في عام 1916م أي قبل مائة وثلاثة أعوام تم توقيع اتفاقية مشئومة بين رئيس وزراء بريطانيا سايكس ورئيس وزراء فرنسا بيكو وعرفت تاريخيا باتفاقية سايكس بيكو، وتنص على تمزيق الخلافة العثمانية إلى دويلات صغيرة تتجاوز الخمسين دويلة تقسم بين بريطانيا وفرنسا. وقد تم التنفيذ العملي لهذه الاتفاقية بعد ثماني سنوات من العمل المتواصل حتى تم لهم إسقاط الخلافة العثمانية وتمزيق بلاد المسلمين إلى دويلات وتم رسم الحدود بين كل دولة وأخرى ووضعوا الدساتير لكل دولة من الدستور الفرنسي بعد تعديله بما يتناسب مع كل بلد ثم ركزوا بقوة على غرس الوطنية وحب الوطن عند المسلمين حتى لا يفكروا في الوحدة على أساس الإسلام من جديد، فطبقت على المسلمين القوانين الغربية المأخوذة في الأصل من الدستور الفرنسي الوضعي ونصت المادة الأولى في كل دستور بالاستقلال وهي تعني الاستقلال عن المسلمين في البلاد الأخرى. أما الكفار فقد أحكموا سيطرتهم على المسلمين من خلال قوانينهم الوضعية التي طبقها عملاؤهم حكام المسلمين ومن ذلك غرس الوطنية وتقديس التراب بشكل مستمر في المدارس والاحتفالات وترديد الأناشيد الوطنية في المدارس والإذاعات والتلفزيون وغيرها من الوسائل الإعلامية حتى أصبحت عقيدة الوطن هي عقيدة الكفاح والنضال بدلا عن العقيدة الإسلامية التي أصبحت منعزلة في الوجدان ولا يبنى عليها إلا السلوك الفردي فقط. أما الوطنية فقد صارت فكرة عملية تسفك من أجلها الدماء والواقع يشهد بذلك فالمتصارعون على السلطة في اليمن فريقان أحدهما يدعي الدفاع عن الوطن والآخر يزعم أنه يسعى لتحرير الوطن، فالوطنية هي فكرة استعمارية صنعها الكفار بدهاء وخبث ومكر لتمزيق جسد الأمة الواحد إلى قطع صغيرة يحارب بعضها بعضا على حدود وهمية ويمكن إجمال مساوئ الوطنية وكوارثها التي جرتها على أهلها في النقاط الآتية:
1-أنها جعلت الأرض هي مصدر التشريع وليس القرآن والسنة.
2- تعطي الكافر الذي ينتمي إلى ترابها من الحقوق ما لا تعطيه لمسلم لا ينتمي إلى ترابها، فالكافر الذي ينتمي إلى تراب الوطن يحق له أن يرشح نفسه ليكون رئيسا للوطن، فمن صفات الرئيس في أي دستور أن ينتمي إلى تراب الوطن وأن يكون أبواه من نفس الوطن، مثلا أن يكون يمنيا من أبوين يمنيين، فلم يشترط أن يكون الحاكم مسلما، وكذلك بقيت الدساتير في الدويلات الأخرى كمصر وتونس ودول الخليج وإيران وتركيا وغيرها بينما أي مسلم لا ينتمي إلى الوطن فلا يحق له أن ينتخب أو يترشح حتى ولو كان يعمل في الوطن بشكل مستمر من عشرات السنين.
3- إن الحدود الوطنية قسمت المسلمين إلى دويلات ولا زالت تحافظ على ذلك التقسيم والتمزيق وهذا يخدم الكفار ويمنحهم القوة ويجعل لهم قدرة أكبر في الهيمنة المستمرة على المسلمين فينفذون كل مخططاتهم بسهولة ويسر.
وبالمقابل فالتمزق من عوامل ضعف المسلمين وسهولة التناحر فيما بينهم وزيادة الأحقاد والضغائن بينهم ويكونون فريسة لأي حرب يريد الكفار إشعالها بينهم بحجة السيادة الوطنية والاعتداء على دولة مستقلة والخروج على القانون الدولي وغيرها.
4- الولاء الوطني حل محل الولاء لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين فأصبح الفرد يعمل من أجل الوطن وليس لله، ويقاتل من أجل الوطن وليس لإعلاء كلمة الله، ويقاتل إخوانه المسلمين من أجل الوطن ويوالي الكفار الذين لهم سيادة على الوطن، ويدرس المعلم بدون مرتب من أجل الوطن... وهكذا أصبح العامل المسير هو الوطن وليس أوامر الله ونواهيه، فأصبح الوطن صنما يعبد من دون الله!
5- إن الرابطة الوطنية هي رابطة منحطة، لا تصلح أن تربط الإنسان بالإنسان حين يسير في طريق النهوض فلا تصلح الوطنية أساساً للنهضة وبالتالي لا تصلح للنهضة الصحيحة التي تحقق القيم الأربع للإنسان وهي القيمة الروحية والقيمة المادية والقيمة الإنسانية والقيمة الأخلاقية.
إن الرابطة الصحيحة التي يجب أن تربط بين المسلمين هي رابطة العقيدة الإسلامية التي انبثق منها نظام شامل لجميع مناحي الحياة، وقد حدد الإسلام أن الطريقة العملية لتطبيق الإسلام في معترك الحياة هي دولة الخلافة الجامعة للمسلمين التي تتخطى الطائفية والوطنية والقومية وتحكم بالشريعة الإسلامية، وترعى شؤون المسلمين بأحكام الإسلام، وتحمل الإسلام رسالة نور وهدى للعالم كله بالدعوة والجهاد. وإن حزب التحرير الذي يعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة قد أعد المشروع الإسلامي بشكل تفصيلي جاهز للتطبيق الفوري عند قيام دولة الخلافة، وهو يدعو المسلمين جميعا أن يرصوا الصفوف خلفه ويعملوا معه للقيام بهذا الفرض العظيم الذي هو تاج الفروض، فبوجوده توجد كل الفروض وبغيابه غابت أغلب الفروض. فندعوكم أيها المسلمون أن تنبذوا الأنظمة الوضعية التي سببت لكم المشاكل والكوارث والأزمات، وأن تنبذوا الوطنية والقومية والعصبية الجاهلية، وأن ترموا الرايات والأعلام التي ترمز للحدود الاستعمارية في مزبلة التاريخ، وأن يكون شعاركم الذي يرضي ربكم هو: أمة واحدة، راية واحدة، دولة واحدة، فإلى العمل الجاد مع حزب التحرير لإقامة الخلافة ندعوكم فهي فرض ربكم ومبعث عزكم وقاهرة عدوكم ومحررة أرضكم وهي منارة الخير والعدل والعلم في ربوع العالم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وليتنافس المتنافسون.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع