مئة عام مضت على هدم دولة الخلافة، حصن المسلمين الحصين، وحاملة نور الإسلام للناس أجمعين لتخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة... منذ أن هدمت دولة الخلافة لم يعد هناك من يصارع الكفر وأهله وحكمهم الذي أهلك الحرث والنسل، وما الحربان العالميتان واستعمار الشعوب إلا دليل واضح على مدى إجرامهم وقهرهم الناس بالحديد والنار.
فبعد هدم الخلافة العثمانية انقسم العالم إلى معسكرين؛ المعسكر الشرقي الشيوعي والمعسكر الغربي الرأسمالي، وأخذ كل معسكر ينافس الآخر على ثروات العالم وخاصة البلاد الإسلامية منافسة محمومة لا تعرف ديناً ولا قيماً لا أخلاقية ولا إنسانية، فالقتل والإجرام كان ديدنهم، واستعمار الشعوب وظلمهم وقهرهم ونهب خيراتهم وثرواتهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم هو غايتهم وهدفهم.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع العقد التاسع من القرن الماضي، ثم انفراط عقد المعسكر الشرقي، تفرد المبدأ الرأسمالي في قيادة العالم فتعاظمت جرائمه وعربدته في حق العالم وفي طليعتهم المسلمين، ولعل ما جرى ويجري في أفغانستان والعراق وكشمير وفلسطين وسوريا واليمن وميانمار وليبيا وتركستان الشرقية وأفريقيا الوسطى وغيرها من بلاد المسلمين لخير دليل وأكبر شاهد على ذلك.
إنه بغياب دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي تطبق مبدأ الإسلام وأحكامه على رعاياها في الداخل وتحمله إلى العالم في الخارج لتنقذ به البشرية جمعاء من المبدأ الرأسمالي وشروره ومن دوله وظلمها وبطشها، وتتصدى لعربدتها على العالم، فيخطئ من يظن أن حال الناس في الغرب هو أفضل من حالنا عندما يرى أن الحروب في بلادنا وليست في بلادهم؛ ذلك أن الشقاء ليس في اندلاع الحروب فقط، بل إن ما يعانيه الغرب من فساد في النظم وانحطاط في الأخلاق وتفككٍ أسري وتصدع في المجتمع هو من الشقاء بل هو عين الشقاء. وما زواج المثليين وتجارة الجنس وزواج المحارم وغيرها الكثير الكثير إلا دليل على انحدارهم لأدنى دركات الانحطاط على الإطلاق، ولله در الشاعر حين قال:
الناس في الغرب أشقى من بهائمهم * تستقدم الفتح تستجديك يا عمر
إن حضارة الغرب الكافر التي أشقت الإنسان وأورثته الهم والغم والفقر والجوع، هذه الحضارة الباطلة التي تتبناها وتحملها اليوم دول وعلى رأسها أمريكا، لن تزول إلا بدولة تجسد حضارة الإسلام وتقدم للإنسان طرازاً فريدا للعيش، دولة مبدئية، تطبق مبدأها في الداخل وتنشره في أرجاء الدنيا.
وليس هناك من حضارة صحيحة تنقذ البشرية إلا الحضارة الإسلامية، وليس هناك من أحد في الدنيا يملك هذه الحضارة الربانية إلا المسلمون، الذين كلفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
فمن ذا أيها المسلمون الذي يشمر عن سواعد الجد ويعمل مع العاملين المخلصين شباب حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لتطبق شرع الله، وتحمي بيضة المسلمين، وتضع حدا للرأسمالية وحكام الجور، وتلجم كل من أرادها عوجاً، وتنشر نور الإسلام في أرض الله لينعم الناس بحكم شرع الله؟ حيث قال سبحانه تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.
رأيك في الموضوع