منذ أن خرج حزب التحرير بحشوده الشعبية، وبعد أن أعلن عن أجهزته في تونس في ندوة صحفية عقدها خلال سنة 2011، ثم انطلق في نشاطاته الجماهيرية وإعلان أفكاره ومواقفه من الأحداث السياسية في تونس، انطلقت معه أصوات تنادي بإقصائه، خاصة من السياسيين الذين عرفوا بانتماءاتهم العلمانية أو اليسارية أو من الذين ارتبطت مصالحهم بجهات استعمارية، وقد تميزوا بدعواتهم الاستئصالية لكل نَفَسٍ إسلامي ولا سيما دعاة الفكر أصحاب مشروع دولة وأمة وحضارة، إلا أن حزب التحرير واصل كفاحه ليتمكن بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل ضغط شعبي على حكومة حمادي الجبالي من أن يمنح الإعلام والخبر ويصدر ذلك ضمن الرد الرسمي للدولة "حزب التحرير تونس، هو حزب سياسي مبدؤه الإسلام، يسعى لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة"، وقد تضمن أيضا شعاره الكرة الأرضية وراية لا إله إلا الله محمد رسول الله، الأمر الذي جعل عصبة من السياسيين والإعلاميين يطالبون الحكومات المتعاقبة بإيقاف حزب التحرير ومنعه من النشاط، خاصة بعد كل مؤتمر سنوي يقيمه ويحضر فيه الآلاف، بل يظهر فيه الحزب شعبية كبيرة لا تقوى عليها العديد من الأحزاب مجتمعة، وقد استجابت حكومة المهدي جمعة لتشويش هؤلاء وتحريضهم وأرسلت للحزب تنبيهات كتابية كانت في مجملها نقاطاً عامة، ضعيفة الصياغة قام الحزب بالرد عليها.
وصولا إلى أحداث قرقنة والتي شهدت هبة شعبية ضد شركة بتروفاك الناهبة لثروات الجزيرة، حيث اتهمت الحكومة حزب التحرير بالوقوف وراءها وادعت أنه كان يحرض الأهالي، لتعلن أنها سترفع ثلاث قضايا ضد الحزب إحداها للمطالبة بحلِّه، ثم بعد ذلك وبعد أن أعلنت السلطات عزمها على منع حزب التحرير من إقامة مؤتمره السنوي، توجه الحزب للقضاء الإداري الذي حكم لصالحه بإيقاف قرار المنع إلا أن السلطة التي تدعي احترام القانون وعلوية الأحكام القضائية، قامت بغلق قصر المؤتمرات ومنع الوافدين من الوصول إليه، ليقيمه الحزب في مكتبه ويجتمع بأنصاره من خلال الشرفة المطلة على الشارع في منظر بهيج ومنظم لم يعطل حتى سير حركة المرور رغم كثافة الحاضرين.
وفي صبيحة يوم الاثنين 15 آب/أغسطس الماضي، تفطّن المسؤولون عن مكتب الحزب بمنطقة أريانة - وهو مكتب دشن حديثا -، أن لافتته العلوية المركّزة على سطح البناية تم تمزيقها، ليكتشف أن من قام بالفعلة هم أعوان أمن قدموا إلى المقر في ساعة متأخرة من الليل وطلبوا من سيارات الحماية المدنية أن يمكّنوهم من الرافعات إلا أنهم أبوا وامتنعوا أن يشاركوهم هذا الفعل الدنيء، وهو ما دعا المكتب الإعلامي للحزب في تونس لإصدار بيان صحفي يصف الفعلة بالعمل "التشبيحي".
وفي صبيحة يوم الثلاثاء أصدرت إحدى الجرائد اليومية على موقعها الإلكتروني خبرا مفاده أن الوكيل الأول للمحكمة الابتدائية وافق على عريضة تقضي بتجميد نشاط الحزب لـ30 يوما بطلب من المكلف بنزاعات الدولة، ليصل المكتوب للحزب بعد يوم من ذلك وقد تضمن عدة نقاط، أظهرت أن وراءه جهات متربصة بالحزب اشتغلت مع أطراف في الدولة يعملون لحساب أجندات حزبية وأخرى خارجية.
العريضة تضمنت نقاطاً تتعلق بأفكار الحزب وتوجهاته، إلا أنها كانت مشفوعة باستنتاجات مضللة، فقد ذكرت أن الحزب يدعو إلى نظام ثيوقراطي لأنه يضمّن في مشروع دستور الخلافة أن العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، والحال أن النظام الثيوقراطي هو حكم رجال الدين على طريقة الأنظمة التي حكمتها الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى لا حكم القوانين الشرعية التي تستنبط من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه، ثم تضيف أن الخليفة يحكم باسم الله، وهذا إن لم يكن قصراً في الفهم فهي محاولة للتدليس. ونقاط أخرى تراوحت بين الحقد الأيديولوجي والافتراء على الحزب، واتهامهم بالعداء للاستعمار.
ويأتي هذا الإجراء بعد أن أعلن السبسي فشل حكومة الصيد، ودفعه نحو الاستقالة، وفي أجواء تشكيل حكومة الشاهد التي اعتبرها الناس مهزلة كبرى واستهزاءً بهم، فلقد ضمّت ذوي السوابق السياسية الفاسدة وأحزاباً لا شعبية لها ولا تمثيل حتى في البرلمان وشخصيات معروفة بكُره متبادل، وفي ظل أزمات اقتصادية خانقة تتجه نحو أزمة كبرى بحلول السنة القادمة حيث تنطلق الدولة بسداد أولى دفعات صندوق النقد الدولي.
إلا أن لهذا الإجراء أبعاداً مختلفة، منها الأحقاد الشخصية التي تحرك بعض النافذين في الدولة والتي يعتبر حزب التحرير مُعرقلاً بارزا لمشاريعهم الفاسدة، ومنها أنها تريد أن تضرب هذه الثورة في مقتل بإخماد صوت سياسي مبدئي ظل وحيدا في مواجهة المنظومة القديمة ورفض مشاركة الفاسدين أو السكوت عن فسادهم، وأطراف أجنبية لطالما عمل الحزب على كشف سياساتهم في الداخل وفضح مؤامراتهم الإقليمية والدولية، ورغم أن العريضة تعتبر مخالفة شكلا ومضمونا للمرسوم الذي يرتكزون عليه، فإن قرار منع الحزب هو قرار سياسي ربما تعمل لأجله هذه الأطراف حتى وإن اقتضى ذلك أن يدوسوا قانونهم كما اعتادوا ويعتمدوا في ذلك أسلوب البلطجة وحرب اللوبيات.
ولكنهم قد يظنون خطأ، إذ إن حزب التحرير لا يمكن حله ولا يمكن إيقافه وهو يعمل لمواجهة الدكتاتوريات كما يعمل في أجواء الحرية المغشوشة، بل أثبتت الوقائع أنه كلما تم التركيز على الحزب وكلما نشر أن السلطة تعزم حظره إلا وزادت الناس التفافاً وتعاطفا معه لثقتها في أفكاره من ناحية ولكرهها السلطة والسياسيين المشاركين فيها.
كما أن شباب الحزب عازمون بإيمانهم ووعيهم على المضي قدماً رغم العراقيل ورغم سطوة الاستعمار، بل قالوها يوما وأعلنوها أنه لا راحة لهم إلا بعد أن يحكم الإسلام في دار الإسلام وأشهَدوا الله على ذلك.
بقلم المهندس محمد ياسين صميدة
رأيك في الموضوع