اعتذر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للشعب السوداني، من خلال لقائه بالجالية السودانية في الرياض، وعبّر بطريقة ذكية عن فشل حكومته، وعجزها عن القضاء على الأزمات التي تضرب بالبلاد، ورمى، كعادة السياسيين الرأسماليين، باللائمة على قوى الحرية والتغيير، التي رشحته رئيساً للوزراء للفترة الانتقالية، حيث قال حمدوك: (تحدثنا مع الإخوة في الحرية والتغيير منذ مجيئنا، وطالبناهم ببرامجهم الإسعافية للفترة الانتقالية، ولم نستلم أي برنامج منهم إلى اليوم، رغم اجتماعاتنا معهم).
ليس عجيباً ولا مدهشاً، ولا مستغرباً، أن نسمع من رئيس الوزراء هذا الاعتذار المبطن، عن فشل حكومته، في الخروج بالسودان من أزماته الاقتصادية والسياسية وغيرها، فالرجل وقف في (العقبة) لا يدري إلى أي شطر يولي وجهه، بعد أن خذلته قوى الحرية والتغيير، ولم تمده ببوصلة فكرية لا تملكها، لإدارة شئون البلاد، ولا ببرامج لقيادة العمل السياسي والتنفيذي لهذه الفترة الانتقالية. فهذه التجمعات، وأشباه الأحزاب، والتكتلات، تمتاز بالخواء الفكري والسياسي منذ نشأتها.
وهذه أزمة فكرية حقيقية، عانى منها النظام البائد لثلاثة عقود من الحكم، حيث كان الرئيس المخلوع عمر البشير يحتضن حزباً سماه المؤتمر الوطني، وهم شرذمة من المنتفعينومنهم طوائف من نصارى عاشوا بين أهل السودان منذ زمن، لا تجمعهم رابطة غير المصالح، ونهب ثروات البلاد في عهد التمكين المظلم، جعل منهم البشير سنداً يتقوى بهم في حكم السودان، بقبضة كان يظنها من حديد، فلم يصمد هذا الحزب أمام العواصف السياسية والاقتصادية، التي عصفت بهم وبالبلاد. ثلاثة عقود من الحكم، والبشير وحزبه يحكمون البلاد بنظم وقوانين الغرب المستعمر، وبأهواء أولئك الذين نصبوا أنفسهم، أو قل نصّبهم البشير، آلهة من دون الله في البرلمان الكارثي المنحل، بل كانوا ينازعون المولى عز وجل في حكمه ويتحدونه في تحليل الربا وغيره من المحرمات؛ من قوانين دولية، واتفاقيات، وغيرها من قاذورات الغرب المستعمر، أيدوها وجعلوا منها منهاجاً للحكم والسياسة في السودان.
والآن يخرج علينا رئيس الوزراء، ليعلن على الملأ خلو جعبته حتى من برامج إسعافية لإدارة شئون البلاد والعباد. وكان حمدوك قد بدأ حكمه باستجداء الدول الاستعمارية، طالباً منها فك القيود التي تكبّل اقتصاد السودان، ونفى أن يكون شعبه إرهابياً، وشدد على ضرورة رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، واستعد لتقديم تنازلات، ومنّى نفسه وظن بأنه لمس رغبة صادقة من أمريكا لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، متغافلاً (المماطلات) الأمريكية في التعامل مع هذا الملف منذ أيام المخلوع البشير، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية (تيبور ناجي): (إنه لا توجد فترة زمنية يتم خلالها رفع اسم السودان من اللائحة السوداء). وأضاف ناجي ردا على سؤال خلال تنوير صحفي (إن هناك قيوداً ومتطلبات قانونية تحكم عملية مراجعة وضع السودان في هذه القائمة). (سودان تربيون 2/10/2019) ثم استمع لوعود فرنسا وبريطانيا، وبعض الدول الأوروبية، بالوقوف معاً في وجه أمريكا ولائحتها الإرهابية ضد السودان، وما درى حقيقة الصراع القائم بين الأوروبيين والأمريكان في السيطرة على السودان، عبر أدوات محلية! قال (ناجي) حسب المصدر السابق: (نحن متعاطفون ونتفهم الدعوات من دول العالم لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ولكننا يجب أن نتبع القانون)، ولما عجز الرجل، بعد نداءاته المتكررة، عن الحصول على مبتغاه لدعم الاقتصاد، يمم وجهه شطر من سماهم (أشقاء)، ففي مقابلة مع البي بي سي في 27 أيلول/سبتمبر 2019م، قال: "تحدثنا مع كل الأشقاء العرب في ضرورة مساعدة السودان أولاً في موضوع رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والاستثمار"، وأضاف "... نحن نريد من الأشقاء القدوم إلى السودان للاستثمار". وهذا خطأ آخر فادح يرتكبه حمدوك، فإن هؤلاء الذين يسميهم (بالأشقاء)، هم أكثر عراقة منه في ولائهم للغرب، فلا يتنفسون إلا بأنبوب أوكسجين يمدهم به الغرب المستعمر، ولا يتحركون إلا بمقدار مصلحة يحددها لهم سيدهم، ألا ترى أن ترامب وإدارته يرتعون في ثروات الأمة عبر مملكة آل سعود في أرض الحجاز؟!
إن غياب العقلية السياسية المبدئية الصحيحة، عن أذهان السياسيين في البلاد الإسلامية، ومنها السودان، يجعل من مدّعي السياسة يتخبطون في إدارة دست الحكم، فيقعون في أنفاق مظلمة، كلما أرادوا الخروج منها وقعوا في نفق أشد حلكة، وذلك لأنهم يتخذون من الأنظمة الوضعية، والتي هي أس الداء والبلاء، أساساً لتنظيم شئون الحكم والسياسة، منذ خروج المستعمر إلى يومنا هذا، فمن الطبيعي أن يظل العجز والفشل والتعثر في سير الحياة، ملازماً لكل الحكومات بما فيها هذه الفترة الانتقالية، وإن الخروج من نفق الفشل لحل مشاكل البلاد، لا يكون إلا بالانعتاق من قيود الرأسمالية، والقوانين الوضعية.
إن في الإسلام ما يكفي ويفيض، من أحكام ومعالجات، تخرج السودان، بل والعالم كله، من مشاكله التي ترزح في هجيرها الشعوب والأمم، ومنهم أهل السودان، كيف لا وهي من لدن اللطيف الخبير سبحانه وتعالى! لكن معالجات الإسلام بالطبع لا تطبقها دولة أسيرة لروشتات صناديق المال العالمية، ولا دولة تخضع لمتطلبات من يسمون بالمجتمع الدولي، وإنما تطبقها دولة قائدها إلى الأبد سيدنا محمد e، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحمل مفتاح الحل الرباني، يسعد في ظلها البلاد والعباد.
بقلم: الأستاذ يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – الخرطوم
رأيك في الموضوع