أعلنت الخارجية السودانية عن جاهزية الحكومة للانخراط في مسارات المرحلة الثانية، وصولاً للأهداف المرجوة... وقالت في بيان لها (إن مرحلة الحوار الثانية صممت لتوسيع التعاون الثنائي بين الخرطوم وواشنطن وتحقيق مزيد من التقدم في عدد من المجالات ذات الاهتمام المشترك). هذا من جانب، ومن الجانب الآخر أكدت مصادر في واشنطن للجزيرة نت فضلت عدم ذكر اسمها، أن قرار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية (للإرهاب) بات بيد الحكومة السودانية، ورهنا بتقيدها بتنفيذ التزام خاص بسن قانون لحماية حرية الأديان ووقف هدم الكنائس، فضلاً عن إجراء تسوية سياسية مع الحركات المسلحة. وقد أعلنت واشنطن استعدادها لرفع اسم السودان من القائمة السوداء واشترطت لذلك قيام الخرطوم بمزيد من الإصلاحات والوفاء بالمعايير القانونية ذات الصلة.
إن الحوار الذي يجري بين حكومة السودان والحكومة الأمريكية، هو حوار أشبه بقصة حوار الطرشان! فأمريكا تتكلم بصوت عالٍ لا يمكّنها من سماع شيء سوى صدى صوتها، وحكومة السودان تنفذ ما تظن أن أمريكا تريده. لكن الحقيقة هي أن أمريكا لا تريد أن تسمع مطالب السودان ولا أن تعلم حكومة السودان ما ترمي إليه أمريكا، تماما كما في قصة حوار الطرشان التي تحكي أن "أربعة أشخاص طرش (الأطرش غير الأبكم فهو يسمع بصعوبة بالغة ويتكلم، عكس الأبكم الذي لا يسمع ولا يتكلم إلا بالإشارة) فهم راعٍ ومزارع وبائع ملح متجول وقاضٍ للقرية، جاء الراعي للمزارع وسأله هل رأيت قطيع غنمي فقال المزارع إن العجوز الذي تسأل عنه وراء تلك التلة فقال له الراعي إن وجدت القطيع هناك سأعطيك حملاً لا خروف، وحينما وجد القطيع رجع إلى المزارع وقال له سأعطيك حملاً، فقال المزارع أنا لم أسرق القطيع وارتفعت أصواتهم فجاء بائع الملح فبادر بالشكوى إليه فقال لهم تريدان كيس الملح كله، لا ليس هذا ما اتفقنا عليه وزاد الشجار فذهبوا إلى قاضي القرية وقد تصادف أن وجدوا القاضي في حالة شجار مع زوجته وقال لها اذهبي إلى أهلك فلما احتكموا إليه قال لهم مستحيل أن أدعها ترجع فهي امرأة عاصية لا تسمع الكلام".
هذا تماماً ما يدور بين حكومة السودان والحكومة الأمريكية؛ فقد لاحظنا أن قرار رفع الحصار الاقتصادي عن السودان تم بعد حوار مطول بين الحكومتين، ولكن قبل أن يجف مداد القرار الأمريكي وقبل أن تكتمل فرحة حكومة السودان بما أسمته بالإنجاز الإعجاز للدبلوماسية السودانية، قبل أن يتم ذلك رفعت أمريكا إشارة حمراء تمنع التعامل مع السودان لأنها ضمن قائمة الدول الراعية (للإرهاب)، ولكن الحكومة السودانية لم تيأس بل ظل الحلم يراودها بالفوز برضا أمريكا إلى أن فازت بجولة جديدة للحوار. ولكن قبل أسبوع من الاتفاق على تفاصيل الجولة الجديدة، إذ بالرئيس الأمريكي ترامب يصدر قرار تمديد حالة الطوارئ الوطنية الأمريكية تجاه السودان والذي وصف فيه حكومة السودان بأنها ما زالت تشكل تهديداً استثنائيا وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية لأمريكا، ما يعني أن لا فائدة من الحوار حتى لو أدى إلى رفع السودان من القائمة السوداء، فهو يقع تحت طائلة قانون الطوارئ الأمريكي.
إن أمريكا لا تفهم من لغة التنازل إلا المزيد من الطلبات، أما اللغة المناسبة للحوار معها فهي اللغة التي اختارها يوسف قرة مانلي والي الدولة العثمانية في الجزائر وأمير بحريته حميدو الذي استعان بالطاقة الإسلامية المتوفرة حوله من تونس وليبيا والجزائر والدولة العثمانية وأوقع هزيمة كبيرة بالأسطول الأمريكي ثم بعد ذلك دخل مع أمريكا في مفاوضات أجبرتها على التوقيع على اتفاقية مذلة دفعت بموجبها ضريبة مضاعفة وتعويضا عن كل جندي قتل من الجيش الإسلامي. وفوق ذلك أُجبرت أمريكا على أن توقع على تلك الاتفاقية التي لم تكتب باللغة الإنجليزية وذلك لأول مرة في تاريخها. هذه هي اللغة التي تفهمها أمريكا والتي لا نستطيع التعامل بها، ونحن المسلمين، على ما نحن عليه من فرقة وشتات إلا باستئناف العصور الذهبية للمسلمين عصر الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع