الاقتصاد العالمي في ظل النظام الرأسمالي الفاسد هو أوهى من بيت العنكبوت، حيث إن أي هزة؛ قوية كانت أم ضعيفة، تؤثر سلبا أو إيجابا على كل اقتصاديات العالم؛ فتؤثر في أسعار البورصة، وفي أسعار السلع الحيوية والخدمات؛ كالبترول والذهب وشركات الطيران العالمي. والسبب الذي جعل هذا الاقتصاد بهذه الصفات السلبية السيئة؛ يعود إلى أكثر من أمر، منها:
1- اعتماد غطاءٍ عالميٍّ واهٍ للمبادلات التجارية وأسعار العملات، وكغطاء لأكثر المدخرات في دول العالم. هذا الغطاء هو الدولار؛ حيث إنه لا يستند إلى أساس ثابت من ذهب أو فضة، أو حتى مواد عينية تحمل قيمتها في ذاتها. وقد رأينا تأثير هذا الخلل العالمي أكثر من مرة في الهزات الاقتصادية في اقتصاد العالم؛ ارتفاعا وهبوطا، ورأينا كذلك معاناة دول العالم؛ وخاصة الكبرى منها من هذه السطوة الأمريكية ومحاولات هذه الدول العديدة للتخلص من سطوة الدولار، ولكن دون نتيجة تذكر.
2- الترابط بين أسواق العالم المالية؛ بحيث إن أي هزة تحدث في هذه الأسواق؛ فإنها تنتقل بسرعة البرق إلى كل العالم خلال لحظات من حصولها، والسبب في هذا الخلل يعود إلى أن هذه الأسواق ليس لها ما يجعلها مستقرة من غطاء نقدي ثابت، فمعظم الأسهم والسندات التي تحوزها هذه الأسواق هي عبارة عن أرقام وأكثرها أرقام وهمية. وقد حدثت هزات سابقة في بعض البلاد الكبرى والصغرى أحدثت رجةً عالمية مدمرة كادت أن تزيل دولاً عن الخارطة السياسية.
3- هيمنة أمريكا وسطوتها على العالم اقتصاديا. وأمريكا كما هو معروف يعاني اقتصادها من عجز كبير في الميزان التجاري والميزانية العامة؛ بسبب ما تقوم به من أعمال سياسية وعسكرية أكبر من حجمها الاقتصادي بكثير، وبسبب إصدارها لأوراق خزينة بشكل كبير؛ دون غطاء حقيقي من الذهب والفضة أو المواد العينية مقابلها، وبسبب نفقاتها الداخلية التي تفوق ضعف إنتاجها القومي. وهذه السطوة جعلتها تستخدم كل الأساليب القذرة والحروب المدمرة، والتهديد والوعيد لبقاء هذه السطوة؛ لأنه بدونها فإن أمريكا يحكم عليها بالموت المحقق.
4- تحكم أمريكا بالسلع الحيوية مثل البترول، وتحكمها أيضا بالأسواق العالمية، وحاجة العالم الصناعي لهذه السلع الحيوية؛ فهذا الأمر أثر كثيرا على الدول الصناعية والدول المستهلكة، وجعلها تحت رحمة تحكّمات أمريكا.
5- ما يعانيه العالم اليوم من حروب تجارية مدمرة أحدثت خللاً في الأسواق وفي الإنتاج والتصدير، كما أحدث تذبذبات في أسواق المال، وتأثيرات سلبية على السلع الحيوية مثل البترول والذهب.
أما بالنسبة لهذا المرض المسمى (كورونا)؛ فإنه بالفعل أحدث أزمة اقتصادية عالمية جديدة، تتسع رقعتها يوما بعد يوم. فقد صرحت كريستالينا جورجيفا؛ مديرة صندوق النقد الدولي، في شهر شباط الماضي قائلة: (إن حالة عدم اليقين بشأن السيطرة على فيروس كورونا الجديد تتطلب الاستعداد لمزيد من السيناريوهات السلبية خلال 2020، متوقعة آثارا سلبية على النمو الاقتصادي للصين، وجميع دول العالم بسبب الوباء) وأضافت خلال كلمة في ختام اجتماع مجموعة العشرين لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، المنعقد في العاصمة السعودية الرياض: (سيكون من الحكمة الاستعداد لمزيد من السيناريوهات السلبية...)، وأشارت كريستالينا إلى (مخاطر أخرى بجانب تفشي الفيروس؛ إذ يمكن أن تتأثر مستويات الديون المرتفعة في البلدان والشركات بارتفاع معدلات المخاطرة، أو تشديد غير متوقع في الظروف المالية...).
ويقول جوليان إيفانز بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في كابيتال إيكونوميكس: (إن الانتشار السريع للفيروس؛ يعني أنه لم يعد هناك أي شك في تعطيله الاقتصاد خلال هذا الربع). ويقول إدوارد مويا، كبير محللي الأسواق في أواندا إن: (المخاوف باتت تتزايد من تأثير حظر السفر بشكل كبير على الاقتصاد، في حين إن البعض قلق من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 1% أو حتى أكثر في الربع الأول من العام 2020).
وقد أدى تفشي هذا الفيروس إلى آثار سلبية كبيرة على شركات الطيران أيضا. فقد قال اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA): (إن إجمالي الإيرادات العالمية المفقودة لشركات الطيران قد تكون 29.3 مليار دولار، بسبب فيروس كورونا). وأضاف الاتحاد في بيانه أن تقييمه الأولي لتأثير تفشي الفيروس (يُظهر خسارة مُحتملة بنسبة 13٪ لطلب المسافرين على شركات الطيران في منطقة آسيا والمحيط الهادئ).
وأيضا أثر هذا الوباء على أسعار البترول؛ حيث سجلت أسعار النفط أدنى مستوى لها منذ كانون الثاني 2019؛ نتيجة قلق المستثمرين بشأن تأثير فيروس كورونا على الطلب على النفط في الصين. وهبط سعر خام برنت إلى 53.3 دولارا للبرميل، كما هبط سعر الخام الأمريكي دون خمسين دولارا للبرميل، وانخفضت أسعار النفط أكثر من 20% مقارنة بأعلى مستوى سجلته الشهر الماضي. وتشير توقعات مؤسسات دولية إلى أن فيروس كورونا خفض الطلب بواقع 260 ألف برميل يوميا داخل الصين، وإلى تخوفات من تعمق ضعف الطلب، مع غياب الوصول إلى لقاح يتصدى للمرض. والصين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي بلغ 10 ملايين برميل، وهي ثاني أكبر مستهلك له بمتوسط يومي يبلغ 13.2 مليون برميل.
أما التأثير على أسعار الذهب؛ فإن الذهب سجل أعلى مستوى له في أسبوع؛ في ظل سعي المستثمرين إلى البحث عن ملاذ آمن، في ظل استمرار المخاوف بشأن الآثار الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا؛ الذي يتزايد عدد ضحاياه بشكل يومي ليتجاوز 2000 شخص حتى الآن.
وقال مصطفى نصار الخبير الاقتصادي: (إنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين فيما يتعلق بأثر الفيروس على الأسواق، ونرى تناميا في الوفيات والإصابات، وهنا العواقب الاقتصادية ما زالت غير واضحة، وهو ما يدعم الطلب على الذهب في الفترة المقبلة.
إن هذه الأحداث وغيرها مما سبق يضع العالم بأسره أمام الحقيقة الاقتصادية الساطعة وهي: أن الاقتصاد العالمي هو أوهى من بيت العنكبوت؛ بسبب قيامه على أسس فاسدة سقيمة أولها: أنه بلا جذور، وبلا أوتاد وركائز اقتصادية، خاصة وأن النظام النقدي كما ذكرنا نظام واهٍ غير حقيقي. ويضع العالم كذلك أمام الحقيقة الأهم؛ وهي حاجة العالم لقلع هذا النظام الفاسد، واستبدال نظام رباني صحيح به. وقد نطقت كثير من الألسن، وكتبت كثير من الأقلام في ظل الأزمة السابقة (أزمة الرهن العقاري سنة 2008) بأن الذي يستطيع إنقاذ الاقتصاد العالمي من عثراته وأزماته؛ هو النظام الاقتصادي الإسلامي.
إن هذا ليذكرنا بقول المولى عز وجل؛ وهو يشهد على الكفر وأنظمته السقيمة: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 109]، ويقول سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 41].
نسأله تعالى أن تكون هذه الهزات فاتحة خير لإنقاذ العالم من ضلاله وضياعه؛ لطريق الاستقامة والرشاد...
رأيك في الموضوع