عقد أصحاب (السيادة والجلالة والفخامة) في الأسبوع الماضي قمتهم المسماة إسلامية، بعد أن تداعوا لها على وجه السرعة، بل إن بعضهم قال بأنها لا تحتمل التأخير ولا التباطؤ، ولا بد من اتخاذ قرارات حاسمة ومناسبة للرد على قرار نقل سفارة أمريكا إلى القدس الذي أعلنه ترامب مؤخرا، والاعتراف بالقدس موحدة عاصمة لكيان يهود، وتولى كبر هذه الدعوة الطارئة (ابن العلقمي)، ودعا ما يزيد على خمسين دولة لحضور قمته التي كان من أبرز ما جاء في بيانها الختامي... الإبقاء على الوصاية الأردنية على القدس والمسجد الأقصى، وضرورة التمسك بـ(السلام العادل والدائم) وما شابه من هرطقات لا قيمة لها، ولكن ما يستوقف في البيان هو تلك الفقرة التي دعا فيها المؤتمرون إلى الاعتراف بكيان يهود وأحقيته بغربي القدس عاصمة له، وبأن الدولة الفلسطينية المنشودة التي يطاردونها كخيط دخان هي تلك الدولة التي يكون شرقي القدس عاصمة لها، وبأن القدس على حد بيانهم مكان تجتمع فيه الأديان الثلاثة واليهود جزء منهم.
إن مؤتمر القمة (الإسلامية) الأخير، لم يكن ليأتي على الأمة بأي خير كسابقاته من مؤتمرات، فكل اجتماع يعقدونه إنما يخدمون به مصلحة أسيادهم من أعداء الأمة، وما حرب الخليج عنا ببعيدة عندما اجتمع أكثر من أربعين رويبضة سنة 1991 بطلب أمريكي ليلغوا الجهاد وكل ما يتعلق به، حيث تحدث البيان الختامي حينها (بضرورة دعم كل الجهود المبذولة لإحلال السلام العادل والشامل) ليتلاءم بيانهم مع مؤتمر مدريد الذي تحدث عن إقامة علاقات دائمية مع كيان يهود وتطبيع العلاقة معه وأن سبيل ذلك المفاوضات، وكان بالتالي ممهدا لأوسلو ووادي عربة.
إن حكام المسلمين، إذ يطالبون بشرقي القدس عاصمة لدويلة مسخ جديدة، يكونون قد شرعنوا كيان يهود، وأعطوه صكا بما لا يقل عن ٨٠% من أرض فلسطين الإسلامية التي رويت بدماء الصحابة الأجلاء والمجاهدين العظماء. وهم، أي الحكام، لولا بقية من بقية من حياء من شعوبهم لما تحدثوا عن فلسطين والقدس البتة.
إننا نقول لأشباه الحكام هؤلاء: إن فلسطين والأقصى أطهر من أن يعمل لها خائن أو عميل، وإن هذا الشرف لن يناله إلا من اصطفاه الله له، فلا يقل مروءة وتقوى عن عمر وصلاح الدين، وإن الجهاد والقتال لا يجب على العبيد إذ إن من شروطه الحرية، ومن منكم حر أو حتى مُكاتِب حتى ترتضيه الأمة وتأمنه على عقيدتها؟!
إن حكام المسلمين ليسوا من الأمة في شيء، ولا يمثلونها بشيء، فهم في واد والأمة في واد آخر، وإلا ما بالهم ينادون بشرقي القدس عاصمة للمسخ الذي ينشدونه، والأمة لا تعرف إلا فلسطين من البحر إلى النهر، ولا تعترف ليهود بأي شبر من أرضها لا بالحق التاريخي ولا الجغرافي ولا الشرعي، حيث إن أي أرض فتحها المسلمون وجرت فيها أحكام الإسلام هي أرض إسلامية، لا يجوز التنازل عنها أو التفريط بأي شبر منها فضلا عن القدس التي رعتها العهدة العمرية والتي من نصوصها أن لا يسكن فيها يهود. وقد حافظ المسلمون وخلفاؤهم، على بنود العهدة العمرية طوال ثلاثة عشر قرنا، لم يطمح فيها يهود بظل سارية يستظلون به فضلا عن السكنى فيها، ولما هدمت الخلافة، تولى أمورنا أراذلنا، فصرنا نهبا لكل طامع، ومغنما لكل سفيه...
وختاماً: إن قرارات القمة (الإسلامية) التي عقدت في إسطنبول لا تمثل الأمة بشيء، إسطنبول التي كانت عاصمة دولة الخلافة العثمانية لما يناهز الخمسة قرون والتي كان العالم يرتجف لسماع اسمها... إسطنبول الآن أصبحت بفضل حكامها مطبخا لأمريكا ووكرا للتآمر على قضايا الأمة!! وإنه لن يصلح الحال إلا بعودة الأمة سيرتها الأولى خلافة راشدة على منهاج النبوة... وما ذلك من الله ببعيد.
بقلم: خالد الأشقر
رأيك في الموضوع