في جولة وُصفت بالتاريخية، زار رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو كلا من أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، والتقى زعماءها، كما وشارك خلال وجوده في العاصمة الأوغندية في قمة سياسية جمعته وعدداً من الزعماء الأفريقيين، شملت قادة من أوغندا وكينيا ورواندا وجنوب السودان وزامبيا وإثيوبيا وتنزانيا. وقد أولى أهمية بالغة لهذه الزيارة ولخّص هدفه منها في "فتح أفريقيا على إسرائيل"، وتمثل ذلك في مجال العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ورافقه فيها نحو ثمانين من رجال الأعمال من خمسين شركة صهيونية. هذا المقال يلقي الضوء على تلك الزيارة وأهدافها.
بداية لا بد من استحضار السياق الزمني للزيارة، إذ أتت في فترة انشغال أمريكا في الانتخابات مع انهماكها في ملف الثورة السورية تحت ضغط الأحداث، ومن ثم وجود حالة من الفراغ السياسي في أفريقيا، مع غياب أية فعالية للدول العربية في الحراك المؤثر فيها، مما فتح المجال لحراك نتنياهو بأريحية سياسية. إضافة لذلك هنالك بعض الانزعاج الصهيوني من محاولات فرنسا لتحريك الماء الراكد في ما تُسمى علمية السلام.
إذن اقتنص نتنياهو فسحة الحراك وتوقيتها، وعمل على إحداث اختراق دبلوماسي وسياسي وأمني واقتصادي. ونقلت وسائل الإعلام عن نتنياهو قوله إن "هذه الجولة تحمل في طيّاتها أهمية كبيرة بالنسبة للصعيد السياسي والاقتصادي والأمني"، وهذه إضاءات على تلك المحاور:
- 1. الاختراق السياسي وحشد التأييد الدبلوماسي الأفريقي
أدرك قادةُ يهود أن أفريقيا تمثل 54 صوتا في المحافل الدولية، وقد كانت تلك الأصوات في العادة ضد الاحتلال اليهودي في المحافل الدولية والأمم المتحدة، وأعرب نتنياهو عن الحاجة لتغيير ذلك الواقع.
وقد كان للدول الأفريقية الفضل في تمكن كيان الاحتلال اليهودي من مواجهة قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيلول الماضي، بفتح محطاتها النووية غير المعلنة للمفتشين الدوليين. وهذا التأييد الأفريقي في المحافل الدولية يساعد نتنياهو في الهروب من استحقاقات حل الدولتين في المحافل الدولية، وفي تفريغ الضغط الدبلوماسي في المبادرة الفرنسية.
وفي هذا السياق أيضا حصل نتنياهو على وعد من الرئيس الكيني بأنه وزعماء أفارقة آخرين سيعملون على "إعادة إسرائيل إلى مكانة مراقب بالاتحاد الأفريقي". وقد أحدث نتنياهو اختراقا تطبيعيا جديدا حيث كشف "أنه يعتزم لقاء زعيم أفريقي مسلم من دولة لا تجمعها أي علاقات بإسرائيل، بوساطة زعيم أفريقي آخر" (عربي21 في 8/7/2016)، وقد رجح مراسل الشؤون السياسية في الإذاعة العبرية، أن يكون هو الرئيس التشادي إدريس ديبي.
- 2. الاختراق الأمني تحت دعوى مكافحة ما يسمى "الإرهاب"
يقدم كيان الاحتلال اليهودي نفسه كخبير في محاربة "الإرهاب"، ومن المعلوم أن عناصر الموساد تشارك بتدريب القوات الإثيوبية والإريترية والأوغندية. وخلال القمة التي جمعت نتنياهو بالقادة الأفارقة تم التوقيع على معاهدة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، وجرى الحديث عن اتفاق لتدريب القوات العسكرية في كينيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا. وقد تم الإعلان عن موافقة الحكومة الصهيونية على فتح مكاتب "للوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية" في الدول الأربع التي زارها نتنياهو، حيث ستقوم على تقديم الدعم الفني، وفي هذا المجال ذكرت الجزيرة نت (في 9/7/2016) أن "إسرائيل ستقوم بمساعدة كينيا على بناء جدار بطول 708 كلم تقريبا على طول الحدود مع الصومال، وذلك لمنع حركة "الشباب المجاهدين" والمليشيات المسلحة الأخرى من عبور الحدود".
- 3. الاختراق الاقتصادي وفتح أسواق جديدة
إن مرافقة حشد كبير من رجال الأعمال لنتنياهو يوضح أن فتح الأسواق الجديدة للمنتجات الصهيونية الزراعية أو التكنولوجية أو العسكرية كان جزءا من الأجندة، من خلال الإغراء بالخبرات في مجال تحلية مياه البحر، والزراعة والصناعة. وهذا التوسع في التجارة الدولية يعزز الاقتصاد الصهيوني. وجرى الحديث أيضا عن بعد مائي في تلك الزيارة، وخصوصا بعد التقدم في بناء سد النهضة في إثيوبيا.
إن غياب الساسة المسلمين القادرين على ملء الفراغ السياسي في أفريقيا، وعلى إزالة هذا الكيان الصهيوني من الوجود، قد أفسح المجال لنتنياهو للتحرك في الفناء الخلفي للأمة الإسلامية، وليس ثمة من زعيم أو قائد في الكيانات القائمة في العالم الإسلامي يمكن أن يحمل ذلك الهمّ، بل هم منشغلون في الحفاظ على عروشهم، وفي تنفيذ الأجندات الغربية، بل وفي التنافس على خطب ود كيان يهود. ولا يمكن تغيير هذه المعادلات السياسية إلا في ظل خلافة حقيقية على منهاج النبوة، تعيد صياغة المشهد الدولي على أساس تحقيق مصالح الأمة الإسلامية لا مصالح أعدائها.
رأيك في الموضوع