المؤكد أنه قد قُتل أكثر من مليون شخص في سوريا منذ بدء الثورة، والمؤكد أن القاتل معروف وأداة الجريمة أكبر من أن تتعامى عنها وسائل الإعلام... فهذا هو المجرم بشار ما زال يجوب البلاد التي سيطر عليها بالقتل وسوّى أرضها بالتدمير، وما زالت طائراته وطائرات المجرم الروسي تقصف وتقتل في سوريا، ومن ثم تحضر الاجتماعات وتعقد المؤتمرات مع من ادّعى يوماً صداقة هذا الشعب اليتيم.
ربما يسألني القارئ "لمَ بدأت بالحديث عن جرائم النظام وروسيا مع أن العنوان هو عن مقتل البغدادي؟" نعم يحق لك أن تسأل، والجواب هو أنه كثيرا ما يقوم الإعلام بتسليط الضوء على قضايا صغيرة متجاهلا قضايا أعظم وأكثر حساسية وجدلا، لذلك كان لا بد أن لا ننجرّ خلف دعايات الإعلام ونركز دائما على قضايانا المهمة والمصيرية ونشبعها بحثا ودراسة لنرسم خطوط الخلاص وخيوط الفلاح.
وبتسليط الضوء على هذا الحدث علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية: أولاً هذه ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها عن مقتل البغدادي، وثانيا هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها التحالف الدولي أهدافاً يدّعي أنها لتنظيمات يُحاربها ثم يتبين كذب الادعاء كما حصل عندما قصفت طائرات التحالف مسجدا في قرية الجينة بريف حلب الغربي وادعى التحالف أنه قصف اجتماعا لتنظيم القاعدة، وتبين أن المستهدف هم جماعة الدعوة والتبليغ.
ثم لا بد من طرح أسئلة من شأنها أن تعرفنا على الرسائل السياسية من هذا العمل، ومن هذه الأسئلة: من المستفيد من هذا الخبر؟ وما الذي سيستقر في نفوس أهل الشام بعد سماع هذا النبأ؟ وما هي الأحداث الخطيرة التي يُراد التغطية عليها ومن ثم تمريرها؟ وما النظرة التي ستتكون حول منطقة إدلب بعد هذا الخبر؟ وما علاقته باتفاق سوتشي؟ وما علاقته بالمحاولات المتكررة لقضم مزيد من المناطق لصالح النظام؟...
هذه الأسئلة وتلك الحقائق تجعلنا نلقي الضوء على المستجدات في سوريا فنجد أن ما حصل شرق الفرات أمرٌ عظيم يُراد تغطيته وإخفاؤه، فعملية نبع السلام التي قام بها أردوغان ومعه فصائل من المعارضة كانت نتيجتها كارثية بالنسبة للثورة، فقد تم تسليم النظام المجرم مساحات شاسعة شرق الفرات، وهذه جريمة جديدة تُضاف لسجل جرائم النظام التركي بحق الثورة وأهلها، بل جريمة تكاد تسقطه عند أنصاره ومُحبيه.
يأتي خبر مقتل البغدادي ليكون الخبر الأول والقضية الأهم لوسائل الإعلام بينما النظام المجرم ومعه روسيا يحاولون مرارا قضم مناطق جديدة في الكبينة بريف اللاذقية، وذلك بعد الاتفاق الثنائي بين بوتين وأردوغان اللذين أكدا أن اتفاق سوتشي يسير بشكل طبيعي، فهل من الطبيعي لدى النظام التركي ما يتعرض له أهل الشام من قتل وقصف؟! أم أن الطبيعي هو تسليم النظام هذه المناطق الشاسعة شرق الفرات؟!
بعد عملية غصن الزيتون التي شارك فيها أيضا مقاتلون من ريف حلب الشمالي، وعدهم أردوغان بتحرير مدنهم "تل رفعت وما حولها"، وبعد عملية درع الفرات أيضا وعدهم بتحرير منبج وما حولها، ولكن أياً من تلك الوعود لم يتحقق، ثم جاءت عملية نبع السلام لتعطي للنظام مزيدا من البلاد، فهل ستبقى هذه الفصائل مرتبطة بالنظام التركي؟! أم أنها أدركت الحقيقة التي لطالما أسمعناهم إياها وسيتداركون أمرهم؟
وعودة على خبر مقتل البغدادي، فهل للمكان الذي تم ادعاء وجوده فيه علاقة في المرحلة المقبلة لما تتعرض له إدلب آخر معاقل الثورة؟ حيث يجد المجتمع الدولي - الشريك في جريمة العصر مع المجرم أسد - مبررا لاستمرار سكوته وصمته عن جرائم أسد السابقة واللاحقة، بل ربما بعد هذا الخبر يعلنون تضامنهم الرسمي مع المجرم أسد خاصة بعد محاولات تركيا الإعلان عن تنسيقها معه استخباراتيا ليتطور الأمر إلى التنسيق في كل شيء.
وعوداً على ذي بدء فإن قضيتنا الأساسية نحن أهل الشام خاصة والمسلمين عموما أننا ما زلنا مستعمرين من أعدائنا، فها هي طائراتهم تجوب البلاد وتقتل من تشاء ولا حسيب لهم ولا من يرد عليهم، فهم يفعلون فعلتهم ثم ينسجون لنا الرواية ويُطالبوننا بتصديقها ثم يحاكموننا على أساسها، وذلك أنه ليس للمسلمين دولةٌ ترعاهم بشرع الله وتذود عن حماهم وتحفظهم من شرور المجرمين وترد لأعدائنا الصاع صاعين.
فأهل الشام الذين قُتل منهم من قتل وهُجّر من هجّر وشُرّد من شُرد يتطلعون إلى أن يتخلصوا من نير الاستعمار وأذنابه، وقد قدموا لأجل ذلك الغالي والنفيس، فكان كل هذا المكر على مر سنين الثورة، لأجل أن يئدوا مولود الأمة قبل أن يُولد، ولكن خاب مسعاهم، وخار ظنهم، فهذه الأمة تنتفض في أكثر من بلد تُعلن رفضها لكل طغمة الحكم التي جعلها الغرب نواطير على بلادنا تنهب ثرواتنا وتمنع نهضتنا.
وأخيراً فإن الصراع بيننا وبين عدوّنا حتمي، وكذلك فإن نتيجته حتمية فالعاقبة للمتقين، لكن هذه العاقبة تتطلب أن نكون على قدر المسؤولية وأن نأخذ أمر ديننا بقوة، وبحزم وثقة لا تتزعزع بنصر الله الذي وعد به عباده الصالحين، فإننا بغير حبل الله هالكون، وعلى غير سفينة شرعه غارقون، فلا عاصم من أمر الله إلا أن نكون من العاملين لإعزاز دينه، قال عزّ من قائل: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع