من المسلمات في ديننا أن المسلمين جميعا بعقيدتهم الحقة وشريعتهم الربانية هم أمة واحدة من دون الناس، وأن وحدتهم باعتبارهم أمة متحققة فيهم ما بقوا على إسلامهم عقيدة وشريعة، لكن وحدة الأمة العقدية يجب شرعا أن تترافق مع الوحدة السياسية وهي ما تعرف اصطلاحا بـ"الجماعة"، أي أن يكون المسلمون جماعة واحدة على إمام واحد، وهو الخليفة، وهذا ما تضافرت به أدلة القرآن والسنة وإجماع الصحابة، واندرج تحت القواعد الكلية للإسلام، وقد أدرك علماء المسلمين قديما عظم ومركزية هذا الفرض، حتى قبل أن يغيب عن الواقع بإسقاط الخلافة على يد الإنجليز وعملائهم، فتعيش الأمة في ضياع لم يسبق له مثيل، وهذه نبذة من أقوالهم في وجوب الخلافة والاجتماع على إمام واحد:
قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع.
وقال النووي في "شرح مسلم": أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة.
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة، إلا ما روي عن الأصم؛ حيث كان عن الشريعة أصم.
وقال ابن تيمية في "السياسة الشرعية": "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم فاجعات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بدَّ لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي ﷺ «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة".
وقال ابن حجر الهيثمي في "الصواعق المحرقة": "اعلم أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أنَّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله ﷺ".
وقال جمال الدين الغزنوي في "أصول الدين": "لا بدَّ للمسلمين من إمام يقوم بمصالحهم من تنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وصرفها إلى مستحقيها لأنه لو لم يكن لهم إمام فإنه يؤدي إلى إظهار الفساد في الأرض".
وقال ابن خلدون في "المقدمة": "إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله ﷺ عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك ولم يُترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام".
وقال ابن حزم الأندلسي في "الفصل في الملل والأهواء والنحل": "اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة...".
وقال الطبري في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن أولي الأمر هم الأمراء" قال الطبري: "أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة".
ووجه الاستدلال أن الأمر بطاعة الإمام أمر بنصبه، لأن الله لا يأمر بطاعة من لا وجود له، والأمر بطاعته إنما يريد الله به تحقيق أمر من الشريعة لا يتم بغير طاعته لو كان موجودا، فكيف يتم بغير وجوده! فلزم من الأمر بطاعته الأمر بتنصيبه.
وقال الأستاذ عبد القادر عودة في "الإسلام وأوضاعنا السياسية": "فالرسول ﷺ كوّن من المسلمين وحدة سياسية، وألف منهم جميعا دولة واحدة كان هو رئيسها وإمامها الأعظم، وكان له وظيفتان:
الأولى: التبليغ عن الله، والثانية: القيام على أمر الله وتوجيه سياسة الدولة في حدود الإسلام... بل إن التأسي بالرسول ﷺ واتباع سنته يقتضي من المسلمين جميعا أن يكوّنوا من أنفسهم وحدة سياسية واحدة تجمعهم، وأن يقيموا على رأسهم من يخلف رسول الله ﷺ في إقامة الدين وتوجيه سياسة الدولة توجيها إسلاميا خالصا".
وبعد أن أورد الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي في "الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة" قول أبي حامد الغزالي من كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد": "إن الدنيا والأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع. فبان أن السلطان ضروري في نظام الدين ونظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة، وهو مقصود الأنبياء قطعا، فكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه فاعلم ذلك". ثم علق الدكتور الدميجي على قول الغزالي فقال: "وخير دليل على ذلك الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، ففيه دلالة قاطعة على أنه لن تقوم للإسلام قائمة إلا بالرجوع إلى الله، ثم السعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي ما فتئ أعداء الإسلام ينخرون في جنباتها حتى قوضوها، وصار لهم ما أرادوا، فبعد أن أبعدت الخلافة الإسلامية، ونحي الإسلام عن قيادة الأمة، عطلت الحدود، وانتهكت الأعراض والحرمات، وعطلت راية الجهاد، وقسمت بلاد المسلمين إلى دويلات متناحرة يضرب بعضها رقاب بعض... فالقعود عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية معصية من أكبر المعاصي، لذلك كان نصب خليفة لهذه الأمة فرضا لازما لتطبيق الأحكام على المسلمين، وحمل الدعوة إلى جميع أنحاء العالم".
فيا علماء الأمة، نحن إخوانكم في حزب التحرير ندعوكم لتضخوا جهودكم بأقصى طاقتكم في مسيرة العمل لإقامة الخلافة، فوالله لقد حصحص الحق ولم يبق عذر لمعتذر، ووالله إن ضربة سيف في عز لهي خير من ضربة سوط في ذل، وإن الموت في طاعة الله خير من الحياة في معصية الله، وإن الله سائلكم عن علمكم وعملكم فيه، فلنعمل معا لإقامة تاج الفروض، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
بقلم: الشيخ عدنان مزيان
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع