في خطابه الشهير الذي ألقاه رئيس وزراء أستراليا توني أبوت بتاريخ 01/02/2015م أمام نادي الصحافة الوطني في كانبيرا، أشار إلى أنه عازم على استهداف حزب التحرير بوصفه حزباً يطرح أفكاراً تهيئ الأجواء لانخراط البعض في العنف والإرهاب، أو تُبرر له.
ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أبوت وغيره من السياسيين ويتوعدون بوضع ملف حزب التحرير على الطاولة. فمنذ عام 2005 وحتى اليوم، أثير موضوع حزب التحرير واستهدافه أو حظره عدة مرات ومن قبل حكومات مختلفة، بل وحتى من قبل حكومات الولايات في أستراليا.
وخلال السنوات الماضية لفت نشاط حزب التحرير الفكري والسياسي نظر الإعلام حتى جاء عام 2014 وتميز بنشاط كبير ولافت لشباب حزب التحرير في أستراليا.. وفي هذا العام، أصبح توني أبوت رئيسا للوزراء، وأخذ الإعلام بتذكيره بالوفاء بالتزامه بحظر حزب التحرير. وحاول التملص بحجة أن القوانين الحالية لا تسمح له ذلك، لكنه وعد باستحداث قوانين جديدة تمكنه من استهداف الحزب لاحقاً.
هذا العام أيضا كان عام استهداف شخصيات من الحزب من قبل الإعلام الصهيوني، لإثارة الشكوك حول الحزب والخوف منه.
لم يقف حزب التحرير متفرجا على ما يخطط له، بل قام بأعمال سياسية من الطراز الأول لإفشال ذلك أو التخفيف من حدته، فقام بعدة مقابلات إعلامية كشفت كذب المزاعم ضد الحزب وفندت المخاوف المثارة، وعقد مؤتمرا صحفياً حاشداً، وجه الدعوة إليه لمئات من السياسيين والبرلمانيين ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، بالإضافة إلى الإعلاميين وأبناء الجالية الإسلامية، للغرض نفسه. كما تحرك الحزب باتجاه الجالية الإسلامية، فكان له ما أراد، حيث صدرت وثيقة سياسية جريئة هاجمت سياسات الدولة تجاه المسملين عامة وتجاه الحزب خاصة، وقع عليها أكثر من مئة بين شخصية قيادية أو اعتبارية، مؤكدة أن الحزب لا يشكل أي خطر أمني، وقد كان موقف المفتي العام للقارة الأسترالية والذي انطلق فيه من نفس المنظومة القيمية والفكرية في أستراليا رافضاً فيه حظر الحزب، مما عرّضه لانتقاد رئيس الوزراء والإعلام الأسترالي، مما ولد بالتالي غضبا عارما واستياءً في الجالية الإسلامية، وكشف أن المؤسسة الأسترالية لا تقبل رأياً آخراً أبداً إن خالف رأيها.
يوم الجمعة 20/02/2015 وفي مقابلة متلفزة مع المدعي العام الأسترالي جورج براندس، وأثناء وجوده لحضور مؤتمر مكافحة التطرف في أمريكا، صرّح فيها بأن حكومته عازمة على مواجهة حزب التحرير واتخاذ إجراءات ضده، وأشار إلى النموذج الألماني في التعامل مع الحزب.
أستراليا على موعد مع خطابين لرئيس الوزراء، أحدهما يوم الاثنين 23/02/2015 أمام البرلمان، والآخر يوم الجمعة 28/02/2015، يترقب الجميع ما سيطرحه رئيس الوزراء فيهما من قوانين جديدة يمكن من خلالها استهداف حزب التحرير.
حجج الحكومة الأسترالية لاستهدافها لحزب التحرير
ذكر رئيس الوزراء الأسترالي أربع حجج تبرر استهداف حزب التحرير. أولاً، الأفكار المتطرفة عند الحزب. ثانيا، أن الحزب يبرر ما سماه الإرهاب. المسألة الثالثة، أن الحزب يدفع الشباب للانضمام إلى تنظيم الدولة. أما الأمر الرابع، فهو أن الحزب محظور في كثير من أنحاء العالم.
ولإلقاء الضوء على تلك الحجج أو دحضها، لا بد من الإشارة أولاً إلى استراتيجية الدول الغربية عامة ومنها أستراليا تجاه المسلمين فيها، وكيف أنهم يعتبرون أن الحزب هو عامل أساسي في إفشال تلك الاستراتيجيات.
لا تنفصل استراتيجية الغرب تجاه المسلمين الذين يعيشون بداخله عن استراتيجيته تجاه الأمة الإسلامية بأسرها، والهادفة إلى إبقائهم بعيدين عن الإسلام بوصفه عقيدة ينبثق عنها نظام حياة، تتمثل ثمرته العملية بأن يعيش المسلمون في بلادهم في ظل شريعتهم وفي ظل دولتهم الواحدة، وبالتالي قطع يد المستعمر الكافر التي تعبث بهم وبأمنهم ومقدراتهم وببلادهم.
أما بالنسبة للمسلمين في الغرب، فقد كان الغرب يتمنى أن ينصهر المسلمون في بوتقته انصهارا تاما، لكن ما إن بدأت بوادر الصحوة الإسلامية وبالذات في سبعينات القرن الماضي، حتى تراجعت أحلام الغرب إلى مجرد اندماج المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها، وشكل لذلك وزارات وسياسات وبذل أموالاً، وقد طمح الغرب هنا في أن يتمكن من صناعة إسلام غربي، تمكنه من تحقيق ذلك، فبدأ الحديث عن الإسلام المعتدل يطفو على السطح بشكل كبير، وعن حوار الحضارات والمجتمع المتعدد الحضارات والعيش المشترك وحوار الأديان.
لكن تصاعد الوعي الفكري والسياسي عند المسلمين من جهة، وجرائم الغرب البشعة في بلاد المسلمين، وسهولة التواصل الإعلامي للاطلاع على تلك الجرائم، وبروز مظاهر التمييز العنصري في الشارع الغربي ضد المسلمين المتولدين في الغرب من جهة أخرى، كل ذلك بدأ يُضعف أمل الغرب في تحقيق مبتغاه من صناعة مسلمين غربيين مفصولين عن أمتهم وقضاياها من جهة، وموالين للغرب من جهة أخرى، ويتخذون القاعدة الفكرية الغربية القائمة على النفعية مرتكزا لأفعالهم وتصرفاتهم.
هنا برزت إشكالية الغرب مع حزب التحرير، ومع أن الحزب لا يستهدف في برامجه المجتمعات أو السياسات الغربية لتغييرها، إلا أنه يستهدفها عندما يتعلق الأمر بسياستها تجاه المسلمين، سواء في الغرب أو في بلادهم. فعلى المستوى العقدي والفكري كان حزب التحرير صخرة قوية في وجه محاولات تمييع العقيدة الإسلامية والأحكام المنبثقة عنها، ورفض فكرة تغيير الأحكام أو تطويعها لملائمة الواقع، وربط أفعال وتصرفات المسلمين بالقاعدة الفكرية الإسلامية المبنية على الحلال والحرام بالدليل الشرعي، لا المبنية على المصالح والنفعية. كما عمل الحزب على أن تبقى قضايا المسلمين حية عند الجالية الإسلامية في الغرب، فلم يترك قضية من قضايا المسلمين إلا وأثارها. كما لم يتوان الحزب أبداً عن مهاجمة السياسات الغربية الاستعمارية سواء في بلاد المسلمين أو تجاه الجاليات الإسلامية في الغرب.
لعل هذا كله هو ما حدا برئيس وزراء أستراليا أن يعتبر حزب التحرير متطرفاً فكرياً. فبالنسبة إليهم، فإن المناداة بالخلافة على منهاج النبوة والشريعة والأمة وتحرير بلاد المسلمين وقطع يد الدول العابثة فيها، كل ذلك يعتبرونه تطرفاً فكرياً.
أما موضوع الإرهاب؛ فحزب التحرير حزب سياسي فكري لا علاقة له بالأعمال المادية، ولا يتخذها طريقة لما يصبو إليه، لا بل إن المسلمين هم الذي يكتوون بنار إرهاب الدول الذي تقوده أمريكا وحلفاؤها، وإن كان هناك من أعمال تصنف على أنها إرهابية من أفراد أو جماعات، فإنها في أغلبها راجعة لإرهاب الدول الاستعمارية أو صناعة منها من أجل تبرير إرهابها، وحزب التحرير بعيد عن كل ذلك، بل ويتصدى له ويكشفه.
أما دفع الشباب للانضمام لتنطيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، فواقع الأمر يُكذّب ذلك، ولحزب التحرير مواقف واضحة من ذلك التنظيم كالشمس في رابعة النهار، لا بل إنه ضحية لأعماله.
أما موضوع حظر حزب التحرير في دول أخرى، فلا شك أن هذا صحيح، ولكن لا بد من القول إن تلك الدول التي تحظر الحزب هي دول ديكتاتورية ظالمة لا يحكمها قانون، تُقابل الكلمة فيها بالسجون والتعذيب والقتل. وإذا كانت أستراليا ترى في تلك الدول نموذجا يُحتذى به، فإنا نبشرها بما يسوؤها.
على كل، مرة بعد مرة ستثبت الأيام أن الأفكار أقوى من البطش والجبروت، وأن القوانين والحظر والمنع لا يمنع انتشارها أبداً، فكيف إذا كانت تلك الأفكار هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وما انبثق عنها وما انبنى عليها، وكيف إذا كان الذين يحملون تلك الأفكار يتمتعون بالإيمان واليقين والتوكل والعزيمة
رأيك في الموضوع