في تصريح يؤكد المؤكد، ويقدم شهادةَ شاهدٍ من أهلها، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في مقابلة مع القناة العبرية الثانية: "سأقول أمورا قد تغضب رئيسي (محمود عباس).. أنا أعتقد أن الرئيس الحقيقي للفلسطينيين هو وزير الجيش (الإسرائيلي) أفيغدور ليبرمان، أما رئيس الوزراء الفلسطيني فهو المنسق بولي مردخاي". ورجح عريقات أن تختفي السلطة الفلسطينية برمتها قريبا وألا يكون لها أمل في الحياة. وذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس "لا يمكنه التحرك من رام الله دون إذن من مردخاي وليبرمان". (روسيا اليوم)
فهل بعد هذه التصريحات بقي لشخص من عذر أو ذريعة ليتحدث عن مشروع (وطني)؟! أو يسوق لفكرة بناء دولة فلسطينية، ورأس هرمها لا يملك من أمره شيئاً؟! وهل يمكن للمحتل أن يمّن على (أعدائه!) بكيان أو دويلة تسبب له مجرد إزعاج علاوة على أن تتخذه عدوا أو تقوض وجوده واحتلاله؟!
إن إنشاء السلطة كان قراراً دولياً ومخططاً استعمارياً لا ثمرة كفاح ونضال كما يسوق لها أصحابها، ولم يكن هدف إنشائها إعلان الحرب على كيان يهود بل كان لترسيخ احتلال معظم فلسطين وحماية أمنه، ولم يكن تطلع السلطة يوما إلى الوصول إلى التحرير الكامل والشامل للأرض المباركة، بل تطلعها كان دائما للتعايش مع المحتل وتسويق التطبيع معه وجعله جسماً مقبولا في المنطقة!
وهذا الهدف والغاية هو امتداد لسبب وجود وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، حاضنة السلطة، المتمثل بالاعتراف بكيان يهود وإضفاء الشرعية على احتلاله لفلسطين.
إن معرفة الهدف والغاية من إنشاء السلطة حتماً سيوصل إلى هذه الحقيقة التي أفصح عنها عريقات، وهي ارتباط السلطة بكيان يهود ارتباطاً وظيفياً وسببياً، فوجود السلطة منذ يومها الأول، كان مرتبطا بوجود كيان يهود وبزواله تزول ولا يبقى لها أثر أو فاعلية، لذلك يسعى قادة السلطة دوماً إلى تسويق مشروع حل الدولتين بعرض المزايا التي يقدمها هذا الحل للمحتل من حفظ أمنه وتطبيع العالم الإسلامي معه وشراكته فيما يسمى بمحاربة (الإرهاب)، وتجنيبه "الحروب الدينية" التي تمثل تهديداً لهذا الكيان!
ولأجل تحقيق هذا الهدف والغاية قدمت الدول الغربية (أمريكا والدول الأوروبية) المسماة بالدول المانحة أموالها لدعم السلطة وبناء أجهزتها الأمنية وبناء شخصية "الفلسطيني الجديد" الذي يقبل المحتل وينحاز له ويرى عكا وصفد وعسقلان وتل الربيع وغربي القدس مدناً ليهود، ويحارب كل من يقاوم المحتل فيقمعه ويسجنه حتى لو كان ابنه أو أخاه!
ولهذا الهدف والغاية يحرص كيان يهود على عدم انهيار السلطة، ولا تزالأمريكاتقدم لها الأموال رغم ادعائهم الخلاف معها.
وفي هذا السياق صرح مسؤول فلسطيني رفيع لصحيفة الحياة اللندنية في كانون الثاني/يناير الماضي قائلا إن "انهيار السلطة ليس مصلحة (إسرائيلية) ولا أمريكية"، ومؤكداً أن "السلطة تتولى الخدمات التي كان على (إسرائيل) القيام بها، كما تتولى حفظ الأمن. وفي حال انهيارها، فإن على (إسرائيل) أن تتولى الخدمات بصفتها دولة الاحتلال". وهو ما دأب على تأكيده رئيس السلطة عندما يصف احتلال فلسطين بأرخص احتلال في العالم! وما ذلك إلا بسبب السلطة التي تتولى أعباء الاحتلال وتحفظ أمنه بينما لا تملك من السيادة شيئا يذكر بل هي كما يصرح عباس دوماً سلطة بلا سلطة!!
وهنا يظهر السؤال... هل هذا الواقع مستجد أم هو واقع السلطة منذ نشوئها؟ وهل هذه التصريحات مردها إدراك متأخر من عريقات لحقيقة السلطة أم وراء الأكمة ما وراءها؟!
الحقيقة أن هذا هو واقع السلطة منذ يومها الأول، وهو ما لا يغفله عريقات وأمثاله، وما الوقائع الجارية والتصريحات الحالية إلا كاشفة فاضحة، حتى تلك الدويلة التي يحلم بها هؤلاء، على فرض تطبيق حل الدولتين، لن تكون إلا صورة مكبرة عن هذه السلطة، منزوعة السلاح إلا من قوة شرطية تقمع أهل فلسطين وتوفر الأمن للمحتلين، لذلك فتصريحات عريقات ليست اكتشافاً أو إدراكاً متأخراً أو صحوة مشاعر إنسانية، بل هي مجرد تأكيد للمؤكد وشهادة موثقة من قادة السلطة ورموزها على مدى هوانها وارتباطها بالمحتل.
أما ما وراء هذه التصريحات سياسياً، فهي تأتي في سياق الضغط الأمريكي الواضح للقبول بصفقة القرن، حيث إن أمريكا باتت تتعامل مع رئيس السلطة كمرحلة منتهية، وتُعِدّ الإجراءات اللازمة لذلك، وتعبّد الطريق أمام صفقتها المشؤومة التي اقترب الإعلان عنها، ولعل مساعي النظام المصري العميل لأمريكا الذي استضاف وفداً من حركة حماس على مدى ثلاثة أسابيع، ونظم لقاءات له مع تيار دحلان، مؤشر على ذلك.
وإزاء افتضاح الحقيقة، وشهادة أمين سر منظمة التحرير وكبير مفاوضيها، فإن أهل فلسطين مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعلاء الصوت بأن منظمة التحرير ووليدتها السلطة لا تمثل أهل فلسطين الأحرار، ولا تمثل تطلعاتهم، وهي ليست منا ولسنا منها ولم يكن وجودها يوما مصلحة لأهل فلسطين، علاوة على كونها خرجت من رحم اتفاقيات باطلة، فمن يمثل أهل فلسطين لا يمكن أن يكون رهن أوامر ليبرمان أو تصريح مردخاي بل هم أولئك المتطلعون نحو عزها من جديد وتحريرها كاملة وتطهير مسجدها من رجس يهود لتعود فلسطين درة التاج وتكون عقر دار المسلمين.
رأيك في الموضوع