صدر في الكويت في السادس من أيار/مايو 2017، بعد موافقة مجلس الأمة، قانون بالموافقة على اتفاقية بين حكومة دولة الكويت ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن عبور قوات وأفراد الناتو. وقد جاء ضمن القانون في مادته الأولى، ولأغراض الاتفاقية المذكورة أن "العملية تعني الدعم، التنفيذ، الإعداد، المشاركة، والإنجاز من قبل حلف الناتو وقواته وأفراده ومقاوليه الذين يعملون لتعزيز المهام التي تأتي بتوجيهات من مجلس حلف شمال الأطلسي وتأتي تحت قيادة الحلف وسيطرته والتي تتم مباشرتها خارج إقليم دولة الكويت وتستلزم المرور عبر أراضي دولة الكويت". وجاء أيضاً "العبور: ويعني التحركات البرية أو البحرية أو الجوية عبر إقليم دولة الكويت ويشمل ذلك نقاط الدخول والخروج والإجراءات الخاصة بذلك ونقاط التوقف على طول طريق العبور كما يشمل التواجد لأي من أفراد الناتو ومقاوليه ومعداته أو بضائعه ومواده وأسلحته وذخيرته ومتفجراته وآلياته وسفنه وطائراته أو المنشآت التي يجب تركها مؤقتا في أماكنها وفقا لمتطلبات عملية العبور أو التوصيل المناسب للشحنات".
وجاء في المادة الرابعة "ينبغي على سلطات دولة الكويت، بدون أن يتحمل حلف الناتو أي تكاليف أو أعباء أو رسوم، اتخاذ الإجراءات الضرورية لأمن وحماية حلف الناتو وقواته وأفراده ومقاوليه بما في ذلك أي طائرات أو سفن قد تكون متواجدة في إقليم دولة الكويت، وكذلك كافة الخدمات المادية اللازمة للعملية أثناء العبور".
وجاء في المادة السادسة "تمنح قوات وأفراد ومقاولو حلف الناتو الامتيازات والحصانات والتسهيلات التي تمنحها دولة الكويت للأفراد الإداريين والفنيين وفقاً للمادة 37.2 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية". (جريدة الأنباء الكويتية 7 أيار/مايو 2017).
وقد ذكر أمين عام الناتو "ينس شتولتنبرغ" أن هذه الاتفاقية تهدف إلى "تحويل جميع نشاطات الناتو في المنطقة إلى نشاطات أكثر فعالية".
وجدير بالذكر أن الاتفاقية المذكورة تأتي ضمن سياق مبادرة إسطنبول للتعاون، والتي تم إطلاقها في العاصمة التركية في حزيران/يونيو عام 2004، وانضمت لها الكويت في بدايات عام 2005، وتهدف المبادرة "إلى المساهمة في الأمن على المدى الطويل سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي من خلال عرض تعاون عملي في مجال الأمن بين دول "الشرق الأوسط الموسع" والناتو"(من الموقع الرسمي للناتو).
هذا وقد تم في وقت سابق (24 كانون الثاني/يناير 2017) افتتاح المركز الإقليمي لمنظمة الناتو ومبادرة إسطنبول للتعاون في الكويت. وأكد في حينها أمين عام الناتو (ينس شتولتنبرغ) "زيادة الشراكة من خلال المركز والتي تمثل أهمية كبرى للحلف"، وشدد على أن "أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مرتبط مباشرة بأمن الدول الأعضاء في الحلف"!
وبالمناسبة، فقد تنبّه حزب التحرير لمسعى التحالف مع الناتو في بداياته وحذر من خطورته، ومن ذلك ما ورد في إصدار للحزب في الكويت بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر 2003 بعد تصريح وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" بأن أمريكا بصدد اعتبار الكويت حليفاً رئيسياً خارج الناتو، حيث قال الحزب في حينه "فإذا أصبحت الكويت حليفاً رئيسياً لأمريكا - لا سمح الله - صارت هذه الهيمنة غير معلومة الأمد. ومن السخرية أن تموّل هذه الهيمنة العسكرية بأموال المسلمين، فمنهم الجنود والعتاد ومنّا المال والإسناد، بدعوى أن هذا الوجود العسكري يحقق مصالح مشتركة للبلدين. هذا هو واقع رفع رتبة الكويت إلى حليف، وهو أن يكون الوجـود العسـكري الأمريكي في البلد وجـوداً اسـتراتيجـيـاً، فحجم هذا الوجود ونوعهُ ومدتهُ، تحـدده الخطط الأمريكية الاستراتيجية للمنطقة فقط".
وهكذا، ويوماً بعد يوم، يزداد تسخير هذا الجزء العزيز من بلاد المسلمين لتنفيذ مصالح أمريكا وحلفائها من دول الكفر، وتركيز هيمنتهم على بلاد المسلمين. فلم تعد تكفي تلك الاتفاقيات الأمنية المشؤومة الموقّعة مع أمريكا وبريطانيا، بل زادت عليها اتفاقية عبور وحصانة لمنظمة تحالف الشر؛ الناتو! ومما يزيدنا حسرة وعجباً هو أن تمر هذه المصائب مرور الكرام (أقر مجلس الأمة الاتفاقية ضمن 11 اتفاقية في جلسة واحدة بموافقة 46 عضواً ورفض عضو واحد!). أما الرأي العام، فقد انشغل بقضية نفوق الأسماك وفضائح رشاوى الرياضة، ولم يعر أدنى اهتمام لهذا الأمر الجلل واتفاقية الشؤم هذه مع الناتو! فإن كان أمر أمريكا وحلفائها والناتو وعداؤهم للإسلام والمسلمين خافياً علينا فتلك مصيبة، وإن كان أمرهم معلوماً فتلك والله قاصمة الظهر!
إن حلف الناتو منظمة عسكرية وأمنية تستخدمها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا لتنفيذ مشاريعها في المنطقة. وكما هو واضح للعيان، فإن دول الكفر قد أجلبت بخيلها وَرَجَلِهَا إلى بلاد المسلمين، وها هي طائراتها المقاتلة تجوب سماء بلاد المسلمين ليلاً ونهاراً تلقي بحممها على البشر والشجر والحجر! ولم يعد خافياً كذب وسخف شعار (الإرهاب) الذي ترفعه أمريكا وحلفاؤها للتغطية على حقيقة حربهم على الإسلام والمسلمين. ولم يعد خافياً كذلك تململ شعوب المنطقة وتطلّعها وتوجهها العملي نحو التحرر من ربقة النفوذ الغربي الاستعماري. فالصراع يزداد وضوحا وحدّة يوماً بعد يوم؛ جوهره صراع كفر وإسلام. صراع تستخدم فيه أمريكا شتى الوسائل والأساليب لإجهاض وإخماد حركة المسلمين، وها هي اليوم تعبر بالناتو من شمال الأطلسي إلى الشرق الأوسط ليكون على أهبة الاستعداد للضرب والقتل والتدمير!
فلماذا نقبل أن تكون الكويت وغيرها من بلاد المسلمين مسخّرةً لتنفيذ مشاريع دول الكفر وعلى رأسها أمريكا؟!
إن استخدام أمريكا وغيرها من دول الكفر بلاد المسملين قواعد عسكرية ومعابر للانطلاق لضرب المسلمين وقصفهم وترويعهم، منكر عظيم، قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، وقال عز من قائل: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء﴾.
هكذا منكرات يجب أن تهز كيان المسلم، وألا تمر عليه وكأنها ذبابة على أنفه يهشها هكذا!
هكذا منكرات يجب أن تواجه بالرفض والمطالبة العاجلة بإلغاء الاتفاقيات الجديدة مع الناتو وجميع التحالفات الأمنية والعسكرية مع الدول الكبرى.
بقلم: م. أسامة الثويني– الكويت
رأيك في الموضوع