بكثير من الحرقة تحكي الناشطة الحقوقية الكويتية عذراء الرفاعي قصص فتيات وجدن أنفسهن حبيسات بيت واحد مع معنفيهن، في ضوء إجراءات الحجر الصحي المفروضة في الكويت بسبب فيروس كورونا، شاكية عدم قدرتها على مد يد العون لهن. (بي بي سي)
تحاول مثل هؤلاء الحقوقيات قلب الحقائق الفطرية المعروفة، فتشكك في غيرة الأب الحنون والأخ السند والزوج الصاحب والابن البار، على نسائهم، ومدى حرص هؤلاء على مصلحة الأسرة وصونها، والمحافظة عليها من تفشي وباء حضارة الغرب الرأسمالي المسمومة، التي جعلت الأسرة مهانة محتقرة لا شأن لها، هؤلاء المتشدقات بحقوق الأسرة، هن نساء لا همّ لهن في الحياة غير الترفيه عن أنفسهن، والعيش متحررات من كل قيد غير مرتبطات بأي مسؤولية تجاه أي أحد؛ لا زوج، ولا أسرة، ولا أطفال، فهن أجيرات عند المنظمات النسوية، يقبضن رواتب عالية بالدولار، ويسافرن من بلد إلى آخر، ويتحدثن في منابر الدول الغربية، ويخططن ويتآمرن ويكتبن ما شئن من أجندات وقوانين فاجرة، تتحكم في حياة الأسرة المسلمة! محاولة لهدم آخر حصن من حصون الإسلام، إن استطعن، وهو الأسرة.
إن الأوضاع التي تعانيها النساء في بلاد المسلمين ليست حالة أصلية نابعة عن ثقافة المجتمع، بل هي حالة ناتجة عن سموم ثقافة تحرر الأسرة، التي طُبقت على البشرية على مدى مائة عام، فرضها الغرب الرأسمالي، وانبرت الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين لتنفيذها عبر دساتيرها الوضعية.
وللجمعيات النسوية دور كبير في ما آلت إليه أوضاع الأسرة المسلمة، باعتبارها ذراع الحضارة الرأسمالية التحررية المعادية لما تسميه بالمجتمع الرجولي، متبنية ما أسمته قضية الأسرة، والدفاع عن حقوقها، ونبذ كل فكر يَحُدّ من حرياتها، حتى لو كان هذا الفكر منبثقاً عن قناعات وعقيدة الأسرة المسلمة، فحتى تكتمل صورة الأسرة الحرة وفق رؤية هؤلاء النسويات، يجب على الأسرة أن تهاجم الإسلام وتنتقده، لأنه هو من خلق سلطة الرجل عليها حسب زعمهم! فحتى تتحرّر المرأة من الرجل، عليها أن تتحرّر من الدين ابتداءً مما جعل العنف الأسري شيئاً محتملاً ضد النساء.
ولهذا يُبرز الفكر النسوي الأسرة كمجني عليها، مقهورةً، مهضومة الحقوق، وعبرت الكاتبات النسويات على مر السنين عن العنف ضد الأسرة، بأن سببه الثقافة الموروثة (الإسلام) التي تكبل حرية الأسرة، وبهذا الفهم المعطوب يصبح الحجاب والنقاب، وتعدد الزوجات، وقوامة الرجل، وكل هذه القوانين الاجتماعية التي سنّها الشرع تعتبرها الجمعيات النسوية كُرهاً للأسرة وإلجاماً لغرائزها، وكبتاً لميولها، أما في واقع الأمر فإن كل هذه المؤامرات التي تُحاك حول الأسرة المسلمة، إنما هي لتدمير سعادتها وطمس هويتها في الحياة الدنيا بإبعادها عن الالتزام بأحكام الإسلام، بحيث تجد نفسها قد تحولت إلى سلعة رخيصة كالمرأة الغربية سواء بسواء، وخسرت القوامة والولاية، وأصبحت تكافح من أجل لقمة العيش بخروجها جبراً عنها إلى سوق العمل بسبب الأوضاع الاقتصادية الضيقة، بالإضافة إلى القيام بأعباء المنزل وتربية الأبناء، فأي عنف أكثر من هذا؟!
إن وضع الأسرة المسلمة، ليس نمط حياة يمكن الحفاظ عليه من خلال التربية الأسرية فقط، وإن كانت التربية هي لبنة من لبنات تماسك الأسرة، لكن المتبصر يرى الحاجة الماسة للدولة التي تضمن تدريس القيم الصحيحة في مناهج التعليم، والدعاية والدعوة لها في منصات الإعلام، وتنفيذها في المجتمع ككل، لأن الالتزام بالإسلام، وتكريس القيم الثقافية الإسلامية، وتحكيم الإسلام في كل جوانب الحياة، يعطي النتائج الأفضل في تماسك الأسرة وتضامنها، بالإضافة إلى ذلك فإن دعم وحماية المجتمع بأفكاره ومشاعره وأنظمة الحكم فيه للقيم العائلية، فيه دور حيوي في ضمان انسجام ووحدة الأسرة داخل الدولة، وذلك لأن حقوق مكونات الأسرة لم يضعها ذكر أو أنثى أو طفل ليرجح كفته في الحقوق، بل وضعها ربهم العليم الخبير، مما يجعل السعادة والهناءة والطمأنينة وقوة تماسك الأسرة في إطار الزواج، والحياة الأسرية أمراً مضموناً، وهذا ما وصف به الأستاذ جاستون جاز، وهو أستاذ في قانون الأسرة في سويسرا، وصف العائلة المسلمة في ظل الخلافة بأنها "أقوى عائلة في العالم".
وقد شهد المسافرون الغربيون الذين زاروا بلاد المسلمين في عهد الخلافة وحيرّتهم سلامة ورفاهية المجتمع، كتبت جوليا باردو، وهي شاعرة وكاتبة ومؤرخة وصاحبة رسالة إنجليزية، وقد زارت إسطنبول في القرن التاسع عشر الميلادي، كتبت ملاحظاتها حول العائلة العثمانية في كتابها "مدينة السلطان" منها ما يلي: "كان من السمات الرئيسية لثقافة الأسرة العثمانية تقديس التعامل من الأطفال تجاه والديهم، كانوا يظهرون حباً خاصا وعشقا للأم. كان الزوج والزوجة يمكنهم أن ينصحوا ويوبخوا أطفالهم، ولكن الأم هي "المشاور الحكيم"، وكانت "تشاور وتؤمن على الأسرار ويُستمع إليها باحترام وتقدير، كانت مكرمة حتى ساعتها الأخيرة، ويُكنّ لها المودة ولوعة الفراق خارج القبر".
وقد حدد الإسلام بالتفصيل شروط الحياة الأسرية التي ستقود الإنسان إلى الهناءة والعيش الكريم ومنح الأسرة قيمة لم يعطها إياها أي مجتمع آخر في العالم إلى اليوم. بالإضافة إلى ذلك، عرض الإسلام النموذج الأكثر مثالية لعشٍّ أسري مترابط منسجم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تعامل مع أزواجه. ووصى الإسلام بالوالدين وبيّن أن نوال الجنة ممكن من خلال الفوز برضا الأم ومعاملتها بشكل جيد؛ لأن تضحية الأم، والتربية والتعليم الذي تعطيه للطفل يشكلان شخصيته المستقبلية، وبالتالي فإن رفاه الأطفال والمجتمع بأكمله يعتمد على الأم في المقام الأول.
إن الحل هو في ترك تقليد الغرب، ونبذ سننه وقوانينه، والرجوع إلى الإسلام منهجاً لحياتنا بوصفنا مسلمين، ويجب العمل لفضح هذه الألاعيب النسوية التي أرهقت النساء المسلمات وغير المسلمات، لإيجاد رأي عام واعٍ حول ما يحاك للأسرة المسلمة وجعلها في مهب ريح الحضارة المادية التي لا ترحم.
رأيك في الموضوع