أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الاثنين 10/7 النصر على تنظيم الدولة في الموصل مهنئاً العراقيين بـ"هذا النصر الكبير"، مؤكدا أن عناصر التنظيم لم يعد أمامهم إلا تسليم أنفسهم أو الموت. ذاكرا "أن هذا النصر تم بتخطيط وإنجاز وتنفيذ عراقي، ولم يشارك به أحد. العراقيون هم من قاتلوا على الأرض، وحققوا النصر ومن حقهم أن يفتخروا به، لأنه لم يقاتل ويضحي على هذه الأرض غير العراقيين". ثم شكر الدول التي دعمت العراق والقوات العراقية من حيث التدريب والدعم اللوجستي والدعم الجوي. في تناقض عجيب وغريب حول ادعائه أن عملية استعادة الموصل تمت على يد القوات العراقية التي لم يشاركها به أحد، ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشير إلى أن العراقَ حرّر الموصل بفضل التحالف الدولي وذلك في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيرهِ الفرنسي إيمانويل ماكرون في 14/7.
جاء إعلان النصر المزعوم في الموصل على "عصابات التنظيم" وسط خراب ودمار وهدم وردم المدينة على رأس قاطنيها وعلى أشلاء سكانها، النصر الكارثي الذي صنعته التفجيرات والمتفجرات والانتحاريون والمفخخات وطيران التحالف الدولي والعراقي، والصواريخ الغبية والمدفعية العشوائية مخلفة وراءها جثث آلاف القتلى تحت الأنقاض بما فيها جثث عائلات كاملة ما زالت تحت الأنقاض ولم تُنتشل حتى الآن، جثث تملأ شوارع الموصل ورائحة الموت وتعفنها تملأ كل أزقتها الضيقة إذ لم تبق الطائرات الأمريكية ومدفعية حلفائها حجراً على حجر في الموصل إلا وسوّته بالكامل.
فقد ذكرت منظمة العفو الدولية يوم الثلاثاء الماضي في تقرير لها إن القوات العراقية وقوات التحالف نفذت سلسلة من الهجمات التي تخالف القانون في غرب الموصل منذ كانون الثاني/يناير الماضي، معتمدة بشدة على قذائف صاروخية بدائية الصنع ذات قدرة محدودة على التصويب مما ألحق دمارا بمناطق ذات كثافة سكانية عالية. وقال التقرير إنه "حتى في الهجمات التي تبدو أنها أصابت هدفها العسكري المنشود، أدى استخدام أسلحة غير مناسبة أو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة إلى خسائر في الأرواح بين المدنيين دون داع وفي بعض الحالات مثلت على ما يبدو هجمات غير متناسبة". ورجحت المنظمة أن عدد القتلى في غرب الموصل وحده في الهجمات التي شنتها القوات الموالية للحكومة أعلى من الرقم الذي قدرته جماعة المراقبة (إيروورز) ويبلغ 3706. وقال التقرير إنه "ربما لن يتسنى أبدا معرفة العدد الحقيقي للقتلى في معركة غرب الموصل".
هذا ما أكده ضابط عراقي شارك في بدايات حرب الموصل وتحديدا في شهر 12/2016، حيث أشار هذا الضابط بوضوح إلى أن المستشارين العسكريين الأمريكان يؤيدون تدمير الموصل بهدف اقتلاع بضعة آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة ومن ضمن ما صرح به هذا الضابط قوله "إن الأولوية هي لأرواح الجنود ومن ثم المدنيين، وهذه الحرب يجب أن تكون فيها خسائر" لكن من الواضح أن هذه الخسائر كانت تعني تدمير الموصل وقتل وتشريد أهلها. بينما ذكر ضابط آخر طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "المنازل قصفت بالطائرات، وهذا واضح فالتدمير الكامل لها يؤكد أنها لم تقصف بصاروخ كاتيوشا أو غراد من تلك التي يمتلكها تنظيم داعش، وذات تأثير بسيط لكن ما نراه هو منازل خسفت بها الأرض". وبيّن أنه "يستبعد أن تتهم الحكومة العراقية قوات التحالف بالوقوف وراء تلك المجازر، كونها ستدين نفسها في المقام الأول، وتؤكد وحشية التحرير".
الإحصائيات التي تم تداولها من قبل بعض المنظمات الدولية تتحدث عن تعرّض المدينة، أثناء «تحريرها»، لتدمير بنسبة 80٪ تشمل 9 مستشفيات من أصل 10 و76 مركزا صحيا من أصل 98 وكل جسور المدينة وتدمير 308 مدارس و12 معهدا وجامعة و4 محطات كهرباء و6 محطات للمياه ومعمل أدوية و63 دار عبادة بين مسجد وكنيسة و212 معملا وورشة و29 فندقا ومعامل الغزل والنسيج والكبريت والإسمنت والحديد ناهيك عن آلاف المنازل التي سويت بالأرض. وسط هذا الدمار اضطر إلى ما يقارب المليون نازح من ترك منازلهم حسب ما أعلنته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي التي ذكرت أنه "قد يضطر مئات الآلاف من الناس للبقاء نازحين فترة قد تستمر عدة أشهر". حيث ذكر البيان أن "العديد من النازحين ليس لديهم ما يعودون إليه بسبب الأضرار الجسيمة التي سببها النزاع، فيما تحتاج الخدمات الأساسية في المدينة إلى إعادة بناء أو إصلاح مثل المياه والكهرباء والبنى التحتية الرئيسة الأخرى كالمدارس والمستشفيات".
تدمير المدينة كان ممنهجاً ومقصوداً ويسير وفق خطة مرسومة معدة مسبقاً لتكون درساً بليغاً لأي مدينة عراقية ترفض مشاريع المحتل والإذلال والخنوع والتهميش، بغض النظر عن ولاء سكانها المذهبي. ما جرى للموصل يمكن أن يحدث للبصرة لو عبرت الأخيرة عن رفضها لسياسات الاحتلال والمحاصصة والاستعلاء والنهب واللصوصية والفساد والاستقواء بالجماعات المسلحة الذي تمارسه الأحزاب الطائفية. فمشهد دمار الموصل كمشهد دمار حلب وحمص من حاكم أراد إسكات ثورتها بدعوى (الإرهاب)، كما دمرت الموصل بذريعة (الإرهاب) نفسها وبأبعاد طائفية غير خافية. فأين يكمن طعم النصر، وأهل الموصل بين قتيل وجريح ومطمور تحت الأنقاض ومهجر ونازح وجائع مشرد، هل هزيمة وطرد تنظيم الدولة من المدينة، يقابلها ثمن كهذا الذي نراه في خراب ودمار الموصل.
أما أمريكا فهي ماضية في تعزيز وجودها العسكري خصوصاً في محافظة الأنبار غرب العراق وتحديداً في قاعدة "عين الأسد"، وكذلك في أطراف مدينة الموصل وتحديداً في القاعدة الجوية في قضاء القيّارة جنوب الموصل. إضافة إلى استغلال فترة إعادة إعمار المدن التي كانت السبب الرئيسي في تدميرها لتكريس وجودها بحجة المشاركة وفق صفقات إعادة الإعمار لسبع شركات أمريكية والتي سنسمع عنها قريباً بمبالع ستتجاوز الـ 22 مليار دولار، ما عدا الصفقات التي ستتحصل عليها الشركات الفرنسية والبريطانية. هذا بالإضافة إلى تحركها باتجاه تقسيم العراق في إطار المشروع الأمريكي المسمى بــ"الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" خصوصاً مع وجود مساعٍ للانفصال من قبل المكون الكردي الذي حدد إجراء استفتاء استقلال الإقليم في 25 أيلول. إضافة إلى المؤتمرات التي رعتها أمريكا والتي عقدتها بعض الأطراف السياسية المحسوبة على المكون السني التي تعيش خارج البلاد، كالتي حصلت مؤخراً في تركيا وتهدف إلى تكريس فكرة التقسيم من خلال الدعوة إلى إقامة إقليم "سنّي" في المناطق الغربية من العراق وتحديداً في الموصل والأنبار.
إن مما يؤسف له أن أوضاع المسلمين أصبح الكافر المستعمر هو الذي يتحكم بها، ولذلك نراه يستخدم الطائفية لتفرقة المسلمين والاقتتال فيما بينهم، وكل ذلك بسبب غياب الراعي المخلص للمسلمين الذي يرعى شؤونهم بكتاب الله وسنة رسوله، ولكن عقيدة الإسلام الراسخة في نفوس المسلمين ستطيح بأحلام الكافر المستعمر وعملائه ولو بعد حين، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
بقلم: علي البدري – العراق
رأيك في الموضوع