أصدر ملك آل سعودسلمان يوم الأربعاء 23/10/2019 أمرا ملكيا بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وكان من أبرز ما جاء في التشكيلالوزاري الجديد على المستوى الدبلوماسي تعيينالأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود وزيرا للخارجية بدلا من إبراهيم العساف الذي عُين وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء السعودي.
وكان العساف قد خلف وزير الخارجية السابق، عادل الجبير في منصبه بعد أن عُيّن الجبير وزير دولة للشؤون الخارجية في كانون الأول/ديسمبر 2018، في إطار تغيير وزاري واسع.
وكان يؤمل من تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية بدلاً من عادل الجبير تحسين سمعة الدولة في الخارج، وتلميع صورتها، والإيهام بأنّ الدولة قادرة على أنْ تُجدّد نفسها بنفسها، وذلك بعد أنْ تشوّهت صورتها، بسبب تلطخ أيديها بالدماء نتيجةً لارتكابها المجازر ضد المدنيين في اليمن، وبسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي التي ما زالت ذيولها مُستمرة حتى الآن.
وأمّا السبب الرئيس لعزل وزير الخارجية الأسبق عادل الجبير عن منصبهفيعود إلى ارتباط اسمه ارتباطا مباشراً بقضية خاشقجي، إذ كان بوقاً إعلامياً صاخباً وأجوفَ يُنافح عن ابن سلمان في المنابر الدولية، ويُبرّر له جرائمه على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا ما جعله منبوذاً من ناحيةٍ دبلوماسية، فلم يعد مُستساغاً لدى السياسيين الأجانب التعامل معه.
وسبق أنْ قدّم الجبير استقالته بعد مقتل خاشقجي بمدة ليُخفّف عن النظام بعضاً من تبعات الجريمة، وليتحمّل قسطاً من وزرها، بيد أنّ الملك سلمان رفض استقالته في حينها - كما قيل - ثمّ جاء الوقت المناسب لتغييره قبل عشرة أشهر، وذلك في محاولة يائسة من محمد بن سلمان لتبديل الصورة النمطية المطبوعة في ذهن الدبلوماسيين الأجانب عن ارتباط الجبير به وبجريمة قتل خاشقجي، والتي وسمت سلوك الدولة السعودية في الخارج بالوحشية والهمجية.
وتمّ تعويض الجبير عن منصب وزير الخارجية بمنصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ليبتعد قليلاً عن الأضواء، وليعمل خادماً لابن سلمان في موقع آخر قريب من منصب الخارجية الذي تمرّس فيه.
وأمّا وزير الخارجية السابق إبراهيم العساف فهو وإن كان معروفاً بصلاته القوية مع أمريكا وبعلاقاته الوثيقة بالمؤسسات الدولية، لكنّه لم يفلح في إخراج الدبلوماسية السعودية من الطريق المسدود الذي آلت إليه بعد حادثة خاشقجي، والعساف درس في الجامعات الأمريكية، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ولاية كولورادو عام 1981، وشغل منصب وزير المالية لعشرين عاما من 1996 إلى 2016، كما كان نائبا للسعودية في صندوق النقد الدولي بين عامي 1986 و1989، ومثّلها في البنك الدولي، وهو عضو بارز في مجلس إدارة شركة النفط السعودية أرامكو، وشغل منصب مستشار الصندوق السعودي للتنمية، وتولى المدير التنفيذي في مجالس إدارة مجموعة البنك الدولي للسعودية، وتولى عمادة مجلس إدارة مجموعة البنك العالمي، وكان يرأس اللجنة السعودية السورية المشتركة، وساهم في تقارب وجهات النظر العربية بشأن القضية السورية لصالح نظام بشار الأسد، وهو بذلك يملك خبرة تراكمية بالسياسات المالية والخارجية للسعودية، وكان أريد له أنْ يظهر أمام الدول الأجنبية كرجل دولة محترف، ورُبما هذا هو السبب الرئيسي في اختياره آنذاك لمنصب وزير الخارجية، ليكون مقبولا للدبلوماسيين الأجانب فيقبلون التعامل معه، بعد ما وقع ما يشبه القطيعة الدبلوماسية مع وزارة الخارجية السعودية إثر حادثة خاشقجي، وكان يُتوقع من تعيينه أنْ يُبيّض سجل الحكومة الأسود الحافل بالجرائم المفضوحة، لكنّه لم يستطع حلحلة الوضع الدبلوماسي المتجمد ولو سنتيمتراً واحداً.
فالهدف لم يتحقّق، وظلت السياسة الخارجية السعودية مشلولة، ولم يستطع العساف أنْ يبعث الحياة فيها، لذلك جاء هذا التعيين الجديد بهدف مُحاولة إحياء الدبلوماسية السعودية المتدهورة، فجيء بوزير من أمراء الأسرة الحاكمة لعلّه يكون كسعود الفيصل وزير الخارجية الأسبق الذي مكث ثلاثين سنة في الوزارة، ونجح في إدارة الدبلوماسية السعودية نجاحاً كبيراً قياساً بمن أتوا من بعده.
والوزير الجديد فيصل بن فرحان آل سعود كان سفيراً للسعودية في ألمانيا، والأهم من ذلك أنّه شغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية في واشنطن، وساعد على إيجاد نوع من التفاعل مع وسائل الإعلام الأمريكية والخبراء وقادة الرأي الأمريكيين وفقاً لما ذكره الكاتب الروسي إيغور يانفاريف، والذي قال أيضاً بأنّ ابن فرحان آل سعود يقف خلف العديد من المبادرات الاقتصادية بما في ذلك مشروع صناعات الفضاء المشترك بين شركة بوينغ الأمريكية والحكومة السعودية.
ولعل هذه المواصفات الموجودة في هذا الوزير تُرضي رغبة إدارة ترامب كونها قد تُدرّ على أمريكا أرباحاً كثيرة من خلال وقوف ابن فرحان خلف صفقات سعودية ضخمة مع شركة بوينغ.
فهذه هي إذاً أسباب تغيير وزيري الخارجية السابقين وهما عادل الجبير الذي اقترن اسمه دبلوماسياً بالدفاع عن ابن سلمان وتغطية حادثة خاشقجي، وتسويق الرواية السعودية غير المقنعة عن الحادثة خارجياً، وإبراهيم العساف الذي فشل في إحداث أي اختراق في السياسة الخارجية في العشرة أشهر الماضية.
هذا على المستوى الدبلوماسي، أمّا المستويات الأخرى فلم يطالها أي تغيير في التعديل الوزاري الجديد؛ فعلى المستوى العسكري والأمني فلا يزال ولي العهد محمد بن سلمان يحتفظ بكافة مناصبه بعد كل التعديلات الوزارية، وأبرزها ولي العهد، ووزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية، ومجالس أخرى.
كما أبقى التعديل الوزاري الأخير على عبد الله بن بندر بن عبد العزيز في منصب وزير الحرس الوطني الذي كان قد عُيّن بدلاً من الأمير متعب بن الملك عبد الله، وبدل الذي جاء بعده، وكان متعب قد أزيح عن منصبه واعتقل مدة في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017 كونه كان يُمثّل مركز قوة رئيسيا في الدولة لصالح الإنجليز، وكان يُعد ليكون ملكاً للسعودية بعد الملك سلمان.
وأما فيما يتعلق بهيئة الإفساد ونشر الرذيلة المسمّاة بهيئة الترفيه، والتي تُعتبر من أكبر إنجازات ابن سلمان في علمنة الدولة، فتمّ تثبيت تركي عبد المحسن آل شيخ رئيساً لها، وهو من الوجوه ذات البعد القبلي المهم في الدولة، كونه ينتسب لعائلة مؤسس الوهابية في السعودية.
وأمّا بقية أعضاء مجلس الوزراء فهم أصلاً من المُوالين لمحمد بن سلمان، ومن الممثلين للعشائر التي يتقوى بها، ويزداد بها نفوذه داخل الدولة، وهو ما يظن أنّه يتمكّن من خلالها من فرض رؤيته المزعومة على أهل الحجاز ونجد مُستعيناً بأسياده الأمريكان.
رأيك في الموضوع