عقدت قمة صينية أفريقية في بكين يومي 3-5/9/2018 باسم منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) بمشاركة 53 دولة أفريقية. فأعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، تمويلا جديدا لأفريقيا بقيمة تصل إلى 60 مليار دولار وشطب جزء من ديون الدول الأكثر فقرا في القارة، ومواصلة المساعدات العسكرية "المجانية" لبعض دول القارة السمراء. وقال "إن الصين لا تفرض شروطا سياسية ولا تسعى وراء أية استفادة أو ميزة خاصة مع تعاونها مع أفريقيا" في إشارة إلى ما تفعله الدول الغربية عندما تمارس الضغوط على الدول الأفريقية لفرض هيمنتها عليها وابتزازها للسماح لشركاتها بنهب ثرواتها، فتدعو إلى احترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات والديمقراطية ومراعاة الشفافية ومحاربة الفساد وما أشبه ذلك من دعاوى الغرب الزائفة!
فالصين تعلن أنها لا تستغل هذه الشعارات المزيفة، وتدّعي أن لا أهداف خاصة لها حتى تطمئن هذه الدول فلا تتوجس منها خيفة، ولئلا يظن الناس أنه يجري استبدال استعمار باستعمار، وتطمئن أصحاب النفوذ في أفريقيا الأوروبيين والأمريكيين بأنها لا تسعى للحلول محلهم، فلا يضغطوا على عملائهم حتى يحدوا من علاقاتهم معها. فتعمل للنفاذ إلى أفريقيا بسلاسة دون ضجيج ودون اصطدام مع أحد، وإذا جرى انتقادها في نقطة تظهر تراجعها عنها أو تبررها بأن مقصدها كذا وليس كذا كما ورد في الانتقاد.
وحكام أفريقيا محتاجون للصين للتغطية على عمالتهم للغرب ولمساعدتهم اقتصاديا ولو جزئيا بفتح طرقات وقنوات وبناء منشآت عامة وسدود وجسور وسكك حديدية وتشغيل عمال بثمن بخس، علما أن الصين هي المستفيد والرابح الأكبر من وراء ذلك.فقد قفزت أرقام التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا من 765 مليون دولار عام 1978 ليتجاوز 170 مليار دولار عام 2017، وهذا يعادل 10% من صادارت الصين العالمية. وهي تقيم المشاريع وتستثمرها على مدى عشرات السنين فيكون ريعها عائدا عليها. عدا فتح أسواق أفريقيا لمنتوجاتها الرخيصة لجني الأرباح وتنشيط تجارتها، بجانب شراء الأراضي الزراعية لاستغلالها للإنتاج الزراعي لتموين سوق الصين الداخلي، واستخراج النفط والغاز والمعادن التي تحتاجها لصناعتها.
إنالصين الحديثة تبني سياستها في أفريقيا بحسب ما بدأته على عهد مؤسسها ماو منذ ستينات القرن الماضي بتقوية العلاقات مع دولها لإيجاد منافذ دولية لها؛ إذ كانت لديها سياسة مبدئية ممزوجة بأهداف سيادية قومية لتنافس روسيا السوفياتية وأمريكا اللتين فرضتا عليها عزلة دولية بعدما اتفقتا عام 1961، ولم تتقاسما أفريقيا، بل جعلتاها ساحة للتنافس، واتفقتا على تصفية الاستعمار الأوروبي. فعملت الصين على استغلال ذلك لفك عزلتها ونشر أفكارها وإيجاد منافذ دولية لعلها تصبح ذات تأثير دولي.
ولكن الآن فسياسة الصين مصلحية ممزوجة بأهداف سيادية قومية، فقد ودّعت سياستها المبدئية بعد موت مؤسسها وركزت على العلاقات المصلحية المادية والقومية. فبعد موته عام 1978 رسمت سياستها "الإصلاح والانفتاح" على أساس بناء اقتصاد قوي لإيجاد صين قوية ومؤثرة في السياسة الخارجية. وانطلقت تبحث عن مصادر للطاقة والمواد الخام المتوفرة بشكل هائل في أفريقيا التي كانت وما زالت محلا للصراع الدولي الاستعماري. وقد ساعدها في ذلك احتدام الصراع الأمريكي الأوروبي هناك. إذ كل منهما يسعى لاستغلالها ضد الآخر، لأنهما شاهداها تركز على المكاسب التجارية، فاستغلها كل طرف لتقوية عملائه في وجه نفوذ الآخر. فمثلا نرى أمريكا تستغلها في إثيوبيا لتقوية عملائها في وجه النفوذ البريطاني، ونرى بريطانيا في كينيا تستغلها لتقوية عملائها في وجه النفوذ الأمريكي، وهكذا في سائر الدول الأفريقية.
ولم تعد الصين تعتمد فقط على الكسب التجاري، بل طورت علاقاتها الاقتصادية على أساس استراتيجية سياسية، فأضحت تعطي القروض طويلة الأجل والمساعدات للدول وتجعل استثماراتها طويلة الأجل أيضا، وتقوم بالإشراف عليها لتسدد ديونها فتنهب أموال الناس، ولتجعل البلد تحت تأثيرها على المدى البعيد.إذ بلغت الديون الأفريقية للصين 132 مليار دولار.
وهذا أسلوب استعماري اتبعته أمريكا عند انفتاحها على العالم بعد عام 1946 تبعته بإقامة قواعد وتحالفات عسكرية وتطوير علاقات سياسية مميزة مع الدول تبدو بريئة وهي خبيثة لها أبعاد للهيمنة وبسط النفوذ. ولهذا بدأت الصين بعد الاقتصاد تبحث عن إقامة قواعد وتحالفات عسكرية، فأقامت أولاها في جيبوتي، وتقوم بتطوير علاقات سياسية مع دول أفريقيا تبدو بريئة وهي خبيثة. حتى إنها صارت تعتمد تقوية العلاقات الثقافية والتعليمية بتوفير المنح الدراسية للطلاب الأفارقة وتبادل الزيارات بين مختلف الفعاليات التعليمية والثقافية لكسب الأصدقاء والمؤيدين في هذه المجالات من صحفيين وفنانين وأطباء وأكاديميين ودورات تدريب وفتح مراكز لتعليم لغتها. وهذا أسلوب اعتمدته أمريكا أيضا. وكأنها تقلد الأساليب الأمريكية كما قلدت الصناعات الأمريكية.
وبدأت تقوم بأعمال سياسية فشاركت في عملية إحلال السلام بجنوب السودان. وعندما أبعدت بريطانيا عميلها موغابي في زيمبابوي بواسطة الجيش في مواجهة تنامي النفوذ الأمريكي بعد الاحتجاجات الشعبية والدولية، وأتت بنائبه منانغاغوا، ومن ثم ركزته رئيسا للبلاد يوم 24/10/2017 بواسطة انتخابات، وأوعزت إليه ليقوم بعقد شراكة استراتيجية مع الصين وقاية من النفوذ الأمريكي.
إن الصين تدخل أفريقيا بدون أن تحمل رسالة عالمية، فهي تسعى لهيمنة أشبه بالاستعمارية ولكن بدون رسالة وبدون شعارات كما يفعل الغرب، فتبحث عن إيجاد تأثير سياسي وتحقيق مصالح اقتصادية سواء الربح التجاري أو المشاريع طويلة المدى أو تأمين مصادر الطاقة والمواد الخام أو منح القروض وتقوية العلاقات مع الأنظمة من دون المساس بممارساتها البعيدة عن معنى الرعاية للناس ومعالجة مشاكلهم وإعطائهم حقوقهم والنهوض بالبلاد وتحررها من ربقة الاستعمار. فيكون وجودها مؤقتا يمكن إزالته بسرعة عند قيام دولة الخلافة التي تحمل رسالة خير عالمية تسعد الشعوب، وخاصة أن أكثرية شعوب أفريقيا مسلمة سرعان ما تتجاوب مع دولة الخلافة، وبعضها وثنية سرعان ما تدخل الإسلام عندما ترى نوره، وبعضها تنصّر بألاعيب الاستعمار سرعان ما تتجاوب مع الإسلام عندما تراه مطبقا بإحسان، إما بدخوله عن قناعة وإما بالخضوع له طواعية بسبب ما ذاقته من ويلات الاستعمار وبطش عملائه.
رأيك في الموضوع