إن حوادث الاقتتال التي تجري في مدينة الجنينة في إقليم دارفور ليست هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، طالما بقيت القوميات والقبليات والعرقيات، هي السائدة في أنحاء السودان المختلفة، فقد شهدنا فتنة الاقتتال في القضارف وبورتسودان شرق السودان، وداراندوكة في أقصى الغرب في دارفور! لأن أفكار القبيلة، والقوم، والجهة، هي السائدة بين الناس، وتركزت بصورة سيئة في عهد نظام الإنقاذ البائد، فالأصل أن يُلقى بها في قارعة الطريق؛ لأن الرسول e قال عنها: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، لأنها روابط ضيقة تنشأ بين الناس كلما أحسوا بخطر، وسرعان ما تنتهي بزوال هذا الخطر، ثم يعود الناس يتعاملون على أساسها كلما طرأ طارئ، لذلك فإن هذه المشكلات لن تنتهي أبداً طالما كانت هذه هي الروابط بين الناس، وليس رابطة الإسلام! إن المولى سبحانه من بديع صنعه أن جعل الناس شعوبا وقبائل، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾، وجعلها علامة دالة على قدرته سبحانه وتعالى، ورحمة منه لعباده، لتسهيل التعارف فيما بينهم فحسب، بحكم التفاوت في الجنس، واللسان، وكثير من الصفات، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، إن ديننا الحنيف قد حدد أهمية القبلية على أنها للتعارف فحسب لا غير، وليس للتفاخر فقال تعالى:﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، فلا مكان للتقاتل والتخاصم بين المسلمين، لكن عندما يرتبط الإنسان بأخيه الإنسان على أساس القبيلة أو العائلة، أو الجنس، فهنا تكمن الكارثة، لأنها رابطة منحطة وغير إنسانية وتسبب الخصومات بين الناس.
إن الأحداث التي جرت في الجنينة، غربي السودان، وكذلك في القضارف وبورتسودان، سابقاً وحالياً والتي راح ضحيتها الكثير من الأنفس البريئة، والحكومة عاجزة عن الحل... إنما هي ثمرة هذه الروابط الضيقة الفاسدة النتنة، التي تجعل صاحبها يظن أنه أكرم من غيره! وأنه أحق بالحياة منه، وما دامت هذه هي الروابط التي تسير شؤون حياتنا، وهي التي تعتمد عليها الحكومات المتعاقبة في نظرتها للناس، فلن ننفك من هذه المشاكل والاضطرابات أبداً.
إن السياسيين في هذا البلد مكسوفي البال عن هذه الأحداث، ولن ينشغلوا بها كثيراً، وذلك لأن العقلية السياسية عند هؤلاء أيضاً مرتبطة بالقبيلة وغيرها من الروابط الفاسدة، فقد شغل همهم التسابق على كراسي الحكم، ونهب ثروات البلاد، والاستقطاب، والمشاكسات فيما بينهم. أما حل قضايا الناس فليس ذا قيمة عندهم، ولا اعتبار، ومن كان هذا حاله، فلا يستبعد أن يستخدمه الكافر المستعمر الذي يطمع في بلادنا بإشعال الفتن والحرائق هنا وهناك، لذلك فالسودان يشتعل منذ (استقلاله) إلى يومنا هذا.
إنه لن يوقف هذا العبث إلا أحكام الإسلام تطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير، بقيادة أميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، وشبابه الذين يصلون ليلهم بنهارهم، لإخراج الناس من درك أنظمة الجاهلية إلى أحكام الإسلام العظيم، ونوره المبين؛ وذلك لأن الحكم هو مسؤولية وأمانة في الإسلام وليس مكسبا وغنيمة، فيرتبط الحاكم بالرعية بأحكام الإسلام، لا باعتبار القبيلة أو الجهة، أو الجنس، وإنما باعتبارهم رعايا في ظل دولة الإسلام.
إن الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في السودان، وكذلك حملة السلاح، يجمعون الناس على أساس القومية والقبلية، والجهوية، والوطنية... فهم جميعاً سيعجزون عن حل مشكلة الإنسان، لأن الحل ليس بتكتل إثني أو اقتتال قبلي أو تعصب قومي أو تفاخر بالألوان، بل التكتل الصحيح يجب أن يكون على أساس مبدأ يتوافق مع فطرة الإنسان، ليكون الحل من رب الناس، وليس كما تفعل الحكومات والحركات المسلحة! إذ إنهم جميعا كما ذكرت آنفاً ينادون بالقبيلة والجهة والتي هي الداء، والجزء الأساس في المشكلات التي تجري في إقليم دارفور وفي غيره.
إن أهل دارفور، إلى عهد قريب، كانوا يجمعون الزكاة لدولة الخلافة، في زمن السلطان علي دينار، فهم جزء من الأمة الإسلامية، والآن دعونا نَكُنْ كما أمرنا الله إخوانا، بدلاً من ضرب رقاب بعضنا بعضا، ففي ليلة تُقتل أكثر من أربعين نفساً مسلمة، يا سبحان الله! ودعكم من فتن الجاهلية النتنة، التي حرمها رسول الله e: «وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اللَّهِ».
إن الدعوات الجهوية والقبلية، والعرقية، والقومية، والوطنية، كلها دعوات نتنة، تأتي بالفرقة والشتات والاقتتال، ولا يأمن الناس في ظلها أبداً، فدعونا نُقِمْ الدولة التي أسسها رسولنا الكريم e، فكفانا مهازل، وسوف ترون كيف هي عظمة الإسلام عندما توضع أحكامه موضع التطبيق والتنفيذ. اللهم عجل لنا بدولة الخلافة التي وعد بها المولى عز وجل، وبشّر بها الحبيب المصطفى e بعد الملك الجبري «... ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
بقلم: الأستاذ آدم دهب – الخرطوم
رأيك في الموضوع