للمنصة بعد أن أعلن ترامب على تويتر أنه لن يحضر حفل تنصيب بايدن. ورأت شركة التواصل والديمقراطيون أن تغريدته تُمثل تهديداً بتجديد العنف، بينما رأى أنصار ترامب أنها مثال آخر على تحيّز وسائل الإعلام الليبرالية ضدهم. وفي غضون ساعات من إغلاق حساب ترامب على تويتر، تم نشر عبارة "اشنقوا مايك بنس" أكثر من 14000 مرّة. إنّ أمريكا منقسمة بشدة.
كان أندرو جاكسون آخر رئيس أمريكي منتهية ولايته قاطع تنصيب خصمه المنتصر، في عام 1868م، بعد وقت قصير من اغتيال لينكولن وعندما كانت الجروح الدموية للحرب الأهلية الأمريكية لا تزال ماثلة. إن مناخ الخوف والكراهية الموجود الآن يُشبه إلى حد بعيد المناخ الذي أدّى إلى الحرب الأهلية وما تلاها. يشعر أنصار ترامب بالغضب من الجمهوريين الذين لم يقدّموا الدعم الكامل لجهود ترامب لإلغاء الانتخابات. الهتافات صرخت بـ"خائن" في وجه السناتور ميت رومني أثناء توجهه إلى واشنطن، وكذلك في وجه السناتور ليندسي جراهام في مطار ريغان الوطني أثناء مغادرته واشنطن: امرأة ترتدي قميصاً مطبوعةً عليه عبارة "أحب ترامب" تم تصوير قنون "وهو يصيح: في يوم من الأيام لن تستطيع السير في الشارع. إنه اليوم".
"قنون" هي حركة لامركزية تؤمن بأن الولايات المتحدة تديرها "دولة عميقة" من النخب الليبرالية المنحرفة التي تتآمر ضد القيم المحافظة. يتمتع العديد من أفراد هذه الحركة بمتابعة ضخمة على وسائل التواصل. على سبيل المثال، غرد ديف هايز، المعروف أيضاً باسم مسعف الصلاة، إلى نصف مليون متابع "المشكلة في سرقة الانتخابات والتمكن منها: حتى لو وصلت إلى البيت الأبيض، كيف يمكنك منع 80 مليون شخص من إزالتك؟" وكتب لاحقاً: "إذا كنت تعتقد أن الملايين من الأمريكيين (وكثير منهم عسكريون سابقون) سيسمحون بشكل سلبي بتدمير أمتهم، فأنت متوهم. إذا لم يتدخل الجيش وإذا تمّ تنصيب بايدن في اليوم العشرين، يمكن أن نتجه نحو ثورة ثانية". تُحشد العديد من الحركات المتطرفة والمليشيات المسلحة، مثل "الأولاد الفخورون"، حول وعد ترامب بمواصلة القتال من أجل "إنقاذ أمريكا" ضد القوى الشريرة في الحكومة.
أدى انعدام الثقة المتبادل والمصالح العميقة الجذور إلى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية التي لم تنطفئ نيرانها أبداً. كان يُنظر إلى الحزب الديمقراطي على أنه تخريب للحكومة الفيدرالية للحفاظ على نظام العبودية، وكان الجمهوريون هم من عارضوا العبودية. بعد سلسلة من الرؤساء الديمقراطيين تسببت في الفزع بسبب ترسيخ العبودية، تم انتخاب رئيس جمهوري معارض للعبودية وبدأت الحرب الأهلية. وكان الخوف وكراهية العبيد الأفارقة، وليس الرغبة في حقوقهم الديمقراطية، هو ما دفع الحركة الجمهورية المناهضة للعبودية في الشمال. كان العبيد يشكلون تهديداً للأمريكيين الفقراء الذين يسعون إلى التوسع غرباً، وتهديداً للعمال الأحرار الذين يخشون عدم قدرتهم على منافسة العمل الاستعبادي المجاني. مخاوف مماثلة وجهت دعاية ترامب المناهضة للمهاجرين والمكسيكيين. إن حركة "حياة السود مهمة" وغيرها من الأجندات الليبرالية في مواجهة العمال البيض الفقراء الذين يخشون من الوظائف والتهميش الثقافي. لقد تغيرت الوجوه، لكن المظالم والتفاوتات القديمة تفاقمت مرةً أخرى وستستمر في ذلك.
رأيك في الموضوع