بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: كثفت تركيا اتصالاتها بروسيا حول الساحة السورية من أجل إعادة فتح مفاوضات التسوية الأمريكية، فقد ذكرت بي بي سي 2/12/2016 (وقال مولود جاويش أوغلو إن تركيا تتشاور مع روسيا... من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناقش الشأن السوري هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين 3 مرات في الأسبوع الماضي على الأقل، بينما التقى جاويش أوغلو بوزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف في تركيا يوم الخميس لبحث الموضوع نفسه). ومع كل هذا وذاك فلا تزال روسيا تكثف هجماتها الوحشية على حلب حتى إنها مارست حق الفيتو على مشروع قانون في مجلس الأمن 5/12/2016 ينص على وقف الأعمال العسكرية بضعة أيام في حلب، فما الذي يدفع تركيا رغم وحشية روسيا إلى هذه المحادثات معها؟ وما هي حقيقة ما يجري حول حلب وسوريا الآن؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب: لكي يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:
أولاً: منذ ما يزيد عن الشهرين فقد ظهرت أمريكا وكأنها تقوم بتأزيم الموقف مع روسيا، وكان ذلك في ضوء انتقادات أوروبية شديدة وجهت لروسيا على أثر شدة وحشية حملتها الجوية على حلب، وكذلك شدة رفض الداخل السوري للدور الأمريكي والذي بلغ ذروته برفض فصائل مقاتلة المشاركة في العملية التركية "درع الفرات" لوجود قوات خاصة أمريكية بينها. ومن ثم أدركت أمريكا أن حملة عسكرية أشد عنفاً لتركيع السوريين والثوار هي شرط لازم يجب أن يسبق العودة لمفاوضات يمكن أن يتوفر لها بعض عناصر النجاح. ومنذ ذلك الحين أخذت أمريكا تجمع كيدها على اتجاهات عدة:
1- حمل روسيا على التعجيل بإرسال قطع عسكرية أشد فتكاً، فكان وصول حاملة الطائرات الروسية الوحيدة "كوزنيتسوف" إلى سواحل سوريا 1/11/2016 مع مجموعتها القتالية خاصة الطراد الحامل للصواريخ، والبدء فوراً بحملة استطلاع فوق الأهداف السورية لا سيما فوق حلب. وهذا يضاف إلى ما لروسيا من طائرات ومعدات في سوريا خاصة في مطار حميميم.
2- استجلاب المزيد من قوات إيران وأشياعها خاصة إلى منطقة حلب.
3- تبريد معظم الجبهات الأخرى في سوريا عن طريق السعودية وتركيا وغيرهما، وما لهذه الدول من تأثير مشفوع بالدولار على فصائل سورية مقاتلة، فكان أن تزايدت وبشكل ينذر بالانهيار الهدن والمصالحات ومشاهد الباصات المحملة بالثوار وعائلاتهم إلى إدلب. وكل ذلك لإفساح المجال للنظام بإرسال المدد إلى حلب من الجبهات التي بردت. يضاف إلى كل ذلك سعي تلك الدول لإشعال نار الفتنة داخل حلب نفسها، فكانت اشتباكات بين الثوار المحاصرين، والحمد لله أن تم تطويقها...
4- يضاف إلى ذلك استمرار حملة أردوغان "درع الفرات" ومحاولته جذب المزيد من الفصائل المقاتلة الموالية لتركيا إلى معركة الباب بعد جرابلس، وكل ذلك من أجل إضعاف الجبهة الحقيقية في حلب، والتي يعول عليها في فك الحصار الخانق على المدينة ونجدتها... (ذكرت تقارير ميدانية أن خسارة المعارضة السورية المسلحة لثلث الأراضي التي كانت بحوزتهم في شرقي حلب، جاءت بسبب انسحاب عدد كبير من مقاتلي المعارضة من جبهات القتال في حلب من أجل مساندة القوات التركية في معاركها ضد داعش والجماعات الكردية ضمن عملية "درع الفرات". وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، الاثنين، إن "أوامر تركية وصلت إلى مقاتلين موالين ضمن الجيش الحر من أجل الانضمام إلى القوات التي تقاتل تنظيم داعش ضمن عملية درع الفرات" التي أطلقتها أنقرة قبل شهر ضد داعش والأكراد حيث تخشى أنقرة بسط سيطرتهم على مناطق حدودية. وأوضح عبد الرحمن أن التدخل التركي هو كلمة السر وسبب مهم لهزيمة المعارضة، نظرا لاستخدام فصائل تابعة لها بالجيش الحر في معركتها الخاصة، مما أدى إلى خلو الجبهات التي يفترض أن تواجه الجيش السوري وحلفاءه، من مقاتلي المعارضة.) (سكاي نيوز عربية، 28/11/2016م).
ثانياً: وهكذا حصل ضغط حقيقي وكبير على ثوار حلب بانتزاع الكثير من الأحياء المحررة من الثوار، وحُصر الثوار في مساحة أكثر ضيقاً، واستمر القصف العنيف والتهديد باقتحام بقية الأحياء. وهنا ومع الدعوات الدولية المطالبة لوقف إطلاق النار فقد وجدت أمريكا الفرصة ربما سانحة لإحياء المسار السياسي للحل في سوريا، في ظل مناخ جديد يتطلب الاستعجال ولا يحتمل التأجيل، وتدل عليه الوقائع التالية:
1- تدرك أمريكا بأن انتزاع أحياء مهمة شرقي حلب ليس نهايةً للثورة السورية، فتصفية الثوار في مختلف مناطق سوريا هي حلم مستحيل المنال، وهي تدرك أن سنوات الثورة الطوال في سوريا قد أوجدت مناخاً إسلامياً خطراً، لذلك فهي تستعجل القضاء على هذا المناخ، والسياسة ودهاليزها أفعل في القضاء عليه من الآلة العسكرية التي تزيد في تأجيجه. لذلك فأمريكا وقد يئست من أن يؤدي القتل والتدمير والمزيد منه إلى إخضاع الشعب في سوريا، فإنها ومنذ سنوات تتحين الفرص للحل السياسي وفق مخططاتها.
2- إدارة أوباما الحالية ستغادر البيت الأبيض في 20/1/2017، وهي لا تزال تحلم بأن تغادره بإنجاز يحسب لهذه الإدارة، لذلك وبعد دخول الجيش السوري لأحياء حلب فقد ذكرت روسيا بأن وزير الخارجية كيري يسعى وبشكل محموم لصفقة في حلب. فقد ذكرت روسيا اليوم 28/11/2016 (وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، الاثنين 28 تشرين الثاني/نوفمبر: "إذا سألتم عن جهود كيري، فهي كثيفة جدا". واستدرك قائلا: "يمكننا أن نصف هذه الجهود بأنها خارقة، نظرا للكثافة غير المسبوقة للاتصالات الهاتفية بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي، إذ يتم التركيز على موضوع واحد قبل كل شيء، وهو سوريا").
3- توكيل أمريكا لتركيا وتدريبها على القيام بدور سياسي بارز نيابةً عنها، بدرجة ظهرت وكأن ثنائية كيري-لافروف تحل مكانها ثنائية روسيا-تركيا، وهذا ما يفسر الاتصالات الكثيفة لتركيا في الفترة اللاحقة لانتزاع أحياء شرقي حلب، وكذلك الزيادة المحمومة في لقاءات المسؤولين الأتراك مع نظرائهم الروس، وزيارات المسؤولين الأتراك إلى لبنان وإيران... وقد كانت تلك الزيارات واللقاءات التركية مكثفة ولافتة للنظر على النحو التالي:
أ- (بحث الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم السبت 26/11/2016 في طهران مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلوالأزمة السورية، والملفات الإقليمية الأخرى، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين. وأفادت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء (إرنا) بأن وزير الخارجية التركي سيواصل مشاوراته في طهران مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف...) (الجزيرة نت، 26/11/2016).
ب- من جهتها، قالت وكالة الأناضول (إن جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا بحث مع رياض حجاب ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري وإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب، إلى جانب الجهود المبذولة في سبيل إيجاد حل سياسي للنزاع في البلاد.) (الجزيرة نت، 30/11/2016).
ج- زيارة لافروف لتركيا 30/11/2016: (أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن الاتفاقات الروسية التركية حول سوريا، على المستوى العسكري والدبلوماسي والسياسي، قيد التنفيذ...) (روسيا اليوم، 1/12/2016) وأضاف لافروف (أن روسيا وتركيا ستواصلان المباحثات من أجل التوصل لحل للأزمة السورية بأسرع ما يمكن...) (الجزيرة نت، 1/12/2016).
د- وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد (ناقش الشأن السوري هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين 3 مرات في الأسبوع الماضي على الأقل...) (بي بي سي، 2/12/2016).
هـ- (قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي بمدينة ألانيا التركية، برفقة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، "نحن متفقان على ضرورة وقف إطلاق النار لإنهاء المأساة".) (بي بي سي عربي، 01/12/2016م). وقال (إن تركيا تتشاور مع روسيا وإيران حليفي الأسد ومع سوريا ولبنان أيضا من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية.) (بي بي سي، 2/12/2016).
و- نقلت سبوتنيك عن سمير نشار عضو الائتلاف المعارض الخميس 1 كانون الأول/ديسمبر قوله: "جرت اجتماعات منذ ثلاثة أيام بمساع تركية، وكان هناك تكتم شديد، والفصائل التي اجتمعت هي الفصائل التي تستطيع تركيا أن تمارس بعض النفوذ عليها، ولكن لم تخرج هذه الاجتماعات بأي نتائج ملموسة". (روسيا اليوم، 1/12/2016). وذكرت صحيفة "الفايننشال تايمز"، الخميس 1 كانون الأول/ديسمبر، أن عددا من قادة المعارضة السورية (يجرون مباحثات سرية مع مسؤولين روس برعاية تركية لإنهاء القتال المستمر في مدينة حلب. وأضافت الصحيفة أن "أربعة من أعضاء المعارضة المتواجدين شمالي سوريا أخبروها أن تركيا ترعى محادثات مع مسؤولين روس بالعاصمة أنقرة".) (بي بي سي عربي، 01/12/2016م)... (وتقود حركة "أحرار الشام الإسلامية" باسم "الجبهة الإسلامية"، مفاوضات مع مسؤولين روس من أجل التوصل إلى هدنة في حلب، يتم بموجبها إخراج مقاتلين من "جبهة فتح الشام" عبر طريق الكاستيلو، وفتح طرق إجلاء المصابين والمرضى من الأحياء الشرقية تحت إشراف فريق تابع للأمم المتحدة. وتشير مصادر "المدن" إلى أن مغادرة "فتح الشام" لحلب ستتم عبر خطة تركية، تتولى أنقرة بموجبها مسألة تقديم المساعدات إلى الأحياء المحاصرة لاحقاً.) (المدن، 3/12/2016).
ز- وأما رضا أمريكا عن التحركات التركية تلك، فقد ظهر في ترحيب الخارجية الأمريكية بتلك المفاوضات (... وفي موجز صحفي، قال مارك تونر، الناطق باسم الوزارة، الخميس 1 كانون الأول/ديسمبر: "رأينا تقارير عن أن روسيا تتفاوض مع الثوار السوريين..." وأضاف المتحدث: "أما ردة فعلنا، فنحن مستعدون للترحيب بكل مساع حقيقية تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب السوري، وخاصة في حلب" (روسيا اليوم، 1/12/2016)، فأمريكا وراء ما يجري وبخاصة وأنها متفقة مع روسيا على سير المفاوضات والتسوية، فقد (كشف وزير الخارجية الروسي السبت 3 كانون الأول/ديسمبر، أن نظيره الأمريكي جون كيري، سلمه مقترحات حول تسوية في حلب "تنسجم مع المواقف التي تتمسك بها روسيا") (روسيا اليوم، 03/12/2016م) ... (وقال لافروف في مؤتمر صحافي إن روسيا والولايات المتحدة ستبدآن محادثات في شأن الانسحاب في جنيف مساء يوم غد أو صباح الأربعاء، موضحاً أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري «أرسل مقترحاته في شأن مسارات وتوقيت الانسحاب») (دار الحياة، 05/12/2016م.)، (وأكد أن الجانب الروسي كان مستعدا لبدء المشاورات اعتبارا من يوم الاثنين 5 كانون الأول/ديسمبر، لكن واشنطن طلبت تأجيل لقاء الخبراء قليلا، ومن المتوقع أن تبدأ تلك المشاورات، مساء الثلاثاء أو صباح الأربعاء.) (روسيا اليوم، 05/12/2016م)، لكل ذلك فإن التحركات التركية الأخيرة وكثافتها هي أكبر شأناً من أن تكون تركيا وحدها هي التي تقف وراءها، والمؤكد أن أمريكا هي التي تدفع تركيا دفعاً، وخطوة بخطوة... وهي التي تدير تلك المفاوضات مع روسيا وفق مقترحاتها التي سلمتها لروسيا في الوقت الذي تقلب فيه إدارة أوباما الأيام بعناية عسى أن تتمكن من تحقيق إنجاز، ولو في حلب وحدها في الأسابيع القليلة المتبقية من عمر تلك الإدارة.
ثالثاً: وأما عن فرص نجاح أمريكا في وضع الفصائل المقاتلة على طاولة المفاوضات، وإعادة إحياء العملية السياسية في سوريا، فتحكمه الوقائع التالية:
1- في الداخل السوري يتعاظم رفض الحلول السلمية، وقد أيقن السوريون تآمر الدول العربية وتركيا عليهم مع أمريكا وروسيا، وبات واضحاً وبشكل لا يحتمل الشك بأن تلك الدول تقف ضد الثورة السورية... وهذا الداخل يضغط على الفصائل لتصحيح مسارها بعد أن تلوث كثيرُه بالولاءات الخارجية، وتأثر بالدعم المالي القذر، وظهر ذلك في المصالحات والهدن وتبريد الجبهات، والالتزام بالخطوط الحمراء وتعليمات غرف التنسيق "الموك، والموم". وكانت الهبَّة الشعبية داخل سوريا والضاغطة على الفصائل سابقةً لحملة النظام وحلفائه الأخيرة على شرقي حلب، وأما الآن فقد تعاظمت هذه الهبة واصفةً الفصائل المهادنة بالخائنة، ومطالبةً بإخراج قادتها عن السكة، وأمام هذه الهجمة العسكرية الشرسة فقد بادرت الفصائل داخل حلب إلى حل نفسها وتأسيس جيش حلب، وأن يكونوا قوة واحدة، وهي خطوة جيدة لعلها تقود إلى التحلل من الولاءات الخارجية أمام الخطر الداهم، (وعزا سمير نشار العضو في الائتلاف السوري المعارض عدم إحراز نتائج في مفاوضات الفصائل مع روسيا في تركيا، عزاه إلى أن القرار الأساسي يعود إلى المجموعات المسلحة المحاصرة في مدينة حلب، حيث قال: "لم تخرج هذه الاجتماعات بأي نتائج ملموسة لأن المحاصرين ضمن مدينة حلب أصبح قرارهم مستقلاً عن قياداتهم الموجودة خارج المدينة، وبالتالي أصبح القرار ذا استقلالية شديدة تتعلق بالمحاصرين داخل المدينة") (روسيا اليوم، 1/12/2016). ولم تعبأ تلك المجموعات المسلحة في داخل حلب بما يجري خارجها من مفاوضات خيانية وتهديدات وحشية للاستسلام (قال مسؤول في المعارضة السورية إن قادة مقاتلي المعارضة لن يسلموا شرق حلب لقوات الحكومة، وذلك بعد أن قالت روسيا إنها على استعداد لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة بشأن انسحاب كل مقاتلي المعارضة من المنطقة، وفق ما أوردته وكالة رويترز السبت...) (الحرة، 03/12/2016م).
2- وهكذا فإن الشعب الذي استيقظ ليجد درة الثورة "حلب" تحت الخطر الداهم لم يندفع إلى الاستسلام والموافقة على الحلول السياسية، بل إنه قد صار يندفع بزخم أكبر لتصحيح مسار الفصائل الموالية للدول العربية وتركيا، تلك الفصائل التي تحول الدعم المالي لها إلى كابح كبير يمنعها من الاستمرار بالثورة... وهكذا تميز الخبيث من الطيب... فالخبيث انصاع للأسياد في تركيا والسعودية وغيرها، وهرول للعملية السياسية الخانعة لأمريكا وأحلافها وأشياعها وسقط في خندق المتآمرين على الثورة... وأما الطيب فقد صدق العزم ولم ينحن إلا لله سبحانه، وهذا الطيب هو بإذن الله الذي سيجعل الكيد الذي جمعته أمريكا من إيران وروسيا وتركيا والدول العربية هباءً منبثاً.
إن هذه الهجمة الوحشية وهذا الصمود الأسطوري للمقاومة في حلب، كل ذلك لم يكشف الخبيث المحلي فحسب، بل كشف كل خبيث وخاصة الإقليمي الإيراني والسعودي والتركي، فإيران تساهم بأعمال القتل الوحشية التي لا يفوقها إلا أعمال القتل الروسية وفق المخططات الأمريكية، والسعودية تساهم بالمال القذر الذي تغذي به بعض الفصائل للمساهمة في المفاوضات الخيانية، وتركيا اتخذت التضليل سلاحاً لتنفيذ المخططات الأمريكية، فقد أعلت الصوت في أنها لن تخذل حلب فخذلتها على رؤوس الأشهاد، ليس هذا فحسب، بل حتى رجلها المدفون في منطقة حلب لم تحمه ونقلته من هناك إلى منطقة بعيدة! ثم زادت الصوت ارتفاعاً بأنها لن تسمح بحماة ثانية فكانت ثانية وثالثة دون أن تحرك ساكنا! ولما أصابها الخجل من هذه المواقف حاولت مؤخراً أن تعلي الصوت من جديد فصرح أردوغان بأن درع الفرات مقصود منه "رحيل الأسد" (قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر كلمة ألقاها في ندوة مكرسة للقدس في إسطنبول، الثلاثاء 29 تشرين الثاني/نوفمبر: "... ودخلنا سوريا مع الجيش السوري الحر"، واستدرك أردوغان قائلا: "لماذا دخلنا؟ دخلنا لكي نضع الحد لحكم الطاغية الأسد الذي يرهب السوريين بدولة الإرهاب. ولم يكن دخولنا لأي سبب آخر") (روسيا اليوم، 29/11/2016م). ولكنه قبل أن يخمد صدى صوته تراجع إرضاء لروسيا التي تقصف حلب صباح مساء! فقد (ألقى رئيس الجمهورية أردوغان كلمة في الاجتماع الثلاثين للمخاتير الذي عُقد في المجمع الرئاسي "الكُليّة"، حيث قال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إن عملية درع الفرات المستمرة في سوريا بقيادة القوات المسلحة التركية لا تستهدف شخصاً أو بلداً بعينه. "إن هذه العمليّة المستمرّة منذ 24 آب/أغسطس تستهدف التنظيمات الإرهابية".) (تي أر تي عربية، 01/12/2016م). وكانت روسيا تدرك أن تصريح أردوغان عن رحيل الأسد هو خال من المعنى حيث علق وزير الخارجية الروسي عليها الخميس 1 كانون الأول/ديسمبر قائلا: (إن موسكو تعتمد في المجال العملي على الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين رئيسي البلدين، والتي يجري تنفيذها، وليس على تصريحات أحادية الجانب تطلق كثيرا.) (روسيا اليوم، 1/12/2016)... واليوم 7/12/2016 خلال زيارة يلدريم إلى موسكو صرح بشكل واضح في مقابلة مع وكالة إنترفاكس الروسيةأن عملية درع الفرات (لا ترتبط بما يدور من أحداث في مركز مدينة حلب، ولا علاقة لها بعملية تغيير النظام السوري.) (الخليج أونلاين، 07/12/2016م).
رابعاً: وهكذا فإن أمريكا تنسق بشكل تام مع روسيا في هجماتها الوحشية وهي من وراء "درع الفرات" الذي من أهدافه سحب فصائل من جبهة حلب إلى أعمال "درع الفرات" ومن ثم إضعاف جبهة حلب... وكذلك رعاية مفاوضات فصائلها المشبوهة مع روسيا، وأيضاً وراء حشود إيران والأتباع. ثم إن أمريكا هي وراء منع السلاح المؤثر عن المعارضة، ولا يغير من ذلك ما نشرته وسائل الإعلام هذا اليوم 07/12/2016م من أن مجلس النواب الأمريكي قد (أقر مشروع قانون يتيح لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إرسال صواريخ أرض-جو مضادة للطائرات إلى فصائل المعارضة في سوريا....ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" أن مشروع القرار يشمل بعض القيود على نقل هذه الأسلحة.) (العربية، 07/12/2016م) فهو جاء في الوقت الضائع بعد أن أوشكت حلب على التدمير، وهو مشكوك في حدوثه، وإن حدث فسيكون سلاحاً منزوع السلاح! فلا يستعمل إلا بإذن من عدو الإسلام والمسلمين، وهل يرجى من الشوك العنب؟! ثم إن مشروع هذا القانون أقروه لينفذ ليس الآن، بل في عهد ترامب الذي أعلن منع السلاح عن المعارضة قبل بدء عهده! إنه تضليل فوق التضليل وإنه لبهتان عظيم...
ومع كل هذا فإن حلب مهما أصابها من تدمير ستنهض من جديد، وستبقى أرض الشام بعامة وحلب الشهباء بخاصة خنجراً مسموماً في حلق أمريكا وروسيا والأتباع والأشياع، تقض مضاجعهم وتقتلهم بجرائمهم، ولن يهنأوا بنصر يزعمونه فأنْ لا يستطيعوا دخول بلد إلا بعد تدميره هو نصر موهوم... وأن لا يتمكنوا من مقاتل إلا بعد استشهاده هو نصر المهزوم... وأن يحشدوا الصواريخ المدمرة والبراميل المتفجرة والجيوش المؤلفة أمام مئات أو بضعة آلاف، ومع ذلك لا يستطيعون مجابهتهم إلا بالقاذفات الجوية والبوارج الحربية فإن هذا لهو نصر الجبان المرعوب من مقابلة الرجال الرجال وشأن هذا النصر إلى زوال...
إن أمريكا وروسيا والأحلاف والأشياع والأتباع يريدون أن يعيدوا بجرائمهم الوحشية سيرة إخوانهم من قبل الصليبيين والمغول التتار بما صنعوه من جرائم في العراق وبلاد الشام، ولكن هؤلاء لم يعتبروا بمصير أولئك، فقد اقتلعهم المسلمون من بلادهم ونهضوا من جديد، وعادت عزة الإسلام والمسلمين، وقويت خلافتهم، وفتحوا مدينة هرقل وأصبحت مدينة الإسلام "استانبول"، واقتربوا من موسكو وطرقوا أبواب فينا، والأيام دول، وإن غداً لناظره قريب ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
الأربعاء، الثامن من ربيع الأول 1438هـ
07/12/2016م
رأيك في الموضوع