ما زالت حلقات المؤامرة لتصفية قضية فلسطين لصالح كيان يهود مستمرة منذ بدأت المؤامرة الكبرى في (سايكس بيكو، ووعد بلفور) سنة 1916-1917، وكان آخر هذه الحلقات ما أقدمت عليه أمريكا باتخاذ قرار إلغاء التزامها المالي تجاه الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وكذلك إعادة النظر في موضوع عدد اللاجئين الفلسطينيين؛ على اعتبار أن اللاجئ هو فقط من هُجّر من فلسطين سنة 48 شخصيا، وليس أبناؤه أو أحفاده... فما هي أهداف السياسة الأمريكية من القرارات الجديدة تجاه قضية اللاجئين، ومؤسساتها الدولية، وما هي ردة الفعل في بلاد العالم الإسلامي، ومنه البلاد العربية على وجه الخصوص؟؟...
وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من الوقوف على الحقائق التالية:
1- لقد أسست الأونروا بقرار دولي سنة 1949 عن طريق الأمم المتحدة، بعد النكبة مباشرة؛ من أجل التغطية على الجريمة الكبرى التي اقترفها العالم بخصوص فلسطين وأهلها ومقدراتها لصالح الحركة الصهيونية، وكذلك من أجل التغطية على تخاذل حكام المسلمين؛ وخاصة الدول المحيطة بفلسطين، وليكون ذلك ضمن مشروع تصفية قضية فلسطين لصالح يهود. فأصبحت قضية المهجرين من أرضهم وديارهم قضية عيش ومساعدات وإغاثة مادية وتعليم... بدل أن تكون قضية تحرير الأرض، وإزالة المغتصب الشرير. وقد اتخذت المؤسسة الدولية بإجماع دولي قرارات تمهّد الطريق لما هو حاصل اليوم من مؤامرات عالمية لتصفية قضية فلسطين؛ منها قرارات تخص إهدار الحق المغتصب في فلسطين سنة 48؛ وذلك مثل القرار الدولي (242) سنة 1967 وهو أهم القرارات الدولية بخصوص قضية فلسطين، والذي ينص على: (الانسحاب من أراضٍ "دون تعريف" احتلت سنة 67، دون ذكر الأرض المغتصبة سنة 48، وإنهاء حالة الحرب، والاعتراف ضمنا (بإسرائيل)، دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين).
2- إن القرار الأمريكي هو حلقة في سلسلة طويلة من القرارات الدولية والإقليمية؛ والتي تصب كلها في طريق تصفية قضية فلسطين لصالح كيانيهود. وقد سبق هذا القرار الغاشم الشرير إجماع دولي على الاعتراف بالكيان الجاثم على أرض فلسطين، فأصبح عضوا شرعيا حسب قانون الأمم المتحدة، ومعترفاً به دوليا؛ رغم اغتصابهلفلسطين. والأنكى من ذلك؛ هو قرار اعتراف الجامعة العربية في قمة بيروت سنة 2002 بهذا الكيان المغتصب، مع أنه لا يعترف بأي حق لأهل فلسطين؛ لا في حدود 48، ولا في حدود 67، ويعتبر أن حدود كيانه على نهر الأردن، وأن السيادة الكاملة له على كل فلسطين، ولا تنازل عنها. ثم جاء تأكيد الاعتراف مرة أخرى في قمة الظهران 2018، والمطالبة بدولة فلسطينية على جزء من الحق المغتصب سنة 67، وعاصمته شرقي القدس.
3- إن موضوع الأونروا ليس المقصود منه قضية المساعدات المادية؛ فقد ذكر القرار الأمريكي أنه سوف يحوّل المساعدات المحجوبة عن الأونروا لصالح الفلسطينيين، وليس للأونروا.. وربما اتخذت أمريكا في المستقبل القريب قرارات مالية بتمويل المدارس وباقي المؤسسات، حسبما ذكره بعض المسئولين الأمريكان؛ ولكن على اعتبار أنها مؤسسات فلسطينية، داخل الأراضي الفلسطينية، ولا تخص قضية لاجئين ضمن الأونروا. وهذا القرار سيتبعه قرارات أخرى من جانب كيانيهود، ومن جانب بعض الدول العربية بصورة التفافية، وعلى رأس هذه الدول الممّول الثالث بعد أمريكا والاتحاد الأوروبي من حيث القيمة المالية المقدمة وهي السعودية.
4- لقد سبق القرارات الأمريكية الأخيرة بخصوص القدس ونقل السفارة، واللاجئين ومؤسساتهم الدولية مثل الأونروا؛ سبق ذلك قرارات دولية عديدة، وعلى فترات متتابعة؛ منها قرارات الأمم المتحدة في إهدار حق اللاجئين عبر الاعتراف بشرعية كيان يهود، ومنها قرارات الحلول المطروحة لحل قضية فلسطين، وسبق هذا القرار كذلك السير في مخطط السلام الدولي؛ عبر مؤتمريمدريد وأوسلو وغيرهما من مؤتمرات دولية. وسبق ذلك أيضا معاهدات (السلام) والاعتراف بكيانيهود، وقعت من الدول العربية؛ منها مصر في كامب ديفيد، والسلطة الفلسطينية في أوسلو، والأردن في وادي عربة. وسبق القرار الأمريكي كذلك قرارات يهودية بخصوص القدس وحدودها؛ حيث نص قانون الكنيست الجديد 2/1/2018 على وجوب الحصول على موافقة ثلثي نواب الكنيست؛ أي 80 من أصل 120 على أي قرار بالتنازل عن الأراضي التي يعتبرهاالكيان جزءا من مدينة القدس، وقرار مركز الليكود سنة 2017 الداعي إلى فرض سيادةكيان يهود على كافة المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وضم المناطق المصنفة (ج) حسب اتفاق أوسلو إلى البعد الاستيطاني...
لقد تزامن القرار الأمريكي مع المشروع المطروح هذه الأيام لتصفية قضية فلسطين والمسمى بـ(صفقة القرن)؛ ومنه توطين قسم من المهجّرين من أبناء فلسطين على جزء من أرض سيناء؛ بحيث يكون امتدادا لمدينة غزة، وإقامة روابط اقتصادية وإدارية مع مصر من جانب غزة، وأخرى مع الأردن من جانب الضفة الغربية، ومنه أيضا شطب موضوع اللاجئين نهائيا واعتبارهم مجموعة من المتضررين ماديا ومعنويا؛ تعالج قضيتهم عن طريق بعض الأموال.
إن ردة فعل حكام المسلمين كانت واهية وضعيفة؛ تدلّل على ضعفهم ولهثهم خلف مرضاة أمريكا وتطبيق سياساتها، ولهثهم خلف مرضاة كيانيهود وخطب وده والسلام معه... فكان أعلى تلك المواقف هو الاستنكار، والمطالبة برفع الأمر إلى هيئة الأمم المتحدة للنظر في تجاوزات أمريكا وتحدّيها للقرارات الدولية. ونسي هؤلاء الحكام أو تناسوا أن هيئة الأمم ومؤسساتها لم تزد على كونها إحدى المؤسسات التابعة لسياسات أمريكا الخارجية، وأنها تسخر هذه المؤسسة كيفما تريد دون أن يقف أحد في وجهها...
إن هذا الأمر ليذكرنا بحقيقة ساطعة؛ وهي أن حكام المسلمين هم من تآمروا على الأقصى وأكناف الأقصى؛ ففرطوا بها وأسلموها ليهود، وأنهم ليسوا أهلا لتحرير فلسطين، بل هم من أسلموها وتآمروا عليها، وحرسوا كيانيهود. لذلك فإن أولى خطوات إعادة الحق لأهل فلسطين هو إزالة هؤلاء الحكام الرويبضات، وتوحيد الأمة على عقيدتها ودينها تحت الراية التي فتحت الأرض المباركة فلسطين في عهد الصحابة الأبرار، والتي حررتها من عباد الصليب. فهذه هي طريق إعادة الحق إلى أهله، وهذا ما فعله الفاروق عمر، وقائده الأمين أبو عبيدة رضي الله عنهما، وهذا أيضا ما فعله الناصر صلاح الدين الأيوبي؛ عندما قضى أولا على من خان الأرض المقدسة من حكام إمارات الشام ومصر وتحالف مع عباد الصليب. لقد وحد صلاح الدين رحمه الله مصر والشام تحت راية واحدة في ظل دولة واحدة، وجاء إلى الأقصى مكبرا ومهللا؛ يحمل معه المنبر المشهور بمنبر صلاح الدين، ووضعه في المسجد الأقصى بعد تحريره، وشهد أول خطبة فيه (خطبة الفتح) بعد تسعين عاما من اغتصابه ومنعِ الصلاة في أكنافه المباركة.
نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام بزوال الحكام الرويبضات الذين تآمروا على الأقصى المبارك، وأسلموهليهود، كما نسأله تعالى أن يكرم المسلمين بالوحدة تحت راية الإسلام؛ في ظل دولة واحدة وقيادة واحدة؛ تطبق الإسلام، وتأتي زاحفة إلى الأرض المباركة كما جاءها أبو عبيدة وصلاح الدين وكما جاءها الفاتحون رحمهم الله جميعا.
رأيك في الموضوع