ما إن قررت أمريكا أن الحل في سوريا يجب أن يكون حلا سياسيا، حتى أصبح مسلَّمة بديهية عند عملائها من الحكام الذين يستخدمون ادعاء وقوفهم مع ثورة الشام ومساندتها غطاء لاحتواء هذه الثورة المباركة، وذلك لتمرير مشاريع الغرب على حساب دماء الشهداء وتضحياتهم، فأخذت الأنظمة الحاكمة تسير في سياستها مع ثورة الشام على أساس مقررات جنيف1، والتي من ضمنها تشكيل هيئة حكم انتقالية مشتركة بين النظام وما يسمى المعارضة مع الحفاظ على المؤسسات الأمنية والعسكرية، بما يخدم مصالح أسيادها ويضمن انتقال السلطة من عميلها القديم إلى عميل آخر جديد، فكانت التحركات تسير على محورين جنبا إلى جنب، محور سياسي ويتمثل بتشكيل كيان سياسي معترف به دوليا يمثل أهل الشام زورا وبهتانا. ومحور عسكري يتمثل بتوحيد القوة العسكرية خلف هذا الكيان المصنوع تحت إشراف المخابرات الأمريكية. فكانت من آخر محاولاتها على الصعيد السياسي، اجتماع القاهرة الذي يحاول أن يحشد أكبر قدر ممكن من الشخصيات لإعطاء شرعية له والخروج بخارطة طريق ترسم مستقبل سوريا على طريقة سايكس وبيكو في رسم المستعمرات، ثم يليه مؤتمر الرياض المزمع عقده بعد شهر رمضان المبارك للخروج بلجنة تفاوضية للجلوس مع سفاح الشام والتفاوض على دماء شهدائنا وبيع تضحياتهم بثمن بخس وتقديمها قربانا لأمريكا، تنتهي هذه المفاوضات بتشكيل هيئة حكم انتقالية مشتركة بدون أسد ضمن مسرحية محبوكة التمثيل والإخراج، ومن ثم تشكيل لجنة لصياغة الدستور الجديد، ومن ثم انتخاب مجلس تشريعي وانتخابات رئاسية تفضي جميعها إلى وصول رجالات أمريكا إلى السلطة ضمن لعبة الديمقراطية التي باتت معروفة للجميع.
وعلى الصعيد العسكري، العمل على محاولة شراء قادة الفصائل وكسب ولائهم وتوحيدهم ضمن كيان واحد، يكونون نواة الجيش المستقبلي ليخدم مشروع الغرب ويعمل على حمايته ومحاربة كل من يخالفه بحجة شق الصف أو التطرف والإرهاب، ولعل تحركات زهران علوش المكوكية وانتقاله من دولة إلى دولة ولقاءه مع مبعوث أوباما المكلف بالملف السوري دانيال روبنشتاين وتصريحاته الأخيرة لصحيفة ماكلاتشي "بأن الشعب السوري هو من سيقرر شكل الدولة القادمة بعد سقوط نظام الأسد"، بعد أن كان يهاجم الديمقراطية ويصفها بدكتاتورية الأقوياء وكلام الناطق باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش، في شرح ما قصده "زهران"، قائلًا "إن خطابات زهران علوش في الغوطة هي للاستهلاك المحلي، لحشد المقاتلين ضد القوى الأخرى، لا سيما تنظيم الدولة"... وقوله إن زهران علوش مستعد في سبيل تحسين صورته للتخلي عن راية الجيش (السوداء الأرضية والتي دون عليها بالأبيض عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله)، واعتماد علم الثورة"حسب كلام الصحيفة"، يصب في التمهيد لإنشاء هذا الكيان العسكري التابع للائتلاف صنيعة أمريكا، والذي يسعى إلى إيجاد قيادة عسكرية موحدة في الجنوب والشمال بعد قرار رئيس الائتلاف خالد خوجة بحل المجلس العسكري الأعلى. فقد صرح عضو المجلس العسكري المنحل أبو أحمد العاصمي موضحًا: "هناك خطة لتمثيل الفصائل التي لم تكن ممثلة في السابق، مثل أحرار الشام التي يسير النقاش معهم لتمثيلها، وأنا أرحب بتمثيلها، كما بتمثيل جيش الإسلام الفاعل في الجبهة الجنوبية وفي ريف دمشق، إضافة إلى حركة المجاهدين وفيلق الشام الممثل أصلا في المجلس المنحل، والجبهة الإسلامية وحركة نور الدين زنكي والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام وغيرها من الفصائل الفاعلة على الأرض". وبهذا تكون نواة الجيش المستقبلي قد تكونت في حال موافقة الفصائل المذكورة عليها، لتكون رأس حربة في ضرب المشروع الإسلامي وتثبيت مشروع الغرب في إقامة دولة مدنية ديمقراطية تفصل الدين عن الحياة والمجتمع، كما تكون رأس حربة في قتال كل من يخالف توجهات الغرب ومخططاته في حرب بالوكالة ضد ما يسمى الإرهاب والتطرف، أضف إلى ذلك القوات التي يشرف على تدريبها البنتاغون والتي ستكون جميعها أداة مرحلية يستخدمها الغرب وأعوانه لتمرير مشروعهم، ومن ثم يعمل على دمجها مع المؤسسة العسكرية التابعة لنظام الأسد، وبهذا تكون ثورة الشام قد أجهضت ولحقت بأخواتها من الثورات في البلاد الإسلامية، ولكن الله أسرع مكرا، فرعايته لهذه الثورة المباركة كانت جلية منذ البداية فكانت هذه الثورة بحق كاشفة فاضحة؛ فقد هيأ الله لهذه الثورة المباركة رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، رجالا يصلون ليلهم بنهارهم لكشف مؤامرات الغرب وأعوانه، ولن تكون ثورة الشام إلا خلافة على منهاج النبوة بإذن الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله r: «ألا إن عقر دار المؤمنين الشام». قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّار﴾.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع