بخلاف ما جرى في السودان حيث تمكّنت ما تُسمّى بقوى إعلان الحريّة والتغيير من فرض نفسها على الحراك السوداني، وركوب موجة الانتفاضة، وهو ما أهّلها للتحدث باسمه، والتفاوض مع قيادة الجيش السوداني على تقاسم السلطة، وعلى تشكيل حكومة مدنية، فإن الحراك في الجزائر ما زال من دون قيادة، وبلا رأس، وما زال سقف المطالب الشعبية مُرتفعاً، وهو ما يجعل هذا الحراك أشدّ تعقيداً، وأكثر استعصاءً.
وعدم وجود قيادة للحراك حتى الآن هو عنصر إيجابي، لأنّ التسرع في الوثوق بالقيادة يكشف عن وجود اختراق من مدسوسين يتعاملون مع النظام البائد، ومع الدول الأجنبية، فالمسألة تحتاج إلى نظر وإلى وقت وتمحيص.
وبفضل التريث في الاختيار استطاع الحراك في الجزائر تحقيق أهداف كبيرة وكثيرة، وليس آخرها توقيف واعتقال كل من الرئيس الفعلي السابق للبلاد سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل، والجنرال محمد مدين المُلقب بالجنرال توفيق الذي كان يُعتبر صانعاً للملوك، ونظيره الذي خلفه من بعده الجنرال بشير طرطاق، بتهم التآمر على الجيش وعلى الحراك الشعبي.
وبفضل هذا التريث، وبسبب عدم قبول قيادات مُتطفلة، فالنظام السابق ما زال يتهاوى، ويتساقط رموزه، ويلفهم الخزي والهوان، لدرجة أنّ الأمين العام الجديد للحزب الحاكم - جبهة التحرير الوطني - محمد جميعي قد اعترف بفشل القيادة السابقة للحزب، وطلب الصفح من الجزائريين، وقد أكّد على أنّ الحزب كان مُختطفاً من جهة عملت على تحريض الشعب عبر خطابات التهريج والسلوكيات البهلوانية فقال وهو يُعبّر عن حالة الصغار التي آل إليها حزبه: "باسمي الخاص وباسم كل مُناضلي الحزب العتيد نطلب الصفح من فخامة الشعب الجزائري عن كل تقصير أو تصرف طائش أو تصريح غير مسؤول".
إنّ شباب الجزائر وهم الوقود الحقيقي للحراك الذي تفجّر في 22/2 الماضي، لم تنطلِ عليهم ألاعيب الساسة المُتسلقين، ولم ينساقوا لأحاديث السياسة التقليدية، ولم يُخدعوا بمعسول كلام القيادات البالية، فقد أظهروا إرادة جادة في التغيير الشامل، وجعلوا على رأس مطالبهم إسقاط النظام بكل أركانه ورموزه.
فما فتئت المسيرات تتعاظم، والتظاهرات تنتشر وتتوسع في كل المحافظات، وما زال المُحتجون يملؤون الشوارع، ويرفعون شعارات من مثل "لن نتوقف حتى ترحل العصابة" و"ترحلوا يعني ترحلوا".
إنّ عدم اتفاقهم على قيادة لا يعني رفضهم لمبايعة قائد، بل يعني عدم ثقتهم بما يُعرض عليهم من قيادات وقادة.
إنّ ما يجعل طريقهم يسير بشكلٍ أفضل نحو تحقيق أهدافهم قبل اختيارهم للقيادة، وقبل توافقهم على القائد، هو اتفاقهم على المشروع السياسي الواضح، فالمشروع هو الفكرة، والفكرة هي النواة الصلبة في كل عمل سياسي، وبما أنّهم مسلمون يعتقدون بعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعليهم أنْ يختاروا الإسلام مشروعاً وهدفاً وغايةً، إذا أرادوا النجاح والفلاح.
فالمشروع السياسي الإسلامي هو الوحيد الذي إن اختاروه سيؤدي إلى تحقيق غاياتهم وطموحهم، وما سواه يجعلهم يدورون في حلقة مُفرغة تنتهي بهم إلى اليأس والدوران حول أنفسهم.
وهذا المشروع السياسي هو نظام شامل للحياة مُستند إلى القاعدة الفكرية الإسلامية، ولا يتجسد إلا عبر دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع