(مترجم)
اعتاد الكينيون مؤخرا كشف الديمقراطية دون أي شك معقول، حتى إن أبطال الديمقراطية كانوا مضطربين ولم يكن لديهم مكان يخفون فيه وجوههم عندما عرضت الصورة الحقيقية للديمقراطية عاريةً لتناقض أهواءهم وتكشف مؤامراتهم.
وفيما يلي بعض الأحداث الحاسمة التي كشفت عن الطبيعة الخادعة للديمقراطية، التي يزاولها الغرب ويعتبرها منارة للنجاح الإنساني في الحكم:
أولا: الاستقلالية المجمَّلة تعرضت لسلطات الحكومة واللجان الدستورية وضعت بشكل كامل تحت الحصار كما كان متوقعا، حيث إنها السلطة التنفيذية الوحيدة المسؤولة في أية دولة ديمقراطية، في حين إن السلطات الأخرى التابعة للحكومة واللجان الدستورية تخضع بشكل جماعي لأوامر السلطة التنفيذية. كما أن الموظفين العاملين في تلك المؤسسات الخاضعة للخدمة يميلون دائما إلى مطالب السلطة التنفيذية.
من جانب القضاء، وقعت الحوادث التالية:
(أ) أخفقت المحكمة العليا في كينيا في رفع النصاب القانوني للنظر في قضية كانت ذات أهمية شعبية كبيرة. وقد تأكد ذلك بحقيقة أنه في اليوم السابق في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2017، أعلنت الإدارة عن طريق سكرتير مجلس الوزراء عن الأمن الداخلي يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017 عطلة رسمية. وقد منح هذا قاضي القضاة ورئيس المحكمة العليا في كينيا سلطة عظيمة عند أولئك الذين يرأسون شعبة المراجعة الدستورية والقضائية في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017 مكّنتهم من التصرف في المسائل المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
(ب) رفضت محكمة الاستئناف البتّ في المسائل المعروضة عليها في الصباح وقالت إنها كانت في عطلة، ولكنها عادت للظهور ليلا ووضعت قرارا مبكرا عبر المحكمة العليا. وقالوا بأن المسألة المطروحة أمامهم عاجلة، ولذلك دعوهم للجلوس ليلا!
من جانب البرلمان، وقعت الحوادث التالية:
(أ) سن أعضاء البرلمان تعديلا على قوانين الانتخابات الكينية التي أقرتها السلطة التنفيذية والتي كانت ستعمل على تقليص صلاحيات السلطة القضائية والمجلس.
وعلى صعيد اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود (إيبك)، فقد وقعت الحوادث التالية:
(أ) قال رئيس المجلس في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2017 بأنه لا يستطيع أن يكفل إجراء انتخابات ذات مصداقية وبأنه يشعر بالإحباط من زملائه الذين يفوضون دائما في اتخاذ أي قرار. وأشار إلى أنه محاصر برفض بعض أعضاء الأمانة العامة الاستقالة بعد أن ذُكروا في الانتخابات غير النزيهة، ووعد بالاستقالة إذا لم يتم التعامل مع ما ذكره. وكان هذا في اليوم نفسه بعد الاستقالة المفاجئة للدكتور روسلين أكومبي أحد مفوضي اللجنة الانتخابية الدولية الذين أشاروا إلى الإحباط الساري بين زملائهم من المفوضين الذين يتخذون قراراتهم فيما يبدو من السلطة التنفيذية. ومضى الرئيس قدما ودعا الرئيس وزعيم المعارضة للقائه في مكتبه في أبراج الأنيفيرسيري. وقد استغرب زعيم المعارضة رايلا أودينجا هذه الدعوة وذهب للقاء رئيس لجنة الانتخابات والحدود المستقلة في مكتب أبراج الأنيفيرسيري في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2017، ولكن؛ رفض الرئيس استقباله، وبدلا من ذلك، ذهب رئيس اللجنة إلى الرئيس في مكتبه في دار هارامبي في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
(ب) ظل رئيس المجلس صامتا ثم عاد للظهور وأصدر بيانا في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017 بأن الانتخابات ستستمر على الرغم من الرفض، ودعا إلى مقاطعة زعيم المعارضة. ولم يحدد البيان ما إذا كانت القضايا التي أثارها في البيان الصادر في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2017 تؤكد بشكل كامل أنه رجل محاصر ويواجه ضغوطا من السلطة التنفيذية للمضي قدما في إجراء الانتخابات الرئاسية بغض النظر عن أي ظرف من الظروف.
(ج) على الرغم من حكم المحكمة العليا في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2017، على أنه لا يمكن إجبار رايلا أودينجا على خوض الانتخابات وبعد تلقي رسالة رسمية من المرشح الرئاسي لـ(ناسا) تفيد بأنه انسحب وزميله من الانتخابات الرئاسية المقبلة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلا أنهم مضوا قدما وطبعوا بطاقات اقتراع تحمل صور المرشح الرئاسي لـ(ناسا).
ثانيا: إن الإرادة الشعبية للناس لا تُحدد بقرار الأغلبية وإنما من خلال قرارات الأقلية كما كشفت الانتخابات الرئاسية المتكررة والتي اختتمت لتوّها. وقد دعا زعيم المعارضة مؤيديه المتحمسين لمقاطعة الانتخابات الرئاسية المعادة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017 في حين دعا الرئيس - زعيم اليوبيل - الناس للمشاركة في الانتخابات المقبلة. اللامبالاة عند الناخبين كانت واضحة حتى في المناطق التي يعرف أنها معاقل لليوبيل، وهو ما لم يفاجئ ائتلاف اليوبيل الحاكم فحسب وإنما المراقبين المحليين والدوليين أيضا، بل إنها قسمت وسائل الإعلام المحلية والدولية التي وضعت النسبة بتقدير 34٪ و27٪ على التوالي. وهذا يعني أن غالبية السكان رفضوا المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي اختتمت لتوها، لكن "الديمقراطية" تطالب بأن يصوت أولئك الذين صوتوا وأصواتهم هي التي ستحدد نتائج الانتخابات والطريق الذي ستسير فيه البلاد.
ثالثا: السرد الذي يقول بأن عدم التصويت حق ديمقراطي يجب ضمانه ليس سردا حقيقيا كما ثبت في الانتخابات الرئاسية المعادة مؤخرا، حيث قاطع أغلبية الناخبين المسجلين ولم يُكفل حقهم كما وعدوا. وبما أن أولئك الذين لم يصوتوا كانوا كثيرين بالمقارنة مع أولئك الذين فعلوا ذلك فقد كان من المتوقع أن يكون قد فاز في الانتخابات الأغلبية التي قاطعتها. وبدلا من ذلك، فإن الديمقراطية "تدّعي" بأن أغلبية الناخبين المسجلين ستشارك وهذا سيعطي مصداقية للانتخابات وشرعية للنظام.
رابعا: المشاركة في الانتخابات الديمقراطية ليست ضرورة للتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي كما تفترضها وتتصورها الأمة الإسلامية. وقد أكد هذا الغرض الحقيقي من الانتخابات الديمقراطية التي تعد وسيلة للوصول إلى السلطة عبر استغلال الجماهير كآلات تصويت لتأكيد وإضفاء الشرعية على نظام جديد أو نظام قائم وإبقائه بوضعه الراهن. وعلى سبيل المثال، فقد حذرت الأمة الإسلامية منذ زمن طويل من المشاركة في الانتخابات الديمقراطية لأن الديمقراطية هي في حد ذاتها نظام حكم ينبثق عن الأيديولوجية الرأسمالية الفاسدة. إن العلمانية الرأسمالية، العلمانية الفاسدة، تفصل الدين عن الدولة؛ وبالتالي، تمنح الإنسان مسؤولية التشريع/ وضع القوانين المستنبطة من عقول البشر المحدودة. وهذا يتنافى مع العقيدة الإسلامية التي تدعو الناس للأخذ بالقوانين المنزلة من الخالق. ولذلك فإن مقياس أفعال الإنسان يقوم على أساس الحلال والحرام ولا شيء غير ذلك، وهذا يعني أنه لا يجوز للبشر المشاركة في أي شيء إلا إن قام على أساس هذا المبدأ لا على أي أساس آخر. لذلك فإن من المفترض أن تستجيب الأمة الإسلامية وأن تعمل بما أمرها الله سبحانه وتعالى أن تفعله، وأن لا تستجيب للقادة الديمقراطيين غير المسلمين الذين يدعون إلى المشاركة في بعض الأحداث أو مقاطعتها؛ ذلك أن الاستجابة لأمر الله توجب دخول الجنة إن شاء الله، في حين إن الاستجابة لأولئك القادة توجب جهنم والعياذ بالله. وبغض النظر عما ستكون النتيجة وعن حجم الألم الذي قد يحصل، إلا أن ما يجب أن يكون حافزا للأمة الإسلامية هو الاستجابة والعمل على ما أمر به الله سبحانه وتعالى.
أيها الناس انبذوا الديمقراطية لأنها ليست ما يضمن السلام والهدوء والازدهار ولأنها نتاج العقل المحدود للإنسان وبالتالي فهي عرضة للتغيرات تبعا للظروف. وعوضا عن ذلك فلتتبنوا الإسلام الكفيل بحل المشاكل التي تواجه الإنسانية حاليا في كينيا وفي جميع أنحاء العالم.
يا أمة الإسلام إنه حرام أن تطبَّق الديمقراطية أو أن يُدعى إليها لأنها نظام فاسد يروج له الغرب، ولا علاقة له بالإسلام. نظام يتناقض تماما مع قواعد الإسلام سواء في القضايا الكلية أو الجزئية، في أصله، وفي العقيدة التي انبثق منها، وفي الأساس الذي نشأت عنه وفي الأفكار والنظم التي جلبها.
بقلم: علي ناصورو – كينيا
رأيك في الموضوع