ثورة الشام، إنها ثورة مباركة بحق، إنها ثورة الأمة الإسلامية التي أعجزت أمريكا الدولة الأولى في العالم والتي أعلن رئيسها أوباما يوم 4/8/2016 أنها "شيّبته" وأعلن وزير خارجيتها كيري يوم 22/9/2016 أنها سببت له "الإحباط" وكررها الناطق باسم خارجيتها تونر يوم 4/10/2016 أنها سببت لأمريكا "الإحباط والغضب"، لأن شعار الثورة "لن نركع إلا لله" ولأن الله تكفل بالشام فأدخل فيها خيرة عباده.
عندما رأت فرنسا عجز أمريكا التي أقصتها مع أوروبا عن الشأن السوري بدأت تتحرك فأعلنت على لسان المتحدث باسم حكومتها لو فول يوم 5/10/2016 أنها "ستطرح قرارا في مجلس الأمن صاغته حول الوضع في حلب وفي سوريا" وقد "احتجت على ما يحصل في حلب ولا تقبله" ونددت "بالتعديات غير المحتملة" التي يرتكبها النظام مدعوما بالطيران الروسي. وتحرك وزير خارجيتها أيرولت نحو موسكو وواشنطن لمناقشة الأزمة والدفع بمشروعها المتعلق بحلب.
وكان لسان حالها يرفض هذا الإقصاء فتقوم وتبحث عن ذرائع للتدخل ولتفرض نفسها في الشأن السوري، وبدأ تدخلها العسكري هناك يوم 8/9/2015 حيث أرسلت طائرات استكشاف ومن ثم شن طيرانها أولى غاراته يوم 27/9/2016 بذريعة محاربة تنظيم الدولة. ومع ذلك تعمل أمريكا على إقصائها وتحصر الموضوع بينها وبين روسيا، ولكن فرنسا لم تستسلم وبدأت تشاغب وتغتنم الفرص ليكون لها أصبع في الموضوع. فطالبت على لسان وزير خارجيتها يوم 15/9/2016 "أمريكا وبصوت عالٍ إطلاع حلفائها على تفاصيل الاتفاق مع روسيا حول وقف إطلاق النار في سوريا".
فأحرجت روسيا كما أحرجت أمريكا، فتظاهرت روسيا بالتجاوب مع فرنسا ورحبت بمبادرتها، فقال وزير خارجيتها لافروف في مستهل محادثاته مع نظيره الفرنسي أيرولت يوم 6/10/2016 "نحضر لزيارة الرئيس بوتين إلى فرنسا يوم 19/10 القادم ونحن نعتقد أن هذه الزيارة ستكسب أهمية هائلة... وستكون فرصة لبحث العلاقات الثنائية بالإضافة إلى مناقشة القضايا السياسية ولا سيما سوريا وأوكرانيا. وإن موسكو مستعدة لبحث أفكار فرنسا التي سبق لها أن قدمت مشروع قرار جديد حول الوضع في حلب لمجلس الأمن... وإننا قلقون للغاية مما يحدث في سوريا. ونريد أن نبذل كل ما بوسعنا من أجل تطبيع الوضع في أقرب وقت ممكن..." فكما تتظاهر روسيا بأنها تجاوبت مع فرنسا إلا أنها تعبر عن حالها؛ فهي "قلقة للغاية"، لأنها في مأزق تريد أن تخرج منه "في أقرب وقت ممكن". ولذلك سيقوم رئيسها بوتين بزيارة فرنسا. إلا أنها طرحت مشروعا في مجلس الأمن مقابل المشروع الفرنسي، فاجتمع المجلس في جلسة طارئة يوم 8/10/2016 لمناقشة المشروعين.
المشروع الفرنسي يدعو إلى وقف إطلاق النار في حلب ووقف تحليق الطيران الحربي فوقها وإيصال المساعدات للمحاصرين، ووضع آلية لمراقبة دولية للهدنة، وتنفيذ الحل السياسي. وكل ما يهم فرنسا هو أن يكون لها شأن لتشبع حب العظمة لديها وأنها دولة كبرى لها اعتبار. وروسيا يهمها أمر أوكرانيا كثيرا ويظهر أن بوتين يريد أن يستخدم مطالب فرنسا في سوريا كورقة للحصول على أمور تتعلق بأوكرانيا.
وطرح روسيا مشروعا مقابل المشروع الفرنسي بمجلس الأمن يدل على أنها ما زالت تسير مع أمريكا في مواصلة الخطة التي اتفقتا عليها في سوريا، وتريد أن تنتقم من فرنسا لأنها أحرجتها مع أمريكا في موضوع تآمرهما على حلب لتدميرها فوق رؤوس أهلها إذا لم يخرج الثوار منها كما ذكر عميل أمريكا دي ميستورا. واستعملت روسيا الفيتو ضد المشروع الفرنسي فأسقطته. وبنود المشروعين متشابهة تقريبا فيدعوان لوقف إطلاق النار لوقف الثورة. وقد فشل مشروع روسيا، ولم تطرحه لينجح، وإنما نكاية بفرنسا وللاستمرار في قصف حلب حسب اتفاقها مع أمريكا. ولهذا نرى الجميع متآمرا على الثورة لإسقاطها، وتناوشهم ما هو إلا ليحقق كل طرف مصالحه ويعزز مركزه الدولي.
وتظن فرنسا أنها ستفعل ما لم يستطع أن يفعله الأوائل في إخماد ثورة الأمة لتسجل إنجازا يرفع من مكانتها الدولية. ونراها تتحرك في مجلس الأمن وفي قضايا دولية لتتصدر الموقف الأوروبي خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتتزعم أوروبا كما تحلم، فقد رسمت سياسة بالاعتماد على النفس، وعلى الدعم الأوروبي، ومحاولة التفاهم مع روسيا، ومحاولة التأثير على أمريكا بإحراجها بالمشاغبة والتشويش عليها لتشركها في القضايا الدولية ومنها قضية سوريا. وقد نالت دعم أوروبا في مواجهتها للتحالف الأمريكي الروسي مع النظام في ضرب حلب. فوقفت بريطانيا وإسبانيا في مجلس الأمن ضد قصف حلب كما دعت ألمانيا إلى وقف هذه "الجريمة الرهيبة" هناك.
وتتحرك فرنسا في العراق أيضا، فصرح وزير دفاعها لودريان مؤكداً "عزم فرنسا" على مواجهة و"استئصال" تنظيم "الدولة الإسلامية" قبل بدء معركة الموصل. فتريد أن تفرض نفسها وتمنع تفرد أمريكا بالعراق حيث عارضت الغزو الأمريكي عام 2003، وما زالت تنتقد أمريكا ودورها هناك. فقال رئيسها أولاند يوم 12/9/2016 إن "ردة الفعل الأمريكية عقب اعتداءات 11 أيلول والتدخل في العراق أدى إلى زيادة التهديد الإرهابي بدل القضاء عليه وإلى سيادة الفوضى".
وفي ليبيا نرى فرنسا تعمل على فرض نفسها وإيجاد موطئ قدم لها، فتلعب هناك لعبة مختلفة حيث تلعب على الحبلين مرة لإرضاء أمريكا بدعمها لحفتر ومرة لدعم حكومة السراج الموالية لبريطانيا.
إن فرنسا لا تختلف عن أمريكا وروسيا وبريطانيا في ارتكاب الجرائم ولا ترفع صوتها في موضوع حلب انتقادا للجرائم، وقد فعلت مثلها في كل مكان تدخلت فيه، سواء في أيام استعمارها القديم بالجزائر أو بمالي وأفريقيا الوسطى مجددا. فيداها ملطختان بالدماء وبالأعمال القذرة على مدى تاريخها الأسود، فلا يعول عليها ولا على مشاريعها المتشابهة مع مشاريع الدول الاستعمارية الأخرى إلا بفروق بسيطة تخدم مصالحها ولتفرض نفسها حتى يكون لها تأثير دولي وتشبع حب العظمة لديها.
فعلى أهل الشام خاصة وأهل المنطقة عامة أن ينفضوا أيديهم من كل هذه الدول الاستعمارية ولا يعولوا عليها بشيء ولا على عملائها، فكلها شر، وشر مستطير، وليعولوا على أنفسهم وأمتهم وخاصة المخلصين الصادقين فيها وهم كثر، وليستعينوا بالله وليصمدوا، فأعداؤهم يتألمون ويريدون الخروج من مأزقهم ولكنهم يضغطون عليهم ليستسلموا قبل أن يستسلموا هم وقد أصابهم الإحباط.
قولوا: لا للاستسلام، لا للمفاوضات، ثورة حتى إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام. ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
رأيك في الموضوع