لم يعد خافيا على كثير ممن يتابع الأخبار أو يستمع إليها أن عاصفة الحزم لم تأت لإنقاذ أهل اليمن من سيطرة مليشيات الحوثي والقضاء عليهم، وإنما جاءت لإنقاذهم وتقويتهم وتثبيتهم في الحكم وإزاحة رموز النظام السابق من السلطة، فكان لزاما على التحالف وخاصة السعودية أن تتظاهر بأنها مع شرعية هادي وداعمة لهم وخاصة حزب الإصلاح الذي أصبحت مأرب تحت قبضته. فدعمهم التحالف ليكونوا غطاء للحرب التي هدفها تثبيت الحوثيين في الحكم حتى استطاعوا إسقاط "فرضة نهم" بأيديهم وانتزاعها من الحوثيين في عام 2016م، لكنها منعتهم من التقدم صوب العاصمة صنعاء لكي تبقى بيد الحوثيين إرضاءً لأمريكا، واستمرت "فرضة نهم" بأيديهم حتى نهاية 2019م، ثم بشكل مفاجئ سقطت "فرضة نهم" بيد الحوثيين ووقعت ألوية تابعة للدمية هادي تحت سيطرتهم وأخذوا الكثير الكثير من السلاح وكأنه قدم لهم على طبق من ذهب، وتقدموا بقوة في اتجاه مأرب والجوف... وهذا المشهد يبين الدور الكبير لسلمان أمريكا في إعطاء المعلومات الاستخباراتية للحوثيين مباشرة أو عبر وسطاء بأمر من أمريكا، وبيّن سقوط "فرضة نهم" الذل والهوان والضعف الذي أصاب عملاء الإنجليز هادي ونائبه علي محسن الأحمر الثعلب الماكر الذي لا يقل جرماً عن الهالك صالح.
مع العلم أن قوات علي محسن المحسوبة على حزب الإصلاح بداية من مأرب وصولاً لوادي حضرموت أصبح شغلها الشاغل نهب الثروات النفطية في هذه المناطق وحماية أموال علي محسن وأموال قيادات حزب الإصلاح، في مشهد موازٍ لما يفعله الحوثيون في مناطق سيطرتهم، فهما في السوء يتنافسان!
و"فرضة نهم" هي موقع استراتيجي مهم؛ فهو ملتقى ثلاث محافظات هي مأرب والجوف وصنعاء، وبعد سيطرة الحوثيين عليه في شهر كانون الثاني 2020م، واصلوا تقدمهم في اتجاهين؛ الأول في محافظة مأرب، والثاني في محافظة الجوف، فسقطت بأيديهم مديريات عدة، وهم في تقدم صوب مديرية الحزم وهي عاصمة المحافظة، وسقوطها بأيديهم سيساعدهم في إسقاط الجوف كلها، وكذلك هم في تقدم في مديريات في مأرب خاصة، وهم يسيطرون بشكل كامل على مديرية صرواح وبها قوات عسكرية كبيرة لهم، فهم بذلك يهددون مدينة مأرب مركز قوة الإصلاح، ولا يستبعد إسقاطها ولو بعد حين خاصة وتيار الإخوان أصبح في قائمة الإرهاب لدى أمريكا وهي الداعم الأساسي للحوثي، ولذلك فإن سيطرة الحوثيين على نهم وتقدمهم بسرعة في مأرب والجوف ليس لأنهم يمتلكون قوة عسكرية كبيرة تمكنهم من ذلك، وإن كانت لديهم قوة عسكرية كبيرة ونوعية خاصة وقد سيطروا على مقدرات دولة كان يحكمها النظام السابق لعقود من الزمن، إلا أن القوة وحدها لا تكفي لذلك بل إن مساعدة عملاء أمريكا في التحالف لهم هو الذي رجح كفتهم، فسلمان عميل لأمريكا وينفذ مخططاتها الموكلة إليه كما تريد هي، وهو بذلك يحقق هدفين في آن واحد:
- الهدف الأول تقوية الحوثي وتثبيته في الحكم وفرض الحل السياسي الذي تريده أمريكا في اليمن، وهو إما أن يتم فصل اليمن إلى شمال وجنوب وتكون السيطرة لعملائها في الشطرين،وإما نظام اتحادي من إقليمين؛ شمالي بيد الحوثيين، وجنوبي يكون حراك باعوم الموالي لأمريكا طرفاً قويا فيه، وبذلك يسقطون مشروع بريطانيا الرامي إلى أن تكون اليمن ستة أقاليم هي: إقليم صنعاء ويضم صنعاء وعمران وذمار وصعدة، وإقليم سبأ ويضم مأرب والجوف والبيضاء، وإقليم الجند ويضم إب وتعز، وإقليم عدن ويضم عدن ولحج وشبوة والضالع، وإقليم حضرموت ويضم حضرموت والمهرة وسقطرة، وإقليم تهامة ويضم الحديدة وحجة والمحويت.
- الهدف الثاني إجبار أتباع التحالف وخاصة حزب الإصلاح (الإخوان) على أن يكونوا أكثر انصياعاً لهم خاصة بعد تململهم من التحالف وقناعتهم بعدم جديته في حسم الصراع في اليمن لصالحهم، فقد طال انتظارهم في نهم ثم خسروها، وقد كانوا متشوقين لدخول صنعاء لكنهم أدركوا أن ذلك سراب، فأراد سلمان ومن خلفه أمريكا أن يعيدهم إلى الانصياع الكامل للتحالف والطاعة العمياء غير المشروطة فقام بتأديبهم. فخسروا "فرضة نهم" وبعض مديريات في الجوف ومأرب. وقد تزامن ذلك مع إعطاء الحوثيين الضوء الأخضر لأخذ بعض المساجد التي لا زالت مع الإصلاح وكذلك سيطرتهم على أملاك حزب الإصلاح وبعض قياداته، على سبيل المثال جامعة العلوم والتكنولوجيا والمستشفى التابع لها وهو من أكبر المستشفيات في صنعاء، خصوصاً وأن بعض قيادات حزب الإصلاح أصبحت في حضن أمريكا مثل توكل كرمان وبعض القيادات التي يحتضنها أردوغان أمريكا.
لقد أدرك بعض أتباع الإصلاح حقيقة التحالف ودول الخليج ولكن في وقت متأخر! لقد بين حزب التحرير لهم في يوم 27/3/2015، أي بعد انطلاق عاصفة الحزم بيوم واحد حقيقتها وأهدافها ومراميها والغاية التي جاءت من أجلها، ولكنهم أصروا على أنها جاءت للقضاء على الحوثيين ووضعوا كامل ثقتهم في سلمان! فكانت هذه هي نتائجها الوخيمة على أهل اليمن، فلا يمكن أن يأتي خير على يد حاكم عميل كسلمان أو غيره؛ فالحكام هم رأس حربة الكفار وخطهم المتقدم. وإن الخير كل الخير في الالتزام بشرع الله والعمل لإقامته في الحياة من خلال دولة واحدة جامعة للمسلمين، فالواجب علينا جميعا أن نعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وأن نرص الصفوف خلف حزب التحرير الذي برهن خلال حمله للدعوة أنه الرائد الذي لا يكذب أهله والواعي الذي يسعى بكل إخلاص وتفانٍ إلى تحصين المسلمين من مؤامرات الكفار وعملائهم، فهو الناصح الأمين لأمته والفاهم لقضيته والمبصر لطريقته، الذي يملك المشروع الإسلامي التفصيلي الذي يعالج به كل مشاكل الأمة والبشرية جمعاء.
وعليه فإننا ندعو أهل اليمن أن ينبذوا الأنظمة الوضعية ورموزها وأن يدركوا أن الحكام جميعا هم أدوات الكفار الذين ينفذون مخططاتهم فلا يمكن أن يأتي منهم خير للمسلمين مطلقا، وأن المخرج الوحيد الصحيح إنما هو بالعمل مع حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي تحكم بالإسلام في جميع شؤون الحياة.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع