أُعلن مساء الثلاثاء 21/1/2020 عن تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب من عشرين وزيراً، فيما قام المنتفضون على الأرض برفض هذه التشكيلة، التي ظهر فيها بشكلٍ جليٍّ أنها حكومةٌ من لونٍ واحدٍ، يطغى عليها رجال كانوا معروفين وما زالوا بولائهم لما يُعرف بمحور "المقاومة والممانعة" الذي يتبع نظام بشار أسد المتهالك، وعلى رأسه في لبنان حزب إيران، فكانت حصة الأسد من الوزارات لشخصياتٍ تدين بالولاء لعون وصهره باسيل، وحزب إيران، وحركة أمل، وسليمان فرنجية، وطلال أرسلان، هذا في وقتٍ كانت المطالب الشعبية تركز على حكومة من الاختصاصيين (التكنوقراط) الذين لا يتبعون لجهات سياسية من الطبقة السياسية الفاسدة، فكانت المفاجأة، أن الذين تم تسميتهم يتبعون لمن ذكرناهم، عِلاوةً على أنهم وإن كان منهم المهندس والطبيب والاقتصادي، إلا أن نصف الوزارات تقريباً أعطيت لوزراء في غير اختصاصاتهم، كل هذا إرضاءً لأمراء الطبقة السياسية الذين يعتاشون على الطائفية والمذهبية والمحاصصة، فما كان من الشارع المنتفض إلا أن أسماها حكومة (تكنومحاصصة). فهل انتهت الأزمة بذلك؟
إن المتتبع للأحداث يرى أن حكومةً من هذا الشكل، لم تحدث ولادتها إلا ضمن ظروفٍ معينةٍ تُبقي البلد في دائرة الانحدار:
فعند منعطف التشكيل يوم الجمعة 17/1/2020، ظهر تعاظم مطامع باسيل في كراسي الوزارات والوصول للثلث المعطل، ليخرج سليمان فرنجية، مهاجماً باسيل في مؤتمر صحفي منشور في 21/1/2020 بقوله: "باسيل بدو يفوتنا بالحيط، ويا منروح معو أو نحنا ضد البلد... وجشعه وطمعه يعرقلان الحكومة" رافضاً مطالبة باسيل وتياره بالثلث، وهذا الهجوم ما كان ليكون لولا رضا حزب إيران الذي يلعب دور "المايسترو" في ضبط الخلافات على الحصص بين حلفائه، صاحب ذلك أو سبقه بأيام قليلة، نزول مجموعةٍ من مناصري حزب إيران اللبناني في شوارع منطقة الحمرا وقيامهم بتكسير واجهات المصارف بشكلٍ مفاجئٍ مستغربٍ، ويُفهم من ذلك ضغط حزب إيران على حلفائه الطامعين، عِلاوةً على معارضيه، بالذهاب إلى دمار البلد في منطقة رمزية كالحمرا، علماً أن فروع المصارف ذاتها التي تم تحطيمها موجودةٌ في منطقة نفوذ حزب إيران، التي تُعرف بالضاحية الجنوبية في بيروت.
وعند المنعطف ذاته يصل إلى لبنان، وبشكلٍ اقتصر على إعلانٍ خجولٍ في الصحف والوكالات، يصل ريتشارد هارفي الذي يعرف بانتمائه إلى الخزانة الأمريكية، ويغادر دون أي تصريح، أو على ماذا اشتملت زيارته! مما قد يدل على أن هناك رسائل حملها هارفي في قضية الترتيبات المالية والتشكيلة الحكومية لم يُعلن عنها، وبالطبع كان قد وصل إلى لبنان عشية تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة في 19/01/2020 نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل كموفد من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، كل ذلك يدل على المتابعة الدقيقة التي توليها أمريكا لنفوذها رغم ندرة التصريحات بشأن لبنان.
ثم هناك عاملٌ آخر قد يكون أثر كذلك على ضرورة تمرير الحكومة بهذا الشكل، وبهذا النمط من الوزراء التابعين لمحورٍ موالٍ لنظام بشار أسد، ألا وهو تهاوي الوضع الاقتصادي لليرة السورية أمام الدولار بحيث انخفض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 600 ليرة إلى 1200 ليرة للدولار الواحد، ما دفع بشار أسد لإصدار قرار في 18/1/2020 يقضي بمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، والعودة إلى ممارسة سلطة القمع عبر عقوبات مشددة رغم حال الناس الصعب، بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، مما جعل الأوضاع في سوريا تقف على شفير الانفجار المؤذن بخروج الناس في جولةٍ أخرى - لا تريدها أمريكا بالطبع - ضد هذا النظام.
ومن المعلوم أن أحد المتنفسات الأساسية لحركة أموال النظام، ورجال الأعمال التابعين له، هي من وعبر البنوك اللبنانية، ويغلب على الظن أن هذه الخشية أدركها الأوروبيون ما جعل مصادر تنقل عن مسؤولين فرنسيين قولهم: "لن يكون هناك أي دعم في حال انتهج لبنان سياسة دولية لا تناسب الداعمين الدوليين مثل عدم الالتزام بسياسة النأي عن النفس والانفتاح على سبيل المثال على نظام دمشق".
وهنا نقول: مهما كانت سبل تشكيل هذه الحكومة، فهي حتماً حكومة تمرير الوقت، لإجهاض بقية حَراك الناس، ومحاولة إخراجهم من الشارع، ومنع حصول انتخاباتٍ مبكرةٍ تفضح عمق أزمة الساسة التقليديين، الذين ما زالت أمريكا تريد التعامل معهم، رغم أن صندوق الانتخابات في لبنان، هو بيد هذه الطبقة الفاسدة، تديره مع مصالحها ومصالح أسيادها. حكومةٌ مؤقتةٌ، هي وليدة النهج الأمريكي في رفض تغيير منظومة عملائها عبر ثورات أو حَراك في الشارع، مهما كلفها الأمر، ولو اقتضى الأمر دماءً وأشلاءً، وما حصل في سوريا ومصر وما يحصل في العراق دليل على كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية مع تغيير عملائها عبر الثورات أو الحَراكات.
فالأزمة في لبنان لم تنتهِ، وأسبابها التي قامت من أجلها ما زالت قائمةً، بل تزداد أوضاع الناس سوءاً مع تهاوي الليرة أمام الدولار، رغم البيان الذي أطلقته نقابة الصرافين عشية إعلان الحكومة! عن تثبيت سعر الصرف في الأسواق عند 2000 ليرة للدولار الأمريكي، لكن بسبب الأزمة وعدم إعلان المصارف عن العودة عما يسمى capital control على ودائع الناس، وشح الدولار في الأسواق، وصل سعر الصرف إلى 2170 ليرة للدولار رغم البيان، الذي يبدو أنه جاء بضغط من السلطة، ممثلةً بحاكم المصرف، على النقابة لإصدار مثل هكذا بيان في سوقٍ تعتبر سوقاً حرةً، يجب أن تخضع فقط للعرض والطلب وليس لقراراتٍ سلطويةٍ أو أمنيةٍ، إضافة لاستمرار هيمنة الطبقة السياسية الفاسدة التي خرج الناس ضدها، واستمرار نهج المحاصصة، ومهما اجترحت هذه الحكومة أو غيرها من حلولٍ، فإنه سيكون مبنياً على المنظومة نفسها المعتمدة على الربا والاقتراض الربوي، وهذا استمرار للأزمة، ومولدٌ لانفجارات متتالية.
إن الحل الجذري هو قلبُ هذه المنظومة كاملةً على رؤوس هؤلاء، واستبدالُ منظومةٍ بها، تمثل الناس جميعاً، ولا نراها إلا منظومة رب العالمين، والتحاق لبنان بركب التغيير في المنطقة عموماً وبلاد الشام خصوصاً، الداعي لإقامة نظام عدلٍ ورشدٍ، خلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، ترعى شؤون الناس، كل الناس ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.
بقلم: م. مجدي علي
رأيك في الموضوع