شهدت تونس في الأسبوع الأول من الشهر الجاري اتصالات واجتماعات مكثفة بين الفرقاء الليبيين، بعضها معلن وبعضها الآخر أشبه بالسرّي، من ذلك زيارة المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النوّاب لثلاثة أيام التقى خلالها برئيس البرلمان في تونس محمد النّاصر ومارتن كوبلر المبعوث الأممي إلى ليبيا وأخيرا برئيس الدولة الباجي قايد السبسي، وقد تزامنت هذه الزيارة مع زيارة رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل التابعة للمؤتمر الوطني العام بصحبة وفد رفيع المستوى، وهي زيارة غير معلنة، ويقال إنّ الاتصالات شملت سفير ليبيا السابق لدى الإمارات العربيّة العارف نايض، وهو أحد المرشحين لرئاسة الحكومة المقترحة بديلا يتجاوز الاتّفاق السياسي الموقّع في الصخيرات، وربّما لهذا السبب شملت الزيارات في تونس أيضا سفير ليبيا لدى المغرب عبد المجيد سيف النصر، كما شملت العقيد سالم جحا أحد كبار القادة العسكريين لكتائب مصراتة، ومن قبل ذلك قام رئيس تونس بزيارة لهذا الغرض إلى الجزائر...
كلّ هذه التحرّكات وغيرها تتنزّل في سياق التمهيد لقمّة ثلاثية مصرية تونسية جزائرية لرسم خارطة طريق جديدة في ليبيا بعد الفشل الذريع لحكومة السرّاج المنصوص عليها في اتفاقية الصخيرات، ولا سيما بعد انهيارها شبه التام إثر اقتحام قوات موالية لحكومة الغويل لمقرّ الرئاسة في طرابلس منذ شهر دون أدنى مقاومة ما أكدّ أنّ هذه الحكومة اسم بلا مسمى، وتأتي هذه الاتصالات أيضا بعد توعّد قوات حفتر المتكرّر لخوض معارك في غرب ليبيا ضدّ المجموعات الموالية لحكومة الوفاق (السرّاج) أو تلك المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام (الغويل)، ما يعني قرب تلك المعارك من تونس والجزائر، وفي هذا مخاطر توظيف قبائل الطوارق من الطرفين المتنازعين، وفي هذا استنفار لطوارق الجنوب الجزائري وشمال مالي الذين قد يندفعون للمشاركة في هذه الحرب.. علما أنّ عميل أمريكا خليفة حفتر قد قام بزيارة سرية إلى تشاد لدعم تعاونها الأمني والعسكري معه ووُوجه ذلك بغلق تشاد للحدود مع ليبيا تزامنا مع هجوم شنته قواته في الجنوب الليبي مع زيارات متكررة لمصر ما جعل السلطة في الجزائر تستدعي حفتر لتذكره بالخطوط الحمر...
وهكذا نتبيّن أنّ اتفاقية الصخيرات وكلّ ما انبثق عنها قد أصبحت متجاوَزة؛ لأنّها ولدت ميتة وجاءت مفروضة رغم انتحالها صفة التوافق والتفاوض والتشاور؛ لذا هي لم تجد على الأرض ما يلزم حتى لتولي المناصب فضلا عن رعاية الشؤون حتّى في مشمولاتها الصغيرة، وحسبنا أن نعلم شبه استحالة حصول حكومة السرّاج على ميزانية 2017 من المصرف المركزي لعوائق قانونية وإجرائية معلومة رغم محاولة مؤتمر لندن الأخير حول ليبيا نقل الميزانية إلى الخارج وضخّ الجزء الأكبر منها من دول مانحة ومقرضة ومستثمرة... وهو حلّ مؤقت فيه رهن لليبيا ومليء بالتناقضات...
يبدو أنّ بريطانيا تسعى إلى تدارك هذا الضعف والتدهور ولا سيما أنّ الاتفاقية السابقة لم تراع التشابكات الإقليمية وخاصة تأييد مصر الصريح لقوات حفتر، وهو المدعوم خاصة من فرنسا وأمريكا المتظاهرتين بتأييد حكومة الوفاق (السرّاج).
أمام هذا المأزق المحلّي والإقليمي وتهافت القوى الكبرى يبدو أنّ عملاء بريطانيا يعملون على التدارك وإعادة الترتيبات وفق الصيغة الآتية:
1- الضغط (إقناع) على الدول المجاورة لليبيا بإيقاف الدعم لحفتر وخاصة مصر وتشاد.
2- في حال بروز اختلاف في إيجاد نوع من التوافق بين الفرقاء سيقع اقتراح تشكيل فريق حوار مناصفة بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة لحلّ الخلاف...
3- رفض الحسم العسكري وإعلان استحالته وتفعيل العقوبات ضدّ معرقلي التسوية السياسية والعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي ينصّ على وقف إطلاق النّار وإرسال مراقبين دوليين يسهرون على تطبيق القرار... ما يعني مزيداً من التدويل... وهو أمر فيما يبدو وافقت عليه الجزائر وتونس وهذا يعني الضغط وربّما عزل المؤتمر الوطني وما انبثق عنه وسائر القوى الثورية الأخرى ولا سيما الإسلامية.
4- الأسماء المقترحة لرئاسة الحكومة المزمع التوافق عليها تدور حول هذا الثالوث المرضي عنه: علي زيدان، وعبد الرحمن شلقم، والعارف نايض الذي كان سفيرا لليبيا في الإمارات...
والحاصل أنّ كلّ هذه الحلول هي تخصيب للتناقضات بين محلي وإقليمي ودولي، وهي ترضيات لا تستقيم مع أمة لها من صلبها حلولها المبدئية... كما لا يستقيم مزيد من الاستعمار بعد ثورة عارمة مهما كانت الالتفافات.
بقلم: رضا بالحاج*
رأيك في الموضوع