يوما بعد يوم، تتفطن الأمة لوجود حزب التحرير بينها، ويزداد إقبال أبنائها عليه وعلى أفكاره وآرائه، بين من يطرق الباب ويجلس ويحاور، ومن ينظر من بعيد ويرقب ويترقب، إلا أنّ العامل المشترك بين هذا وذاك هو متابعتهم الحثيثة لتقدم مسيرة مشروع الخلافة في الأمّة، لإيمانهم العميق وثقتهم بوعد الله سبحانه لعباده بالنصر والتمكين، حتى وإن أخفى بعضهم هذا الإيمان أو هذه المتابعة لمشروع الأمّة الحضاري.
ومع أنّ هناك إلى الآن من يرفض أفكار حزب التحرير وآراءه، إلا أنهم اليوم قلّة قليلة جدّا لا تريد للأمة أن تتحرر، بعد أن ارتبطت مصالح هؤلاء بوجود الاستعمار والعملاء والوكلاء، فصاروا يرتزقون من بقاء الأنظمة الحالية جاثمة على صدورنا كما هي، وهو ما يستفيد منه الكافر المستعمر لينفخ في صورة المعادين لمشروع تحرر الأمة قصد تشويهه عبر ماكينات رهيبة من التضليل السياسي والإعلامي. ومع كل تلك المجهودات الجبّارة، فإن متابعة الأمة من جهة والاستعمار من جهة أخرى لما وصل إليه مشروع الخلافة لم ينقطع يوما واحدا.
إن هذه المتابعة من أبناء الأمة، وسعيهم الحثيث إلى التحرر الفعلي من ربقة الاستعمار وعملائه، وعمق إحساسها المتنامي بفظاعة واقع غياب سلطان الإسلام، وتعبيرها عن ذلك في مناسبات عدة تعلّقت فيها الآمال على الإسلاميين وعلى كل من تشبّه بالخلفاء الراشدين، وأسئلتها المتزايدة حول ضمانات حسن تطبيق الإسلام ودوام تطبيقه، لهي أمور جديرة بالمتابعة والاهتمام وحسن الفهم والتصوّر لما تنشده الأمة وتنتظره ممن يتزعّم قيادتها.
نعم، ففي الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكاكين الدولية التي يتم سنّها وتمضيتها من أجل الاستفراد بالأمّة وذبحها من الوريد إلى الوريد، وفي الوقت الذي يُدفع فيه أبناء الأمة دفعا إلى نسيان الشرع والتطبيع مع أنظمة الموبقات السبع عبر سياسة التجويع وفتح أبواب المال الحرام لإنفاقه في الحرام، نجد أبناء الأمة يلتجؤون إلى ربّهم بالدعاء والمناجاة أفرادا وجماعات، ثم إلى كلّ من فيه مظنّة قيامه على مشروع الأمة وعلى حسّ المجتمع على أمل أن يجدوا من بينهم مخلّصا من مستنقع المعصية الجماعية التي يريد الكفار المستعمرون رميهم فيها نكاية في دينهم وعقيدتهم وإسلامهم ونبيّهم الأكرم صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم﴾.
الأكثر من ذلك، أن هناك من يضع حزب التحرير كخطة بديلة في صورة فشل اللاعبين الحاليين، ظنا منه أن الحزب لا يفهم قواعد العمل السياسي الحالية وأساليب عمل الدولة العميقة ولوبيّاتها وأن من جرّبوا خوض غمار السياسة في الأنظمة الرأسمالية سيكونون الأقدر على القيادة عند قيام دولة الإسلام، وهو تصور تُكذبه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تغيير واقعه وإقامة الدولة الإسلامية الأولى، وسيكذبه كل واقع لم تنزّل عليه تلك الطريقة الشرعية عند السعي لإقامة دولة الإسلام.
هذا كلّه، يجعل من مسؤولية الحزب وقياداته تتعاظم يوما بعد يوم، بين الفريضة الربّانية التي يُراد تحقيقها وإنجازها من جهة وبين ما تعلقه الأمّة من آمال على هذا الحزب المتجذر فيها من جهة أخرى. فدولة الخلافة، هي دولة بشرية كما هو معلوم عند المسلمين، وهي لا تحكم بحق إلهي كما هو الأمر عند الغرب في ظل حكم الكنيسة، ولكنّ البشر القائم على هذه الدولة، مطالب بأن ينجح في المهمة منذ مباشرة مهامّه، إذ ليس هناك بث تجريبي في الحكم، ولا اختبارات وتجارب ودورات تدريبية في العلاقات الدولية مع رؤوس الكفر، بل يجب أن تباشر دولة الخلافة مهامها منذ اللحظة الأولى وأن تنجح في اتخاذ وتفعيل كل قراراتها، من ذلك قرارات السلم والحرب، وفي تكوين الطواقم المطلوبة في كل مجال.
هذا الأمر، يحتّم وجود تصور كامل ومحاكاة فعلية في الذهن، لما يجب أن تؤول إليه الأمور سياسيا عند تنزيل الأحكام على الوقائع، والأمر مع دولة الخلافة أشبه إلى حد ما بتوليد الطاقة النووية، حيث تمرّ كل أمور التصنيع بإجراءات الاختبارات اللازمة، باستثناء توليد الطاقة النووية، فإنه يكتفى فيه بالقيام بمحاكاة رقمية لا مجال فيها للخطأ، أما التجربة والاختبار فهي أمور غير مسموح بها مطلقا في هذا المجال، وإنما يجب الالتزام بكل قواعد السلامة والمرور إلى الإنتاج والفعل المولد للطاقة بعد أن تتضح الصورة في الذهن.
وهكذا، نتبيّن بوضوح أن السياسة الشرعية وتحقيق مصالح الأمّة الدينية والدنيوية والالتزام بالنظرة الرعوية للدولة، يقتضي وجود عاملين جادين لتحقيق كل أمر من هذه الأمور، والجدية في التفكير تحتّم عليهم ابتداء تصوّر كلّ ما يراد تطبيقه وحسن تطبيقه ودوام تطبيقه، والتزوّد بكل ما يلزم من أساليب ووسائل لتنفيذ الخطط ومتابعة سير هذا التنفيذ والحرص على حسن سيره، وهو من باب أولى أن يكون أمرا موجودا في الحزب قبل الدولة.
نعم، حزب التحرير هو أمل الأمة، وقد نجح في دخول المجتمع بعد أن اجتاز فترة محاولة المخاطبة بنجاح عظيم، واستطاع أن يجعل الأمة في مجموعها، والأوساط السياسية في جملتها تحس به كحزب سياسي مبدئي، واستطاع أن ينتزع التقدير لأفكاره وأن يجعل لها وزناً يحسب حسابه. وقد طرق الحزب باب المجتمع لفتحه منذ مدة، وها نحن نرى بأم أعيننا كيف سقط كل ما وراء الباب من أرتجة ومزالج، وهوى كل من عليه من بوابين وحراس، لينجح في فتح الباب ويقف أمام المجتمع المترقب المتعطش لتطبيق الإسلام وإقامة دولة الإسلام، وما ينقصه سوى أن يقفز الأقوياء من أبناء الأمة في سفينة الخلافة، الذين ظنوا لوقت لا بأس به بأن الغرب لا يهزم، وأن قادة الأمة لا يتخرجون إلا من كبرى الجامعات الغربية تماما مثلما ظن أباطرة الفرس والروم أن سكان جزيرة العرب لا قِبَلَ لهم بالتأثير في السياسة الدولية.
كل مقومات الدولة القوية موجودة بإذن الله، والطرف المؤهل لاستيعاب تطلعات الأمة بامتياز وتلبية نداء الواجب الشرعي بإلغاء الحدود الوهمية وإنهاء حالة الفرقة هو حزب التحرير الذي قام على أساس الإسلام منذ أول يوم، حتى وإن تطلب الأمر وقتا ليفهم بعض أبناء الأمة المغرر بهم ذلك، وعليه فحزب التحرير ليس مجرد أمل للأمة بل هو عمل قائم بذاته يستعد لتفعيل تجربة راشدة في الحكم وفريدة بإذن الله، يتحقق معها وعد الله سبحانه وتعالى وبشرى نبيه صلى الله عليه وسلم بخلافة راشدة على منهاج النبوة.
هذا الأمل وهذا العمل مع امتداد أمة الإسلام داخل النسيج المجتمعي للدول الغربية، صار اليوم يربك الكافر المستعمر أكثر فأكثر، ولذلك صار يرقص رقصة الديك المذبوح، وصارت أبواقه الناعقة تعمل جاهدة على إقناع أمة النصر والشهادة التي شارفت على المليارين، بأنها أمة مهزومة لم تعد قادرة على الحراك أمام أوامر السادة والقادة الغربيين عملا بمقولة ابن خلدون: إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده.
ولكن... ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
بقلم: المهندس وسام الأطرش – تونس
رأيك في الموضوع