تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب"، مقارنة بين حال المشافي في أوروبا وبينها في دولة الخلافة: "ومن أفضل المستشفيات التي أنشئت بادئ ذي بدء في بلاد الفرنجة، كانت مستشفيات أوتيل ديو.
كان ثمّة قَشٌ كثير موضوعٌ على الأرض تَزاحمَ عليه المرضى، وأقدامُ بعضِهم إلى جانب رؤوس الآخرين. الأطفال قربَ الشيوخ، والرجالُ بجانب النساء بشكل يدعو إلى العجب، ولكنه كان حقيقيا.
وأما كمية الطعام فهي ضئيلة جدا... كان المبنى الذي يضمّ المرضى يزدحم بأخطر الحشرات، أضفْ إلى ذلك، فسادَ الهواء في الداخل لدرجة لا تُطاق ولا تحتمل، حتى إن المولجين بالأمر، كانوا، إذا دخلوا القاعات، ستروا أنوفهم وأفواههم بإسفنجة مبللة خلّاً، وكانت جثث الموتى من المرضى تُترك مدة أربع وعشرين ساعة، وفي الغالب أكثر، قبل أن تُنقَل، فيُضطرّ المرضى الآخرون، خلال ذلك الوقت، أن يُشاطِروا الجثثَ هذا المكانَ...".
وفي المقابل وعن حال مستشفيات الخلافة، أرفقت نص رسالة من مريض فرنسي في قرطبة إلى أبيه في فرنسا، يقول فيها: "أبتِ الحبيب، تسألني إن كنتُ بحاجة إلى نقود، فأخبرك بأني عندما أخرج من المستشفى، سأحصل على لباس جديد وخمس قطع ذهبية، حتى لا أضطر إلى العمل حال خروجي مباشرة فلستَ بحاجة إذن إلى أن تبيع بعض ماشيتك، ولكن عليك بالإسراع في المجيء إذا أردتَ أن تلقاني هنا. إني الآن في قسم جراحة العظام بقرب قاعة الجراحة. وعندما تدخل من البوابة الكبيرة تعبر القاعة الخارجية الجنوبية، وهي مركز "البوليكلنيك" حيث أخذوني بعد سقوطي، وحيث يذهب كل مريض لكي يعاينه الأطباءُ المساعدون وطلّاب الطب. ومن لا يحتاج منهم إلى معالجة دائمة في المستشفى تعطى له وصفته، فيحصل بموجبها على الدواء من صيدلية الدار.
أما أنا فقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة، وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم حملني ممرّضٌ إلى قسم الرجال، فحمّمني حمّاما ساخنا، وألبسني ثيابا نظيفة من المستشفى، وحينما تصل ترى إلى يسارك مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة حيث يُحاضِر الرئيسُ في الطلاب. وإذا ما نظرتَ وراءك يقع نظرُك على مَمَرّ يؤدي إلى قسم النساء، لذلك عليك أن تظل سائرا نحو اليمين، فتمرّ بالقسم الداخلي والقسم الجراحي مرورا عابرا. فإذا سمعتَ موسيقى أو غناءً ينبعثان من قاعةٍ ما فادخُلْها، وانظر بداخلها، فلربما كنتُ أنا هناك في قاعة النُقّه حيث تُشنّف آذانَنا الموسيقى الجميلةُ، ونُمضي الوقتَ بالمُطالعة المفيدة. واليومَ صباحا جاء ـ كالعادة ـ رئيسُ الأطباء مع رهْطٍ كبير من مُعاونيه. ولما فحصني أملى على طبيبِ القسم شيئا لم أفهمه. وبعد ذهابه أوضح لي الطبيبُ أنه بإمكاني النهوضُ صباحا، وبوسعي الخروج قريبا من المستشفى صحيح الجسم معافى. وإني ـ واللهِ ـ لكاره هذا الأمر! فكل شيء هنا جميل للغاية ونظيف جدا: الأسرّة وثيرة، وأغطيتُها من الدِّمَقْس الأبيض، والمُلاء بغاية النعومة والبياضِ كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المستشفى تجد الماء جاريا فيها على أشهى ما يكون. وفي الليالي القارسة تُدفأ كلُّ الغرف. وأما الطعامُ فحدّثْ ولا حرَج، فهناك الدجاج أو لحمُ الماشية يقدّم يوميا لكل من بوُسعه أن يهضمه... لذلك تعال يا أبتِ وأسرعْ بالمجيء قبل أن تُحمّرَ دَجاجتي الأخيرةُ".
رأيك في الموضوع