لقد مرت ثورة الشام المباركة بمنعطفات عديدة ومنعرجات خطيرة كادت أن تودي بها، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل فيها بذرة الخير وقوة المناعة لتستمر وتتجدد رغم كل المكر الدولي والمؤامرات الخبيثة.
لقد ترك المجتمع الدولي نظام الأسد وأعطاه الفرصة للقضاء على الثورة ولكنه فشل، فتدخلت القوى الدولية بقيادة أمريكا داعمة للأسد من تحت الطاولة ومن فوقها.
أما ما هو من فوق الطاولة فقد سمحوا وسهلوا له أن يستعين بالمليشيات الخارجية كحزب إيران في لبنان والمليشيات العراقية والإيرانية فعجز مع هذه المليشيات عن القضاء على الثورة، فتدخلت إيران كدولة داعمة له بالسياسة والسلاح والمال والمستشارين وما اتفاق كفريا الفوعة والزبداني مضايا عنا ببعيد بل هو أول ثقب في جدار الثورة قبح الله صانعيه، حيث كان يعتبر التفاوض مع النظام وقتها خيانة فكُسر هذا المفهوم!
وكذلك تدخلت روسيا بقواتها الجوية والبحرية والبرية كقوة عالمية مما جعل الكفة ترجح لصالح النظام، ولكن هذا الرجحان لم يكن ليؤتي أكله لولا الدعم الدولي للنظام من تحت الطاولة وذلك عبر الدول التي زعمت صداقة الشعب السوري وعلى رأسها أمريكا التي تظاهرت بدعم الثورة ومحاربة النظام الذي أمهلته عاما كاملا ليقضي على الثورة ودعمته بخمسة مليارات دولار في نهاية عام 2012 عندما بدأ انهيار العملة السورية بشكل متسارع كما أظهرت ذلك وثائق ويكيليكس.
وفي الوقت نفسه أوعزت لعملائها من آل سعود وأردوغان بأن يحتووا الثورة بواسطة الدعم المالي والسلاح ليسيطروا على قرار الثورة ويأخذوا قيادتها بالاتجاه الذي يدمرها ويقضي عليها، وبمكر هؤلاء الداعمين سُلّمت حمص أولا، وحلب وشرق السكة ثانياً، وشمالي حمص وأرياف حماة ثالثاً، والغوطة والقلمون وأرياف دمشق رابعاً، ودرعا وحوران خامساً، وبسوتشي يحاولون القضاء على الثورة في إدلب وريفي حلب الغربي والشمالي بشكل أو بآخر.
إن ما حصل للثورة حتى الآن وما وصلت إليه الحال الآن ليؤكد كذب وخداع من زعموا دعمها ونصرتها فهم من قادها إلى ما هي عليه الآن.
إن هذه المنعطفات والمنعرجات التي مرت بها الثورة كشفت كل الأوراق والأشخاص وأساليب المكر وطرق الخداع؛ من مبعوثين ولجان وممثلين للثورة صنعوا في دهاليز السفارات وأقبية المخابرات، ومن مؤتمرات وهدن ومفاوضات، فبان الصادق الناصح والمخلص الحريص الذي حذر من كل ما سبق وبيّن الموقف الصحيح الذي يجب أن يتخذ تجاه ما يجري، وكذلك بان المتآمر المخادع والمنتهز المتاجر والغبي الفاشل.
إن صمود الثورة رغم كل القوة المفرطة والمكر الخبيث الذي استخدم ضدها ليدل على العناية الإلهية والرعاية الربانية لثورة الشام وأهلها والتي قد اكتسبت وعيا ومناعة من كل ما مرت به من مراحلِ قوةٍ وضعف ومنعطفات خطيرة وكيد ومكر.
إن ثورة الشام اليوم تتجدد من جديد وتستعيد سيرتها الأولى وتعمل على تصحيح مسارها بعد كل المنعرجات ولكن بوعي ودراية بكل ما يحيط بها وما يحاك ضدها؛ فها هي درعا تنتفض من جديد بقوة، ولكن بحذر شديد ممن يحاولون خداعها مرة أخرى من أشباه الذين زرعتهم الدول الداعمة وأغرتهم بالمال حتى باعوا الثورة وسلموا العباد والبلاد للمجرم الجلاد.
إن الحراك المتجدد في حوران ليبشر بخير واستمرارية للثورة وأنها عصية على كل المؤامرات والخدع، فهي ثورة لن تموت بل تتجدد وتكبر حتى تنتصر وتبلغ غايتها بإذن الله.
إن التضحيات من شهداء وجرحى واغتصاب للأعراض وتشريد وتدمير للبلاد والبيوت هي المناعة في وعي الثورة من أن تستسلم أو تركن للقاتل المجرم أو المخادع الماكر.
وكذلك إن ما يحصل من عودة الانشقاقات في صفوف جيش النظام وبعض التحركات في الغوطة وشمالي حمص وبعض العمليات داخل مناطق النظام ليدل على أن الثورة تستعيد عافيتها وتتجدد حركتها من جديد.
وأما إدلب وما حولها وأرياف حلب شمالها وغربها فهي معقل الثورة الأخير ومعقد الأمل الكبير فقد اجتمع فيها من مجاهدي أهل الشام من كافة المناطق العدد الكبير والنوعية الأصيلة في الإخلاص والثبات وهم الآن يُسطرون أروع الملاحم وأعظم البطولات التي دحروا فيها روسيا ومن معها من نظام ومليشيات، وكان استشهاد المجاهد عبد الباسط الساروت في تلك المعارك قد حرك عواطف كمنت واستعاد ذاكرة للثورة ووحدتها كادت تنسى، فأعاد شيئاً من الوعي إلى العقل والوجدان يجب أن يفعّل ويثمر بالاتجاه الصحيح.
وأما الحاضنة الشعبية فقد أبانت عن وعي عميق على المكر الدولي فقامت بإفشال مخططات سوتشي من نزع للسلاح الثقيل وإنشاءٍ لمناطق منزوعة السلاح والكرامة وفتح للطرقات الدولية كأوتستراد حلب اللاذقية وحلب دمشق، فقامت بمسيرات ومظاهرات ووقفات ترفض وتفضح وتكشف كل هذه المخططات الخيانية وأفشلتها بعون الله. بل لقد عقدت الاجتماعات وأقامت المؤتمرات والتي من خلالها أعلنت احتضان المجاهدين وتعهدت بدعمهم وتأييدهم مطالبة باستمرار الثورة والجهاد وتصحيح المسار بفتح الجبهات التي توقع نكاية في النظام وخصوصا (جبهة الساحل) ومناطق حاضنة النظام.
نعم إن ما تطالب به الحاضنة الشعبية وتسعى له هو تجديد للثورة وتصحيح للمسار وقلب للطاولة على المعادلات التآمرية، والثبات على الجهاد وفتح الجبهات ورفض الهدن والمفاوضات ومطالبة المجاهدين بالتوحد على قيادة عسكرية واحدة محترفة ومختصة وغير مرتبطة، يختارها المجاهدون بعد فشل القيادات الحالية بسبب ارتباطها بالدول الداعمة وفقدانها للقرار والمبادرة والتزامها بالخطوط الحمر وأهمها أن لا تفتح جبهة الساحل وكذلك ارتباطها بمصالحها الشخصية وثرواتها التي كونتها عبر الثورة والداعمين فأثقلت كاهلها عن التفكير الصحيح بمصير الأمة والثورة والمجاهدين، بل إن هذه القيادات أصبحت تنظر إلى الثورة من زاوية الحفاظ على مصالحها فأصبحت مصلحتهم هي مصلحة الثورة! وهذا ما قاد الثورة إلى واقع كواقع غزة وحماس، والضفة وعباس!!
إن الحاضنة الشعبية هي صاحبة القرار، وقد امتلكت وعيا أن الثورة يجب أن تصحح مسارها وذلك بقطع الارتباط بالدول الخارجية ونبذ الدعم والمال السياسي القذر واتخاذ قيادة سياسية واعية ومخلصة لله وغير مرتبطة بالخارج وتحمل مشروعا سياسيا مكتوبا شاملا وواضحا مبنيا على عقيدة الأمة ومستمدا من الشريعة الإسلامية.
كل ما سبق طالبت به الحاضنة الشعبية وسعت له في مؤتمرها الأخير الذي انعقد في شمال إدلب المحرر وحضره الوجهاء والمثقفون والفعاليات وقدامى الثوار والمجاهدين وبعض القيادات العسكرية من كافة المدن والبلدات تحت عنوان (السلطان للأمة)
فالثورة تسعى لاستعادة سلطانها وقرارها ممن تسلقوا وتسلطوا عليها وفرطوا أو تاجروا بها، وهي تسعى كذلك لتصحيح مسارها وتجديد حالها بشكل تام وكامل وبشائر هذا تلوح في إدلب وتهل من حوران بفضل وتأييد من الله، وهو القوي المستعان.
ثورة الشام تتجدد وتصحح مسارها
بقلم: الأستاذ محمد سعيد العبود (أبو مصعب الشامي)
رأيك في الموضوع