(مترجم)
يمكن اعتبار سنة 2016 بأنها السنة التي ضربت فيها العديد من الصدمات السياسية المناهِضة للمؤسسية الغرب. فالشعب البريطاني ذهب ضد النظام، وإعلامه، وخبرائه وعلى الأغلب الفكر السليم بالتصويت لقانون بريكست (الذي ينص على مغادرة الاتحاد الأوروبي). كما أن المرشح المناهض للنظام، دونالد ترامب، وعلى عكس جميع التوقعات - حسب الإعلام، والمعلقين، وحتى من صميم حزبه - فاز بداية بالترشيح، ثم بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. إن الأشكال المناهضة للمؤسسية هذه السنة تظهر بشكل واضح في أوروبا، معظمهم من اليمين (فيلدرز في هولندا، ولوبان في فرنسا). ويمكن النظر لهذه الأصوات كدليل على عدم الرضا عن النظام السياسي الحالي. فمستويات الفساد تفوق السيطرة، والعلاقات وثيقة بين الحكومة والشركات الكبرى وخاصة البنوك، والإعلام، والنظام الصحي، وشركات النفط، والهوّة متزايدة بين الطبقة العليا (الـ 1%) وبقية الشعب الذين لا يشاركون في أي نمو اقتصادي أو ازدهار.
ولكن ما يمكن رؤيته من انتخاب ترامب، أن ادّعاء السخط على النظام، والتصوير الذكيّ للشخص على أنه سيكون عدوّ الفساد وأنه سيكون "بطل" الشعب لا يعني بالضرورة أن هذا ما سيكون حقيقة. تذكروا أن أوباما جاء إلى السلطة على أساس "تغيير يمكنكم الإيمان به"، إلّا أنه لم يغير سوى شيء بسيطٍ أو لا شيء على الإطلاق. وحتى الآن فإن ترامب ضجّ كثيرًا، إلاّ أنه قام بتعيين جماعة غولدمان ساكس على رأس فريقه الاقتصادي واستمرّ بسياسة أمريكا الخارجية السابقة العدوانية. ومن غير المحتمل تمكنه من تحويل قاعدة تصنيع الولايات المتحدة بعد سنوات من التصنيع في الخارج والعولمة.
وإن انتخاب جريمي كوربين رئيسا جديدا لحزب العمال في 2015 بعد فشل حملة انتخابات إد ميليباند في صيف 2015 يمثل قضية دراسة مثيرة للاهتمام. فمع حزب العمال يبدو أن هنالك تراجعاً نهائياً في الدعم الكارثي بعد توني بلير لحرب بوش على العراق، حيث حصل كوربين على قيادة الحزب على الرغم من تقدمه في العمر (67 عاما) وفشله المسبق في الحصول على أي منصب سياسي مهم. فقد كانت صدمة للحزب، والخبراء السياسيين، والشعب عندما قام 200 دخيل مقابل واحد باكتساح انتخابات رئاسة الحزب (بواسطة الدعم الهائل من أعضاء الحزب) مع 60% من الأصوات. كوربين، وهو عضو في مجموعة الحملة الاشتراكية، ويعدّ من اليسار المتشدد للحزب هو اشتراكي ملتزم وتلميذ لكارل ماركس.
وعلى الرغم من فقدانه للخبرة، فإن كوربين تم اعتباره دوما كرجل "محترم" (وهذا ليس أمرًا سهلاً بين السياسيين البريطانيين)، فقد حافظ على مبادئه، وكان مصيبًا غالبًا في معظم مواقفه، حاصلاً بذلك على احترام الرأي العام (فكان معارضًا لحرب العراق، ومعارضًا لتجديد نظام ترايدنت النووي، ومعارضًا لنظام التقشف على حساب الفقراء). وسياساته الجديدة لاقت شعبية بشكل عام بين الجماهير، بما فيها إلغاء خصخصة السكك الحديدية لتعود ملكًا عامًا، وقلب التقشف وتعزيز الخدمات الصحية الوطنية. وطبعًا فإن أفكاره ليست مكلفة بشكل كامل، والتي من شأنها زيادة الدين العام بشكل كبير، ورغم تقديرها فإنه من المشكك في قدرتها على تحسين الوظائف والصناعة، هذا عدا عن القطاع العام.
إن ردود الفعل العنيفة ضد جناح بلايريت اليميني للحزب أدت إلى زيادة كبيرة في أعضاء العمل "الكوربينستيون" من حوالي 290,000 إلى 550,000 (وهو الآن أكبر حزب سياسي في أوروبا). ومن الجدير بالملاحظة أن هذا كله تحقق على الرغم من العداء المفتوح ضده من حزبه والذي يميل بشكل كبير إلى نائبه اليميني الذي قاد تحديًا جديدًا على رئاسة الحزب ضده الصيف الماضي على الرّغم من عدم مرور ما يقارب السنة على تولّيه رئاسة الحزب. ففي وجه تحدي كوربين زادت حصته من الأصوات وتزايدت أعداد المنتسبين في حزب العمال.
فهل من الممكن أن يفوز كوربين من اليسار؟
ليس إذا لم يكن لإعلام النظام المؤسسي يد في ذلك. كوربين (مثل ترامب) تمت السخرية منه منذ اليوم الأول. استُهزئ به بأنه لا يمكن الوصول إليه، وأنه غير منظم، وغير قادر على القيادة، وأنه ديناصور، وبأنه السبب الرئيسي لخسارة تصويت بريكست! (على افتراض عدم توحيد أصوات العمال بشكل فعال). فعلى الرغم من حصوله على دعم كبير أمّن له رئاسة حزب العمال، لا يوجد أي دليل على ترجمة هذا بدعم عموم الشعب له.
مما لا شك فيه أن مشكلة كوربين الكبرى تبقى مع حزبه. بيتر ماندلسون، وزير بلايريت السابق، اعترف مؤخرًا بعمله ليل نهار لعزل كوربين. جيمي ريد والذي استقال من مقعده بهدف تفعيل انتخابات فرعية والتي خسرها العمال، وصف قائده بـ "المتهور والطائش والنرجسي".
وحتى الآن يبقى حزب العمال بشكل سيئ في الخلف في استطلاعات الرأي. يمكن فوز الناس بقائد مناهض للنظام المؤسسي إلا أنهم لا يصوتون بالعادة لحزب منقسم أو مختل. وهنا ربما يقع تحدي كوربين الأعظم.
بقلم: جمال هاروود
رأيك في الموضوع