أصدر حزب التحرير يوم الجمعة الماضي بيانا حدد فيه موقفه من الهدن التي تجري في الداخل السوري ومن مؤتمر الرياض الذي انعقد الأسبوع الماضي. وقد بيّن ما جرى من هدن بين النظام السوري وبعض الفصائل بقوله: (خرج المئات من مقاتلي المعارضة والمدنيين الأربعاء من حي الوعر، آخر نقاط سيطرتهم في مدينة حمص في وسط سوريا، تنفيذا لاتفاق تم إبرامه الأسبوع الماضي مع ممثلين عن الحكومة بإشراف الأمم المتحدة، وفق ما أكد مراسل لوكالة فرانس برس...). وبيّن ما جرى من مفاوضات في الرياض لإيجاد وفد يقوم بمفاوضة النظام السوري بقوله: (انعقد مؤتمر المعارضة في الرياض لإيجاد "صناعة" وفد يفاوض النظام على حكم انتقالي لدولة مدنية علمانية في الشام عقر دار الإسلام!). وذكر بيان الحزب أهم ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الرياض: ("استجابة لدعوة من حكومة المملكة العربية السعودية، عقدت قوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً موسعاً في مدينة الرياض، اليوم الخميس...، وذلك بهدف توحيد الصفوف، والوصول إلى رؤية مشتركة حول الحل السياسي التفاوضي للقضية السورية بناء على بيان جنيف1... وأعرب المجتمعون عن تمسكهم بوحدة الأراضي السورية، وإيمانهم بمدنية الدولة السورية، كما عبّر المشاركون عن التزامهم بآلية الديمقراطية... وتعهد المجتمعون بالعمل على الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية... واتفق المشاركون على أن هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة تقوم على مبدأ المواطنة، دون أن يكون لبشار الأسد، وأركان ورموز نظامه، مكانٌ فيه، أو في أي ترتيبات سياسية قادمة... وأبدى المجتمعون استعدادهم للدخول في مفاوضات مع ممثلي النظام السوري، وذلك استناداً إلى بيان جنيف1 الصادر بتاريخ 30 حزيران 2012 والقرارات الدولية ذات العلاقة... ويجب أن يغادر بشار الأسد، وأركان ورموز حكمه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية").
وقد بيّن الحزب وجود مخططات خبيثة من وراء الهدن في الداخل السوري ومفاوضات الخارج بقوله: (إن الذي يتدبر مجريات تلك الهدنات وتلك المفاوضات يجد أنها نتاج مخططات خبيثة حاقدة على الشام عقر دار الإسلام، تحوك خيوطها دول الغرب والشرق بزعامة أمريكا الحاقدة على الإسلام والمسلمين، وأن الذي يزودها بتلك الخيوط هم العملاء والأدوات من نظام الطاغية وأعوانه، والحكام العملاء في البلاد المجاورة، وبعض أطياف المعارضة السياسية والعسكرية التي تلبس لبوس المقاومة للطاغية فتهادنه، وتلبس لبوس المعارضة فتفاوضه، وكأن الدماء التي سالت، والحرمات التي انتهكت كانت نسياً منسيا، وأصبحت عندهم أثراً بعد عين لقاء حفنة من مال قذر أو هيكل لكرسي منكسر!).
وبين خطورة الهدنات بقوله: (أما الهدنات فهي تسليم البلاد والعباد للطاغية، ويا ليتها مقابل أن يبقى المهادنون في أماكنهم آمنين بل هي ليرحلوا إلى حيث يتجمعون في مكان محدود ليسهل ضربهم بصنوف الأسلحة من كل حدب وصوب...). وكشف أن تلك الهدنات إنما تصب في صالح النظام، فقال: (إن المهادنات الجارية هي من وسائل النظام لإطالة عمره، وامتداد سلطانه بعد أن انحسر، فتتهيأ بهدوء الظروف لبديله الذي يُصنع في مؤتمر الرياض على عيون أمريكا وأتباعها. ولذلك فقد بارك الرئيس الأمريكي هدنة الوعر ودعا إلى توسيع الهدنات بصورة أكبر)، ووجه الحزب تحذيرا شديدا لمن يشارك في تلك الهدنات، فقال: (إننا نحذر أولئك الراكضين خلف الهدنة، وبخاصة تلك الحركات التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نحذرهم من أن الهدنة هي شرك تجمعهم فيه للقضاء عليهم ناهيك عن إخراجهم بالتدريج من أماكنهم ليتمدد فيها النظام، وننصحهم أن لا يُسلموا أنفسهم وأهليهم للنظام فلا عهد له وقد جربوه أكثر من مرة في نقض عهده كما ذكرنا آنفاً، وكما قال e: «لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» أخرجه البخاري، فكيف فيمن يلدغ مرات؟...!).
وأما بخصوص مؤتمر الرياض فقد بيّن بيان الحزب سبب انعقاده بقوله: (إن إنعام النظر في خلفيات المؤتمر ودواعي انعقاده يتبين أنه بعد أن فشلت أمريكا في جعل صنائعها من ائتلاف وفصائل معتدلة أو معدلة تجد قبولاً من أهل الشام، فتكون العميل البديل التالي للعميل الحالي، عمدت إلى طاغيةٍ في أرضٍ طاهرة ظناً منها أنه يستطيع أن ينجح فيما فشلت فيه لأنه يملك التمويل والتضليل، ولذلك فقد مدح جون كيري المؤتمر: (وفي باريس قال جون كيري "إن المحادثات التي تقودها السعودية لتوحيد صفوف المعارضة السورية حققت تقدما في خطوة هامة على طريق دفع المفاوضات السياسية الرامية إلى إنهاء الصراع السوري.") رويترز عربي، 10/12/2015م، وذلك ظناً من أمريكا أن الملك السعودي لو قال بدولة مدنية وهو يتزيّى بزي المسلمين فإنه يُقبل منه أكثر من أن يُقبل من علوج الكفار المستعمرين، وهذا الظن يُردي أهله، فإن الحق أبلج، ولا يستطيعُ خداعَ أهله كافرٌ أو منافق...).
وقد اعتبر بيان الحزب أن المشاركين في المؤتمر ليسوا هم الرجال الذين يمثّلون أهل الشام فقال: (إن مؤتمر الرياض يحمل فشله معه، سواء أكان ذلك من حيث المجتمعون أم كان من حيث ما يعلنون، فإن رجال الشام ليس هم أولئك المتحلقين في "إنتركونتيننتال" حول المال والضلال... إن رجال الشام هم أسودها الذين تعرفهم الأمة بصدقهم وإخلاصهم، ويعرفونها بأنها لا تعدم الخير إلى يوم القيامة، هم الذين صدعوا ويصدعون بقلوبهم وأفواههم (هي لله هي لله)، إنهم الذين يريدون للشام كما يحب لها الله سبحانه ورسوله e أن تكون: «عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ» أخرجه الطبراني في الكبير عن سلمة بن نفيل... وليس هم المخادعين الذين يقولون بمفاوضة النظام وفي الوقت نفسه يقولون بأن لا مكان لرأس النظام فإن من لا يقبل له مكاناً لا يفاوض نظامه! وليس هم الذين تُملى عليهم (الدولة المدنية العلمانية) فينكسون رؤوسهم بالموافقة في الوقت الذي يزعمون فيه أنهم إسلاميون! وليس هم الذين يقولون بديمقراطية التحليل والتحريم بحكم البشر بدلاً من حكم رب البشر، والله أحكم الحاكمين يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾).
وتوجه إلى المشاركين في ذلك المؤتمر بقوله: (فإنكم لا شك تعلمون أن المفاوضة مع النظام هي خيانة بعد كل ما صنعه من جرائم طالت البشر والشجر والحجر، وتعلمون أيضاً أن المناداة بالدولة المدنية العلمانية جريمة فأنتم مسلمون، والإسلام يفرض الحكم بما أنزل الله، ونظام الحكم في الإسلام هو الخلافة الراشدة، وهو قادم بإذن الله بسواعد المؤمنين حيث وعدُ الله سبحانه وبشرى رسوله e... فعودوا إلى رشدكم والرجوع إلى الحق فضيلة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهل منكم رجل رشيد يصدع برفض الهدنة مع النظام ورفض مؤتمر التفاوض المخزي المذل، فهل منكم؟ هل؟ ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾...).
ووجه الحزب في بيانه دعوة للمخلصين في الشام إلى الثبات فقال: (أما أنتم أيها المخلصون الصادقون في أرض الشام، فلا تيأسوا من رحمة الله... واثبتوا على الحق الذي أنتم عليه، فإن للباطل جولة وللحق جولات، وثورتكم هي بحق كاشفة فاضحة، فقد كشفت المتآمرين وفضحت المنافقين، وأصبحوا كلُّهم في العراء سواء، فلا ينخدع بهم إلا غافل ولا يأمن مكرهم إلا جاهل).
وختم الحزب بيانه بقوله: (إن حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله يصل ليله بنهاره عاملاً معكم وبكم لإحباط مخططات أعداء الإسلام والمسلمين، ولاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، فانصروه وآزروه لنشهد بزوغ فجر الخلافة معاً ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾).
رأيك في الموضوع