في يوم من أيام الاستعمار، وفي حديقة وكر من أوكار التآمر على المسلمين، وبحضور أكابر مجرمي الأرض، في الثالث عشر من شهر أيلول/سبتمبر عام 1993 كان توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة، تلك الاتفاقية التي مثلت ثمرة جهود غربية ومساع استعمارية هدفت إلى ترسيخ أركان كيان يهود وإضفاء الشرعية عليه والترويج للتطبيع معه ومحاولة اغتيال هوية الأرض المباركة وفصلها عن عمقها الإسلامي الأصيل.
لم تكن اتفاقية أوسلو ثمرة كفاح ونضال كما يسعى أصحاب "المشروع الوطني" الترويج لها، بل كانت بنداً من أجندة بدأت منذ إنشاء منظمة التحرير، وجزءاً من مخطط قديم لتحويل قضية فلسطين من قضية إسلامية إلى قضية عربية فقضية وطنية ضيقة، ومن ثم تصفيتها نهائياً، والواقع الذي نعيشه اليوم خير شاهد على ذلك.
بعد مضي ربع قرن على اتفاقية أوسلو المشؤومة، هل فشلت الاتفاقية؟ وما هي آثارها؟ وإلى أين وصلت قضية فلسطين؟
إن الحكم على فشل اتفاقية أوسلو من عدمه هو رهن تحقيق أهدافها، وإن من السطحية بمكان أن يظن ظان أن أهدافها هي تلك المخطوطة في صفحاتها، فتلك صور الاتفاقية وأهدافها المعلنة، أما أهدافها الحقيقية فهي ما أرادته القوى الدولية التي وقفت خلفها.
إن هدف المساعي الغربية - منذ نشوء قضية فلسطين - هو ترسيخ أركان كيان يهود في الأرض المباركة وإضفاء الشرعية على احتلاله لفلسطين وجعله جسماً طبيعياً في وسط المنطقة الإسلامية، ليكون قاعدة متقدمة للمستعمرين وخنجراً مسموماً في خاصرة الأمة الإسلامية يحول دون وحدتها وقيام دولتها وعودتها قوة مؤثرة في الموقف الدولي.
وفي هذا السياق رعت القوى الاستعمارية - على تنافس بين الأمريكان والأوروبيين - المفاوضات والاتفاقيات مع كيان يهود، وسعت لإيجاد حلول تضمن أمن هذا الكيان وتحافظ على وجوده.
أما قضية حقوق أهل فلسطين، فمن الغباء السياسي أن يقول قائل إن الاتفاقية اعترفت بحقوق أهل فلسطين، فحق أهل فلسطين والمسلمين بالأرض المباركة كاملة لا يحتاج إلى اتفاقية باطلة لتقرره، ولا إلى دول استعمارية لتعترف به، ومجرد الاستشهاد بهذه الاتفاقية كدليل على حق المسلمين بفلسطين هو تآمر وخيانة، ويجعل من الحق البيّن محل نزاع ويجعل شروق الشمس يحتاج لبرهان ودليل!
لقد نجحت اتفاقية أوسلو في تضييع فلسطين، وفي إضفاء الشرعية على الاحتلال، وكانت هذه الاتفاقية باكورة انفراط عقد الحكام ومجاهرتهم بالتطبيع والتعاون مع المحتل، حتى وصل حد شراء الأسلحة والتعاون العسكري!
ونجحت هذه الاتفاقية في تطوير المطاردة الساخنة المخزية التي نصت عليها إلى تنسيق أمني "مقدس"، تنسيق لا يعرف الانقطاع أو التوقف مهما كانت الخصومات السياسية المعلنة!
ونجحت هذه الاتفاقية في سرقة تضحيات أهل فلسطين الذين قدموا الغالي والنفيس للتخلص من المحتل وتحرير الأرض والمقدسات، فجعلت المنظمة من هذه التضحيات سُلماً للوصول إلى الحلول الغربية الاستعمارية التي لم تكن واردة لدى أهل فلسطين بل كان من يتحدث بها يعدّ خائناً متخاذلا بائعاً للأرض والعرض.
لقد نجحت اتفاقية أوسلو في خلق "الفلسطيني الجديد" الذي تم تدريبه على يد الجنرالات الأمريكيين، فلسطيني لا يرى بأساً في أن يكون سجاناً لشركاء الأمس في النضال والمقاومة، وأن يكون حارساً لأمن يهود المحتلين ومستوطنيه المجرمين، وأداة قمع لأهل فلسطين، وراعياً لمهرجانات الإفساد والرذيلة!
لقد نجحت اتفاقية أوسلو في توفير غطاء سياسي لمضاعفة الاستيطان حتى غدا بعد ربع قرن أضعاف ما كان عليه من قبل، ولم يبق من أرض الدولة الفلسطينية "الموعودة!" سوى كنتونات يحيطها المحتل بحواجزه ومستوطناته إحاطة السوار بالمعصم!
إن من نتائج اتفاقية أوسلو الكارثية أن فتحت أبواب الاتفاقيات مع المحتل على مصاريعها، وسوقت للمفاوضات فجعلت "الحياة مفاوضات"، وسوغت التنازل عن الحقوق والمقدسات بدعوى الواقعية والحلول الوسط، فكان من آثار ذلك كله ما وصلت إليه قضية فلسطين اليوم من هوان وتخاذل وتآمر، حتى تجرأ ترامب على إعلانه المشؤوم بحق القدس، وسولت له نفسه إلغاء حق العودة وتشريع زيادة الاستيطان، مما بات يعرف بصفقة القرن التي لم يعلن عن ملامحها الإجرامية رسميا بعد، والحق أن صفقة القرن هي نتيجة حتمية لاتفاقية أوسلو، ونتيجة حتمية لمبدأ التفاوض مع من أقام كيانه على جماجم أهل فلسطين، ونتيجة حتمية لمن جعل أمريكا حكماً ووسيطا وارتمى على عتبات البيت الأبيض، فصفقة القرن هي التطور الطبيعي لاتفاقية أوسلو، ومن ظن أن أوسلو ستقود يوماً إلى التحرير والانتصار فهو واهم مبتدئ في عالم السياسة إن لم يكن خائنا متآمرا.
إن فشل اتفاقية أوسلو في تحقيق ما وعدت به المنظمة أهل فلسطين، هو دليل إضافي عملي يؤكد أن لا حل لهذه القضية بالتفاوض ولا بالقرارات الدولية ولا بالحلول الوسط، بل حلها يكمن في تحريرها فقط، وغير ذلك ليس سوى ألهيات وإضاعة للوقت وإطالة لعمر المحتل، وعلى الأمة وهي ترى عبث العابثين بمسرى رسولها الكريم e أن تحرك قواها الفاعلة وتستنفر جيوشها الجرارة لتقتلع كيان يهود الهش الذي لم تقم له قائمة في فلسطين إلا بحبل من المستعمرين وتواطؤ من الحكام الخائنين، فتقتلعه من جذوره مرة واحدة وإلى الأبد، وتعيد الأرض المباركة فلسطين لحياض المسلمين، درة التاج وعقراً لدار الإسلام.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع