بتاريخ 30 آذار/مارس الحالي وصلت حكومة السراج - المنبثقة من وثيقة الصخيرات - إلى طرابلس، على متنِ سفينة إيطالية، ومساندة قطع بحرية فرنسية، بعد أن تم الإعداد لاستقبالها في قاعدة "أبو ستة البحرية" وقد حظيت باستقبالٍ خجول من أفراد القاعدة التي وفرت الحماية لها، وكتيبة الردع "المداخلة" التي كانت تتبع وزارة الداخلية في حكومة الغويل، وقد شبّه بعض المراقبين هذا الدخول بالتسلل.
مما يؤشر إلى وجود اتفاق بين الدول الكبرى على هذا الدخول ومما يشير إلى حصول ضغوط كبيرة على الجهات المناوئة لهذه الحكومة، وقد كان لضغط الشارع - الذي يرزح تحت وضعٍ معيشي قاسٍ- أثره في اتجاه القبول بهذه الحكومة في طرابلس التي هي في الأصل تحت سيادة المؤتمر الوطني وحكومته منذ ما يقرب السنتين.
ولكن الضغط الذي مورس عبر الشارع ليس العامل الحاسم في الموضوع وإنما يرجح حصول توافق دولي على هذا الدخول بعد مرحلة من الصراع الحاد على من يمسك عناصر الأزمة في ليبيا. في الوقت الذي يظهر فيه بجلاء أن هذه الحكومة مدعومة بقوة من دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة. في حين إنها كان غير مرحبٍ بها من أمريكا وعملائها ومن الثوار المخلصين، حتى إن عميل أمريكا "حفتر" منع بقوة السلاح انعقاد برلمان طبرق - المشرعن دولياً - لإعطاء هذه الحكومة الثقة. مما اضطر المؤيدين لها إلى التجمهر في ساحة خارج البرلمان والتوقيع على مذكرة وإرسالها للأمم المتحدة بالموافقة على هذه الحكومة. بعدها صرح عقيلة صالح رئيس البرلمان بعدم شرعية ذلك واعتبره غير قانوني لأنه لم يحصل تحت قبة البرلمان.
بعد هذا كله ومع وجود معارضة قوية تسيطر على الأرض في العاصمة وكل المنطقة الغربية من ليبيا، تنقلب الأمور فجأة وتدخل الحكومة وتسكت المعارضة وينسحب السلاح المعارض إلى خارج العاصمة طرابلس ولا يبقى إلا ثلاث كتائب تقوم بتوفير الحماية لهذه الحكومة، وهذه الكتائب في الأصل تتبع حكومة الغويل، حكومة المؤتمر المعارض للسراج.
فما الذي حدث؟!
قبل الإجابة على ذلك، لا بد من التساؤل: هل ينتقل البرلمان إلى طرابلس ليتخلص من ضغط حفتر وينعقد ويعطي الثقة للحكومة؟!
رغم ما يظهر من غموض يخيم على المشهد السياسي، إلا أن بعض القرائن تدل على أنه قد حصل قبول من أمريكا بنزول هذه الحكومة في طرابلس، وتجدر الإشارة هنا إلى قرار مجلس الأمن ليلة الأربعاء بالإجماع، بالترحيب بانتقال الحكومة إلى طرابلس، كما تجدر الإشارة إلى أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة حصل التواصل المعلن والمتكرر بين أمريكا وحكومة الثوار في طرابلس بل مع بعض رموز المؤتمر الوطني العام، في الوقت الذي ظهر فيه إفشال المسار (الليبي الليبي) لحل الأزمة والذي تم بين مؤتمر طرابلس وبرلمان طبرق واتضح يومها أنه (برعاية أمريكية) لعرقلة مسار الصخيرات.
يبدو أن أمريكا عدلت عن دعم ذلك المسار بعد أن ضمنت مصالحها عبر هذه الحكومة وعليه يرجح أنها قدمت (نصائحها!) للثوار والمؤتمر وحكومة الغويل بالقبول، على أمل أن يبدأ الحوار داخل طرابلس، وقد يكون ذلك من شروط تسليم حكومة الغويل للسراج. رغم أنه قد قيل في بعض وسائل الإعلام: "أن السعودية أبدت استعدادها لجمع الأطراف المحلية المتصارعة في مؤتمرٍ على نسق مؤتمر الطائف الذي انعقد لحل المسألة اللبنانية في الثمانينات"، وتسليم المؤتمر للبرلمان لتنفيذ باقي بنود وثيقة الصخيرات مع ملاحظة التعديلات التي جرت عليها والتي تضمنت حماية أشخاص تجمع "فجر ليبيا" بما فيهم أعضاء المؤتمر والحكومة والثوار وإشراكهم في السلطة.
وإذا ما حددنا الأطراف الرئيسية في الأزمة وهم:
1- المؤتمر ممثلاً للثوار، وحكومة الغويل المنبثقة عنه.
2- هيئة دار الإفتاء ونفوذها الملحوظ في الساحة.
3- برلمان طبرق وحكومة الثني المنبثقة عنه.
4- حفتر، مستخدماً البرلمان وحكومة الثني أداة لفرض شروطه (شروط أمريكا).
5- مجموعات مصراتة التي انشقت عن الثوار والتحقت بالصخيرات وهي تدعم حكومة السراج، ومن أجنحتها القوية الإخوان المسلمون المنقلبون على المؤتمر والثوار.
بسبب هذه التركيبة للأطراف المؤثرة في الأزمة ومسارها والعامل الدولي، الذي يشكل الجانب الأكبر في الأزمة ومسارها فقد بقيت الأزمة في المحافل الدولية تتقاذفها الصراعات بين الدول الاستعمارية الكافرة، بين من يدفع بالحل السياسي السلمي وبين من يهدد بالتدخل العسكري، وفرض الحل الذي يريده، ما يقرب من السنة والنصف ولم يحصل توافق على حل بل مؤخراً بدأ الهجوم بالتصريحات الصحفية من قادة الدول الكبرى بعضها على بعض فيما يتعلق بالأزمة الليبية، فقد صرح السفير الأمريكي في إيطاليا بعد اجتماع له برئيس الوزراء الإيطالي (بأن إيطاليا جهزت خمسة آلاف جندي للتدخل في ليبيا)، وفي اليوم نفسه صرح رئيس وزراء إيطاليا نافيا ما جاء على لسان السفير الأمريكي، بل أكد (أنه لن يقوم بغزو ليبيا المستعمرة الإيطالية السابقة، بخمسة آلاف جندي طالما هو رئيس وزراء إيطاليا)، ثم بعدها بأيام هاجم أوباما رئيس وزراء بريطانيا ورئيس فرنسا السابق بأنهما هما سبب الفوضى الحاصلة في ليبيا لأنهما لم ينسقا مع أمريكا.
يضاف إلى ذلك ما كان يقوم به حكام دول الجوار لليبيا من تدخلٍ في الأزمة مما فاقم المشكلة وعقّد المسألة. غير أنه حصل تحولٌ في مسار الأزمة تجاه دعم مسار الصخيرات كَحَلٍ انتقالي للأزمة الليبية ولذلك تم الضغط على الأطراف المحلية للقبول بذلك، ومنعها من استعمال السلاح حالياً في معارضة الحل. هذا ما يظهر من سير الأحداث حتى الآن والأيام والأسابيع القادمة حُبلى بالجديد.
رأيك في الموضوع