في 31 أيار/مايو، اندلع صراع حدودي في قرية تشاشما في منطقة سوخ الأوزبيكية. وقد وقعت اشتباكات على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان في وقت سابق. إذا قمنا بتحليل مثل هذه النزاعات على مستوى القرى التي كانت موقدا لها وعلى مستوى الدولة فلن نتمكن أبداً من الوصول إلى حقيقتها. خاصة في العصر الحالي الذي يسيطر فيه الاستعمار أصبح من المستحيل فهم واقع الأمر وتحقيق معالجته، لذلك فلنلق نظرة على كيفية هذه الأحداث ربطا بالسياسة الدولية.
من المعلوم أن دول آسيا الوسطى، بما في ذلك قرغيزستان استعمرتها روسيا مباشرة، وأمريكا تحاول الآن كسب النفوذ فيها. والإجراءات التي اتخذت في أعقاب وباء كورونا وجهت ضربة لطموحات روسيا الاستعمارية في المنطقة.
من المعروف أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي هو أكثر المنظمات موثوقية للحفاظ على تأثير روسيا في مستعمراتها السابقة. اشتدت الاحتجاجات ضد التنظيم داخل قرغيزستان بسبب الوباء. إن بعض الأوساط السياسية في قرغيزستان التي دعت في السابق إلى طاعة روسيا تطالب الآن علانية بإنهاء الاعتماد عليها. وأيضا رئيس الوزراء السابق تمير سارييف الذي جلب قرغيزستان إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي قال "إن المنظمة لم تتمكن من تبرير الثقة خلال الأزمة، ولم تتمكن روسيا من القيادة". ودعا النائب عبد الفتاح نورباييف من ائتلاف الأغلبية إلى مبادرة لمغادرة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
اتهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الغرب في الوضع في قرغيزستان وقال "إذا كانت هناك فكرة بأن في قرغيزستان شيئاً يحتاج إلى التغيير في هذا الاتجاه فإن شركاءنا الغربيين يعملون بجدية في هذا العمل وهذا انعكاس للعملية التنافسية لآسيا الوسطى".
ردّا على تصريحات لافروف قال ألتينبيك سليمانوف رئيس فصيل "بير بول" في ائتلاف الأغلبية: "لا توجد هناك القضية التي أثارها الغرب أو الجانب الآخر. ذلك نشأ بسبب المشاكل الحقيقية التي تظهر اليوم. على سبيل المثال، بينما أصبح النفط أرخص في جميع أنحاء العالم فلماذا لا يصبح البنزين القادم في بلدنا من روسيا أرخص؟ وهكذا مشكلة الغاز والمعاملة أيضا مع الجيران. تنشأ مثل هذه المشاكل بسبب معايير الاتحاد الاقتصادي الأوراسي التي لا تعمل".
بالإضافة إلى ذلك، إن مشروع قانون على تصديق بروتوكول لتغيير وضع القاعدة الجوية الروسية في كانْتْ قرغيزستان أزيل في 2 حزيران/يونيو من جدول أعمال اللجنة البرلمانية مرةً ثالثةً، وهذا يشير إلى أن نفوذ روسيا في قرغيزستان قد انخفض بشكل ملحوظ.
في 19 أيار/مايو اجتمع رؤساء دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي عبر الإنترنت. وكانت القضية الرئيسية فيه هي الموافقة على "خارطة الطريق" من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي التي تحدد اتجاه التنمية الاقتصادية حتى عام 2025. ومع ذلك، وعلى الرغم من اعتباره مقبولاً بشكل عام إلا أنه لم يصادق عليه بالفعل، أي أنه لم يحقق هدفه. بالعكس، تميز الاجتماع بتعبيرات عن أوجه القصور والاحتجاجات من قادة الدول الأعضاء.
على خلفية هذه الأحداث في السياسة الدولية تطورت النزاعات على حدود قرغيزستان. ففي البداية في 8 أيار/مايو حدث نزاع مسلح على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان، ثم إطلاق النار أيضاً في 24 أيار/مايو، وفي 26 أيار/مايو أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "أن روسيا مستعدة للتوسط في المحادثات الثنائية حول الحدود القرغيزية والطاجيكية". وهذا يعني أن "قضايا الحدود في أيدي روسيا وحدها"، وردّاً على ذلك أرسلت وزارة الخارجية الطاجيكية مذكرة إلى روسيا، وكان موقف قرغيزستان هو أن روسيا شريك استراتيجي موثوق به وحليف لقرغيزستان.
وفي 31 أيار/مايو اندلعت اشتباكات في القرى الحدودية في منطقة سوخ الأوزبيكية ومنطقة باتكين في قرغيزستان، واجتمع مسؤولون من البلدين لحل النزاع وأصدروا البيانات التالية:
قال رئيس وزراء أوزبيكستان عبد الله أريبوف: "طرحنا في العام الماضي مسألة فتح الطريق بين ريشتان وسوخ. تم إغلاق الطريق بعد يومين، أليس كذلك؟ والآن اعتذر رئيس وفد قرغيزستان عما حدث في ذلك الوقت. هم كانوا مضطرين لإغلاق الطريق، لأنهم كانوا أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. تنضم أوزبيكستان الآن إلى هذه المنظمة كمراقب. هذا يعني أن المراقب سيحصل على جميع الحقوق. ولذلك طالبنا قرغيزستان اليوم بفتح طريق ريشتان-سوخ في أقرب وقت ممكن".
قيل في هذا البيان إن المشكلة الرئيسية نابعة من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وإن كلمات "اعتذر" و"طالبنا" ما هي إلا كلمات لطمأنة الشعب.
وقال نائب رئيس وزراء قرغيزستان أكرم مادوماروف: "إن قرغيزستان عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في حين إن أوزبيكستان ليست عضوا فيها، ولذلك سيتم النظر في مسألة المناطق الحدودية والتجارة على أساس إجراءات الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتفاقيات الدولية".
وبالتالي يمكن أن نقول إن روسيا تمارس ضغوطا على أوزبيكستان من خلال النزاعات الحدودية، ومن الواضح أيضاً أن هذا الحادث هو محاولة لإثارة المشكلة القومية في أوزبيكستان، ورجم حاكم فرغانة يدل على ذلك. إذا كان يحدث صراع بين الأوزبيك والطاجيك في أوزبيكستان فسيولد ذلك مشكلة كبيرة في السياسة الداخلية لأوزبيكستان وسيضر بسياستها مع طاجيكستان. وهذا سيضر طاجيكستان بشدة. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة سوخ أغلب سكانها من الطاجيك.
ليس المقصود في هذه المقالة الخوض في تفاصيل الأحداث، وإنما الكشف عن السياسة الدولية من خلال ربط المعلومات ومخاطبة شعبنا المسلم في هذا الصدد.
في الواقع يدير خدمة الأمن القرغيزية كوادر متبقية من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وهم تابعون لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، كما سيتم تدريب الموظفين الجدد في روسيا. وفي أوزبيكستان على الرغم من ضعف الكوادر التي تخدم روسيا فإن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي متجذر فيها وهم قادرون على أشياء كثيرة. وفي قرغيزستان يمكن لـجهاز الأمن الفيدرالي الروسي إسقاط رئيس الدولة، على سبيل المثال طارد كُرمان بيك باكاييف وسجن ألماز بيك أتامباييف. ومع ذلك فإن مثل هذه الحوادث تبدو في نظرنا طبيعية، وخلف الكواليس تقف أجهزة الأمن الاستعمارية.
مع أخذ ذلك في الاعتبار يمكن القول، إن روسيا تحاول إعادة نفوذها الضعيف في المنطقة باستخدام أساليب قديمة.
أيها المسلمون الأعزاء! إن قرآننا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة. فلا تقتلوا إخوانكم بسبب الحدود المصطنعة التي رسمها الكفار المستعمرون. فلنخش أن نكون من «الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ». لَاحِظُوا، عندما نتشاجر على شبر من الأرض وغرفة من الماء، كم من أراضينا تحتلها روسيا وكم عدد مناجمنا التي أخذتها الصين؟ أيها الإخوة فلنتبع أحكام الشريعة التي تعالج الأحداث الجارية. ومن أجل التخلص من هذه المصائب فلنعمل معا لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي كما وحدت قلوب الأوس والخزرج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ستوحد قلوبنا اليوم وتنصرنا على الكفار.
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم كاراهاني
رأيك في الموضوع