استضافت روسيا قمة كبرى لقادة الدول الأفريقية في منتجع سوتشي يومي 24 و25/10/2019 ما يضيف إلى دورها المتنامي كأحد أهم اللاعبين في المنطقة. فأعلنت شطب ديون بلدان أفريقية بقيمة 20 مليار دولار وتوقيع 50 وثيقة مع دول أفريقيا بقيمة 12.5 مليار دولار وإمكانية زيادتها إلى 40 مليار دولار، وأعلنت عقد مؤتمرات دورية. وقال رئيسها بوتين "إن تقوية العلاقات مع البلدان الأفريقية يعد أحد أولويات السياسة الخارجية الروسية".
إن روسيا تسعى دائما لأن تبقى دولة فاعلة في المسرح الدولي، ولهذا تعمل على الاتصال بكل دولة في العالم للتأثير عليها كما تعمل على التدخل فيها، فتغتنم الفرص لأن تلج فيها فتصبح صاحبة نفوذ أو تأثير لتعزز موقفها الدولي في مواجهة الدول الكبرى الأخرى ومن ثم تحقق مصالحها ومآربها وهذا دأب الدول الكبرى.
وكانت على عهد الاتحاد السوفياتي الدولة الثانية عالميا وتزاحم أمريكا على المرتبة الأولى، واتفقت معها عام 1961 في فينّا على تقاسم العالم، وعلى أن تكون أفريقيا منطقة خضراء للتنافس بينهما من دون صدام مسلح واتفقتا على التنسيق بينهما لإخراج أوروبا منها. ولهذا لم يحصل أي صدام بينهما، بينما تسلطتا على أوروبا، فدعتا إلى محاربة الاستعمار والتحرر، ودعمتا حركات المقاومة وطرد المستعمر. فاضطرت بريطانيا وفرنسا صاحبتا النفوذ الأكبر في أفريقيا للتحايل على الأمر فمنحتا الاستقلال لكل مستعمراتهما وأقامتا فيها دولا تابعة لهما. فحافظتا على نفوذهما في الدول الأفريقية، وقد تمكنت أمريكا من أخذ بعضها.
وتمكنت روسيا السوفياتية من أخذ أنغولا وتركت لها تأثيرا على بعضها. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أهملت أفريقيا، فلم يعد لها أي نشاط يذكر فيها. إلا أنها في السنوات الأخيرة بدأت تعيد نشاطها فيها، فأطلقت عام 2015 المنتدى الروسي الأفريقي، ووقع رئيسها بوتين وثيقة تتعلق بسياسة بلاده الخارجية عام 2016 منها ما يخص أفريقيا بتوسيع علاقاتها مع دولها على المستوى الثنائي والجماعي وفي كافة المجالات والعمل على تسوية الصراعات بين دولها وحل الأزمات الإقليمية. ومن أهم مداخلها عقد صفقات التنقيب عن النفط والمواد الخام والثروات الطبيعية، وصفقات السلاح حيث وصلت صادراتها لأفريقيا نحو 40% من مجموع صادراتها للسلاح، بجانب مشاركتها في قوات الأمم المتحدة في دول أفريقية عدة فتلعب دورا فيما يسمى محاربة (الإرهاب) وحفظ السلام، وإلى جانب ذلك تعمل على تقديم المنح الدراسية للطلاب الأفارقة في الجامعات الروسية لكسب عملاء منهم.
وتعمل على الاستفادة من ماضيها على عهد الاتحاد السوفياتي، ويساعدها تشجيع أمريكا لها في مواجهة النفوذ الأوروبي الذي لم تستطع أمريكا أن تقضي عليه هناك. فتستغلها أمريكا في ذلك وفي تعزيز نفوذها ودعم عملائها كما هو حاصل في مصر والسودان وليبيا وإريتريا وإثيوبيا. ولجعلها تنافس الصين التي استغلتها أمريكا من قبل ضد أوروبا، إلى أن أصبح للصين نفوذ اقتصادي قوي بإمكانه أن يؤسس لنفوذ سياسي إذا أحسنت استغلاله. علما أن أمريكا تخوض حربا تجارية ضد الجميع وتركز في حربها على الصين وأوروبا اللتين لديهما قوى اقتصادية عظمى تضاهي أمريكا، وروسيا ليست على ذلك القدر اقتصاديا وليست لديها أية منافسة تجارية مع أمريكا.
ويتزامن ذلك مع دراسة إدارة ترامب لسحب القوات الأمريكية من أفريقيا وبخاصة من النيجر، حيث تتعرض قواتها لمقاومة من أهل البلاد المسلمين. وترى أن وجود قواتها غير مجد فلم يعزز نفوذها كما هو ظاهر في ليبيا أيضا، وتريد أن تعمل كما كانت قبل إرسال هذه القوات عام 2008 عندما أعلنت عن تأسيس أفريكوم للتدخل العسكري على عهد بوش الابن، فتريد أن تركز على العملاء واستخدام الدول الطامعة كروسيا.
ولهذا تستغل أمريكا روسيا وتجعل عملاءها يتجاوبون معها في أفريقيا كالسيسي والبشير سابقا وعسكره لاحقا وحفتر وآبي أحمد وأفورقي. وتجربتها في سوريا مع روسيا ناجحة فدفعتها إلى هناك بالتعاون مع إيران وأردوغان فأزالت حاليا خطر سقوط النظام وأركانه عملائها وعلى رأسهم بشار أسد.
ولهذا تريد روسيا أن تلعب دورا في حل النزاع المصري الإثيوبي على سد النهضة، وقد لعبت دورا في أفريقيا الوسطى ضد النفوذ الفرنسي عامي 2017-2018، وتريد أن تلعب دورا في جنوب السودان لتعزيز اتفاق السلام للحفاظ على عميل أمريكا سلفاكير الذي يصارعه نائبه عميل بريطانيا ريك مشار.
وروسيا قد تخلت عن الشيوعية وأخذت بالمبدأ الرأسمالي لتطبقه في الداخل، وتتقرب للغرب لتصبح أوروبية لتتخلص من عقدة النقص التي تشعر بها لكون الغرب يعتبرها دولة شرقية أي متأخرة حسب مقاييس التعالي الغربية وتتقرب من أمريكا لتجعلها الوصيفة، ولكنها لا تحمل رسالة الغرب المزيفة والتي تستعمل ذريعة للتدخل مثل حقوق الإنسان وضمان الحريات ونشر الديمقراطية فهذا يتجاوب مع حكام أفريقيا المستبدين في الحكم، بجانب أنها تحارب الإسلام بدعوى محاربة (الإرهاب والتطرف) والذي يرى حكام أفريقيا وغيرهم أنه الخطر الأكبر الذي يهدد عروشهم، إذ إن الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي يتحدى الرأسمالية السائدة في العالم ودولها الكبرى والصغرى.
ولهذا وإن كانت روسيا قد انطلقت في أفريقيا لتحقق مصالحها الاقتصادية وتوجد لها نفوذا لتعزز وجودها وتأثيرها في المسرح الدولي لتبقى دولة كبرى فاعلة، ولكن ذلك يأتي بتشجيع من أمريكا ليخدم المصالح الأمريكية في مواجهة أوروبا والصين، وربما تصطدم معهما، وهذا ما تريده أمريكا، وخاصة تصادمها مع الصين حتى ينتهي التوافق الروسي الصيني. وسوف تعتمد على التفاهم والتنسيق مع أمريكا، وإلا لا تستطيع أن تعمل كثيرا، حيث لا عملاء ولا وجود لها هناك، ولأن عملاء أمريكا هم الذين يسهلون لها ذلك، كما حصل في سوريا إذ إن عميل أمريكا بشار أسد هو الذي وافق على تدخلها بعدما أذنت أمريكا بعد اجتماع أوباما - بوتين يوم 29/9/2015. ولهذا فلن تصبح روسيا دولة عظمى في أفريقيا، وستبقى محتاجة لأمريكا والتنسيق معها، وهكذا تكون أمريكا قد استخدمت روسيا مرة أخرى، وتتقوى بها أيضا ضد المسلمين الذين يسعون للخلاص من براثن الاستعمار.
علما أن شمال وغرب وشرق ووسط أفريقيا شعوبها إسلامية تقريبا، وبدأت الحيوية تدب في الأمة وهي جزء منها، وهي في طريقها نحو النهضة الحقيقية والتحرر من ربقة الاستعمار بشكل نهائي. ولهذا ستخرج كل تلك الدول المستعمرة والطامعة والناهبة لثروات أفريقيا منها وتعود الثروات لأصحابها وتصبح جزءا من دولة الإسلام الكبرى القائمة قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع