(مترجم)
في العامين الأخيرين، لوحظت بعض التغييرات في بلدان آسيا الوسطى في السياسة الداخلية للأنظمة الاستبدادية - في بعض البلاد كانت التغييرات على شكل نقاط، وفي بلاد أخرى أعلن عن إصلاحات حقيقية. تجذب هذه الظاهرة الانتباه في المقام الأول إلى حقيقة أن التسهيلات والإصلاحات لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع السياسات التي نفذتها أنظمة المنطقة خلال العشرين سنة الماضية.
ثالثا: طاجيكستان:
أما بالنسبة لطاجيكستان، حيث لم يكن هناك أي تغيير للأشخاص في السلطة، على عكس أوزبيكستان وقرغيزستان، فإن سلوك الرئيس رحمون، في السنوات الأخيرة كان يوحي برغبته في إظهار "قوميته" و"عدالته". وتبنى رحمون انتقادات علنية لمسؤولي الدولة وبدأ في كل فرصة بتوبيخهم بسبب عدم الكفاءة في أداء المهام المسندة إليهم، والتي تغطيها بالتفصيل وسائل الإعلام الرسمية. لذا، وبعد انتقادات حادة، عزل رحمون وزير المالية ورئيس دائرة الجمارك. كما أعلن عن حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد، حتى إنه ضحى بالعديد من كبار المسؤولين من أجل الكفاءة. وكان أحد ضحايا إصلاحات الرئاسة هذه، على سبيل المثال، رئيس إدارة التحقيقات في وكالة الرقابة المالية الحكومية ومكافحة فساد طاجيكستان، فيروز هولمو ودود زودا. قام رحمون أيضاً ببعض التغييرات في الموظفين.
بدأ رحمون في خطاباته العامة بالمطالبة بأن يتوقف رؤساء المناطق والمحافظات عن الاحتفالات الباذخة والفخمة خلال رحلاته إلى المناطق. على سبيل المثال، في 24 حزيران/يونيو من هذا العام، خلال رحلة إلى منطقة سوغد، انتقد رحمون السلطات المحلية للمراسم الاحتفالية الرسمية التي أقيمت على شرف مقابلته بمشاركة الطلاب وتلاميذ المدارس. أي أنه أظهر براءته وسخطه الصادق تجاه الأحداث الفخمة على شرفه. "لماذا لا تفهم الكلمات؟ كم مرة يجب علي أن أكرر ذلك خلال زيارات الرئيس لمدن ومناطق الجمهورية، لا ينبغي أن يؤخذ الفتيان والفتيات إلى الشوارع؟ هل يمكن أن ترى، الناس يرتجفون من البرد. "هل لديك ضمير؟" - لقد وجه توبيخًا شديدًا ومحرجاً إلى المسؤولين الذين اعتادوا منذ 25 عامًا على مقابلة ما يُسمى "قائد الأمة" بهذه الطريقة تماماً، وفي أي مكان آخر. "استمع المسؤولون بصمت إلى لوم الرئيس، مطأطئي الرؤوس" - تصف تلك الأحداث بوابة "Akhbor" مع الإشارة إلى مصدر مجهول.
وفي شباط/فبراير 2017، وبعد تعيين ابنه رستم لمنصب عمدة دوشانبي، قام رحمون بنصح ابنه علناً وإعطائه التعليمات التالية: "لا تتناول العشاء في منازل رجال الأعمال. ولا تذهب إلى المطاعم. اذهب إلى منازل العمال، والشيوخ، والأرامل. سيسعدون أن يعطوك أفضل ما عندهم. وسوف يعتبرون اللقاء برئيس المدينة شرفاً لهم. وقم بخفض الأسعار للشعب، وتوفير العمل اللائق، والنقل، والكهرباء، ولا تكن وقحاً مع مرؤوسيك، وتحدث معهم بطريقة مؤدبة". ويشير المراقبون إلى أنه في كل خطابات رئيس طاجيكستان، يمكن للمرء أن يرى بوضوح الأعمال المسرحية والغرور.
بالإضافة إلى ذلك، في 30 أيار/مايو 2018، أعلن رحمون عن بدء بناء جامعة إسلامية في طاجيكستان، وفي دوشانبي بدأوا ببناء أكبر مسجد في آسيا الوسطى. يعتقد المحللون أن الإعلان عن المزيد من الإصلاحات الجذرية في البلاد سيأتي مع الوقت بعد وصول رستم للسلطة، والذي، على ما يبدو، وفقا لخطة رحمون، سيستلم كرسي الرئيس في المستقبل القريب. وهذا سيسمح للرئيس الجديد بالاحتفاظ بالسلطة وكسب شعبيته بسرعة بين الناس.
يعتقد المراقبون أن محاولات تقديم رحمون كمصلح للبلاد، والذي وجه السياسة الداخلية نحو التخفيف لا يعدو كونه تكريماً لوقت خطير عندما تتمرد الدول حول العالم ضد الطغاة واحداً تلو الآخر، وكثير منهم يجدون أنفسهم في نهاية المطاف يعاقبون بشدة بسبب الفظائع الخاصة. من بين أمور أخرى، يرى علماء السياسة ذلك كتحضير للأرضية لتسهيل تعيين رستم في منصب رئيس الدولة في المستقبل القريب، الذي بدوره، يرفع درجته أمام الناس عن طريق توسيع مدينة دوشانبي لأموال الائتمان.
يمتلك رحمون قوة مطلقة في طاجيكستان، حيث إن القانون لا يمتلك حتى تلك القوة، مما يؤدي إلى استمرار الانغماس في الذات والمزيد من التدهور في شخصية الرئيس. إن عبادة رحمون الشخصية قد انغمست بالنظام لدرجة أنه عند ذكر اسمه في وسائل الإعلام الطاجيكية، يجب كتابة لقبه الكامل، الذي أنشأه هو نفسه؛ "مؤسس السلام والوحدة، قائد الأمة، المحترم رحمون". يكتب المسؤولون والحكومة والشخصيات العامة عنه قصائد سخيفة تقارنه بالنبي عيسى عليه الصلاة والسلام وتضعه مع صحابة النبي محمد رضي الله عنهم، وهذا ما ورد في تقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية فريدوم هاوس، والتي ضمت طاجيكستان إلى مجموعة من الدول ذات الحكم المطلق.
أما بالنسبة لفساد هذا النظام، فإن مستواه ينعكس في تقرير المنظمة الدولية للشفافية الدولية، الذي صدر في حزيران/يونيو 2017، حيث لوحظ أن طاجيكستان تحتل المرتبة 152 بين 175 دولة فيما يتعلق بالفساد، ووفقًا لخبراء فإن كل شخص في البلاد قد أعطى رشوة على الأقل مرة واحدة في حياته.
فيما يتعلق بحالة خضوع رحمون لروسيا، فقد بدأ ذلك منذ بداية مجيئه إلى السلطة، وكذلك هناك أيضاً أدلة قوية لاعتماد طاجيكستان القوي على روسيا. ففي مقابلة مع صحيفة يوراسيا ديلي، قال الخبير الطاجيكي تيمور فاركي: "طاجيكستان ليس فقط تعتمد على روسيا، بل إن هذا الاعتماد في تزايد، على الرغم من الاعتماد المتزايد على الصين". ليس سراً أنه في طاجيكستان، يتم نشر الجنود في القاعدة العسكرية 201 - أكبر منشأة عسكرية لروسيا خارج حدودها، فضلاً عن المستعمرين الروس الذين يملكون مطاراً عسكريا في آيني. بالإضافة إلى ذلك، تجري روسيا سنوياً مناورات عسكرية واسعة النطاق في جبال طاجيكستان باستخدام المعدات الثقيلة والطائرات. في طاجيكستان، تنشط المنظمات الروسية، وتشارك في الدعاية للثقافة الروسية، واحدة من هذه المنظمات هي مؤسسة روسكي مير.
أما فيما يتعلق بمكافحة الإسلام في طاجيكستان، فقد ضاعف النظام القيود خلال السنوات القليلة الماضية على الرموز الإسلامية والإسلام بشكل عام. ويتضح ذلك من خلال اعتماد قانون حظر ارتداء الخمار في الأماكن العامة، ونتيجة لذلك، تقام حملات مداهمات مستمرة ضد النساء اللاتي يلبسن الخمار. إن السجون الطاجيكية مكتظة بالنزلاء، الذين ألقي القبض عليهم لأسباب دينية وسياسية، بما في ذلك أولئك الذين أدينوا بأدائهم للصلاة ليس وفقاً للمذهب الحنفي. وضع الحريات يتدهور كل يوم، ويحظر على السجناء الصلاة في الصباح، ويعتبر ذلك على أنه انتهاك للنظام. بدأ تسجيل المصطلحات الخاصة بالسجناء على أسس دينية (في ما يسمى بـ"الترويج")، حيث يحاول نظام رحمون عدم الإعلان عن ذلك.
وهكذا، وبعد استعراض الحقائق المذكورة أعلاه فيما يتعلق بما يسمى بالإصلاحات والوضع الحقيقي للحالة السياسية في أوزبيكستان، وقرغيزستان وطاجيكستان، يصبح من الواضح زيف التطورات والإصلاحات في هذه البلدان.
يرى معظم الخبراء والمحللين أن جميع هذه الأشكال الخادعة تمليها عوامل عدة:
- ليس سراً أنه في السنوات القليلة الماضية، كانت البلدان ذات الأنظمة الاستبدادية تعاني من أزمات سياسية، وهذا يحدث في كل من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية. من الواضح أن كل حاكم يخرج باستنتاجات مما يحدث؛
- 2) إن نموذج الإدارة الذي يطلق عليه "ليّ الجوز للطحن" يؤدي إلى استنفاد هامش الأمان في دول آسيا الوسطى، ولا يحتاج اللاعبون الجيوسياسيون الرئيسيون اليوم إلى ثورة في المنطقة، خاصة في أوزبيكستان، حيث توجد حاجة إلى نهج أكثر دقة.
- أي تغيير للحاكم لاكتساب الحب الشعبي وتعزيز قوته خلال الفترة الأولية يتطلب تدابير شعبية، والتي يمكن ملاحظتها اليوم في أوزبيكستان وقرغيزستان. غير أنه في طاجيكستان، تحدث أشكال من الإصلاحات الزائفة، بالأحرى، عن طريق الجمود مع الجيران وتهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم.
قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله".
بقلم: الأستاذ عبد الصمد نوروف
رأيك في الموضوع