نشرت جريدة أنباء تونس الإلكترونية بتاريخ 15/5/2018 مقالة للكاتب التونسي أحمد الحباسي تحت عنوان: "أين اختفى حزب التحرير؟".. وقد تضمن هذا المقال مجموعة من التناقضات والمغالطات والاتهامات، وتضمن كذلك مجموعة من التحريضات العلنية ضد الحزب وأعماله... وقبل أن نذكر بعضا من هذه الأمور التي ذكرها الكاتب نقول: إن طريقة الكاتب في عرض الأمور - مما ذكر - طريقة هابطة فكريا، لا ترتقي إلى المستوى الراقي في الدلالة، وسرد الحقائق والبراهين.. ولا حتى في المحاكمة الفكرية الموضوعية، ولا في طريقة البحث العلمي الصحيحة، ولا إلى مستوى التقارير الصحفية النزيهة الحيادية؛ التي تقف على الحقائق من مصادرها ومظانها المعتبرة!
والحقيقة أنه لا يمكننا أن نقف على كل التناقضات والمغالطات التي جاءت في المقالة في هذه العجالة.. ولكن يكفي إظهار بعض الأمور لنحكم على كامل المقالة بأنها قد جانبت الصواب جملة وتفصيلا...
فمن التناقضات البينة الواضحة: أن الكاتب يسأل نفسه ويسأل القارئ: أين اختفى حزب التحرير؟ ثم يقول: هناك من يريد التعتيم على حزب التحرير؛ والسبب مجهول سياسيا وأمنيا. ثم يعاود فيقول: السبب في نظر المحللين أن هناك أمر خطير تريده الجماعات المتطرفة - مثل حزب التحرير -؛ لأن الوضع الأمني هش، وهناك إرهاصات ثورية جديدة. ثم يعاود السؤال مرة أخرى: أين اختفى حزب التحرير؟؟ لماذا لم يعد له زخم كما كان في بدايات الثورة؟؟ ويسأل فيقول: هل هناك تفاهم بين حزب نداء تونس وبين الحزب؟؟ لماذا وكيف حلت الأزمة بين الحزب وبين الحكومة عندما هددت الحكومة بمنع الحزب؟؟
ويناقض الكاتب نفسه في نقض كل ما ادعاه من تفاهمات بين الحزب وبين الحكومة فيقول: لا يمكن لهيبة الدولة أن تضعف إلى هذا الحد، وتترك الأمور لكل فاسد أو خائن أو عميل، أو مجرم باسم الدين. ثم يتهم الحزب بالارتباط بأحزاب أجنبية مشبوهة تريد تدمير المؤسسات. فينسف كل ما قاله عن التفاهمات بين الحزب والحكومة وبين الحزب وبين نداء تونس!
وقد ساق الكاتب أيضا مجموعة من المغالطات بحق الحزب؛ لا هي من فكره ولا هي من عمله، حتى إن بعضا منها يخالف الواقع السياسي على الأرض؛ مثل اتهام الحزب بأن له علاقة مع الإخوان المسلمين أو حركة النهضة أو الحركات التي يسميها هو بالتكفيرية.. ويقول: بأن فكر الجميع واحد. حتى في التفاصيل الصغيرة. ثم يرجع عن ادعائه فيقول: الحزب الوحيد الذي يتحدث عن الأمة والخلافة بمفهوم جميع الأمة!
ومن المغالطات الفكرية التي ساقها الكاتب أنه يقول: مطلب الخلافة عند الحزب: هي العقيدة التي لها الأولوية على جميع جوانب العقيدة، وعودة الخلافة ليست شعارا بل عقيدة. وهذا يخالف كل المخالفة أبجديات الحزب في اعتبار الخلافة من الأحكام الشرعية العملية، وليست من العقيدة؛ فهي كما يعرفها الحزب في أكثر من كتاب (بأنها رئاسة عامة للمسلمين لإقامة الدين)... ومن مغالطاته القول: إن رهن مصير الشعوب بالخلافة هو حرث في البحر... ولا يمكن أن يتحقق؛ والسبب عند الكاتب (أن الإسلام دين علم وعمل)، وليس مستبدا رافضا للتعايش مع الأفكار والأديان الأخرى... ولا نرى أن هناك أي تناقض أو عدم انسجام بين الخلافة كرئاسة عامة عملية لكل شئون الحياة، وبين كون الإسلام دين عمل وعلم. وما هي العلاقة بين الخلافة وبين عملية الرفض للغير هنا؟ وما هو المقصود بالغير هل هم اليهود المغتصبون للأرض المباركة فلسطين مثلا، أم هي أمريكا الصليبية؟ أم يقصد بالغير مثلا أبناء تونس الذين يحبون الإسلام وحكم الإسلام والخلافة؟!
وحاول الكاتب في أكثر من موضع في المقالة اتهام الحزب باتهامات؛ لا يقبلها لا الواقع ولا العقل السليم المفكر ولم يقل بها أحد من قبل؛ لا أجهزة الدولة ولا الأحزاب السياسية في تونس وخارجها.. ومن هذه الاتهامات: أن الحزب يعمل مع نقابة التعليم؛ لأن نقابة التعليم حملت على وزير التربية السابق والحالي. ولم يبين كيف ولا متى، ولا أين عمل الحزب مع نقابة التعليم ضد وزير التربية. واتهم الحزب أيضا فقال: إن حزب التحرير المرتبط بأحزاب أجنبية إرهابية مشبوهة من نفس النمط والتوجه؛ قادر في الوقت المناسب على ضرب مؤسسات الدولة، وإنهاك كيانها بعمليات جراحية عسكرية إرهابية؛ تدرب عليها أفراده في مخيمات وتجمعات باتت معروفة للمخابرات الداخلية والخارجية... ثم يقول: وهذا الأمر يجرنا للتساؤل حول مصادر التمويل والبحث حول من يقفون حول الفكر المدمر.. فأي مخابرات يقصد هذا الكاتب، ومن أية جهة استقى هذه المعلومات؟!
ويحاول الكاتب تحريض القضاء وأجهزة الدولة على نشاط الحزب فيقول: لا يمكن لهيبة الدولة أن تضعف إلى هذا الحد الذي تترك فيه الحبل على الغارب لكل فاسد أو خائن أو عميل باسم الدين!! ويحرض القضاء على الحزب فيقول: ونحن في دولة القانون والمؤسسات. لماذا تخلى القضاء عن دوره في مقاضاته هذا الحزب الخارج على قانون الطبيعة البشرية، وعلى النمط الإسلامي التونسي المعتدل؟ وأين تحريات المباحث في خصوص ما يحف بهذا الحزب من أسرار وخفايا؛ ندرك بالفطنة أنها مرعبة تمس أمن الدولة وحسها الاجتماعي والثقافي... وقد ذكر أن التحريات عند المخابرات الداخلية والخارجية معروفة ثم يدعو إلى التحريات حول الحزب... فما هذا التناقض؟!
ثم يختم مقالته فيقول: إن ما تعيشه تونس من أزمات؛ تجعلها في غنى تام عن أزمات مدمرة تستهدف الوطن... وعلى جميع الضمائر الحية طرح الأسئلة حول هذا الحزب، والعمل على مواجهة مشروعه العنيف بكل الطرق السياسية والثقافية.
إننا نقول لهذا الكاتب ولأمثاله ممن يثيرون التهم الباطلة للحزب ولفكره وطريقته:
1- إن حزب التحرير أوضح من نار على علم، ومن الشمس الوضاءة في كبد السماء... فإذا أردت أن تنصف الحزب في كتابتك؛ فعليك الرجوع إلى كتب الحزب المعتبرة، ونشراته ومكاتبه الإعلامية المنتشرة على الصفحات الإلكترونية، بدل هذا التخبط والاتهام الخالي من أي دليل. وهناك مقر للحزب داخل تونس، وأتباع ومؤيدون للحزب في كل أرجاء تونس. فإنك تستطيع معرفة الحقائق عن الحزب، بدل الوقوع في مثل هذه التناقضات؛ التي لا ترتقي إلى حد الفكر ولا إلى مستوى البحث العلمي والصحفي...
2- إنك تتساءل أين اختفى حزب التحرير، وكأن الحزب مختفٍ بالفعل عن الساحة السياسية في تونس، ولا يقوم بأعمال كثيرة ومتعددة؛ سياسية وفكرية وندوات ونشرات وإصدارات، وغير ذلك... حتى إن أجهزة الدولة نفسها تعرف هذه الحقيقة، وتعرفها كل الأحزاب والصحافة في تونس... فنحن نستغرب هذا السؤال الغريب!!
3- إن دفاعك عن سياسات الدولة لا ندري هل هو من باب المحافظة على بقاء الأمور كما هي عليه؛ من الظلم والتسلط والفقر والتردي والسرقات لثروة البلد، أم هي من باب خوفك من انزلاق تونس إلى الفوضى؟ فإذا كنت تريد بقاء الأمور على ما هي عليه؛ فتلك طامة كبرى؛ لأنك حينئذ تقبل ببقاء الظلم والفقر والتسلط والكبت السياسي، والتردي إلى أسوأ مستوى تعيشه تونس، وهذا بشهادة كل الكتاب المنصفين والأحزاب السياسية داخل تونس، ولا يخالف هذا الأمر إلا أحد اثنين؛ إما بعض أجهزة الدولة، أو البعض ممن يناصر الدولة وأجهزتها على ظلمها..
4- لقد سبقك بهذا الأمر كتاب - وإن كانوا لم يهبطوا لهذا المستوى في طريقة البحث - حاولوا الزج بالحزب وعمله ضمن دائرة العنف أو العمل العسكري، أو الارتباط بالصهيونية، أو الدول الكافرة أو غير ذلك من اتهامات باطلة... لكن بفضل الله فإن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل ولم يصدقها أحد، وكثير منهم قد عدلوا عن هذا الاتهام إلى أمر آخر؛ وهو الإرهاب الفكري كما زعموا، لأنهم لم يجدوا أي شيء يسند قولهم.
وفي الختام نقول لك ولأمثالك ممن يحاولون تشويه سمعة الحزب في نظر الشعوب: إن الشعوب اليوم واعية وتستطيع أن تحاكم الأمور، وتحكم على الأحزاب والأشخاص. وهي تعرف واقع فساد الدولة، والمستوى المتردي الذي وصلت إليه، وإنها تنادي بأعلى صوتها بالخلافة الراشدة، وتحتضن حزب التحرير وفكرته حتى أصبحت رأيا عاما داخل تونس وجميع بلاد المسلمين. أما من يحاولون إيقاف حركة الحزب أو التأثير عليه؛ بالاتهام المجرد من أي دليل فكري أو حسي؛ فإنهم كمن ينفخ على الشمس ليطفئها، أو يحاول إيقاف أمواج البحار أو حركة الهواء. وإن محاولاتهم هذه هي كقول الشاعر: لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ ** ما كان يُعرف طيبُ عَرْفِ العودِ. وإن فكرة حزب التحرير وهدفه سيصبحان قريبا واقعاً مجسدا على أرض تونس بعد أن أصبح رأيا عاما كاسحا؛ لتكون منارة كل المسلمين كما كانت من قبل؛ لتنطلق جيوش الإسلام من القيروان إلى طنجة، إلى كل دول الشمال الإفريقي، إلى الأندلس. وترفع راية الإسلام كما كانت من قبل؛ في عهد عقبة بن نافع وموسى بن نصير وغيرهما من قادة عظام.
فنسأله تعالى أن يصرف عن هذا الحزب التقي النقي كل محاولات التشويه والتحريف والتخريف، وأن يكرمه عما قريب بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع