تعيش أمة الإسلام هذه الأيام أجواء ما يسمى بذكرى (النكسة)؛ في شهر حزيران 1967. وهي ذكرى التآمر على ما تبقى من أرض الإسراء والمعراج. فهل انتهت فصول هذه النكبات والنكسات بحق فلسطين، أم أنها ما زالت تتعدد وجوهها وتتجدد فصولها؟
الحقيقة أن النكبات والنكسات؛ تتجدد في كل يوم، بل في كل ساعة بحق قضايا أمة الإسلام. وآخر هذه النكبات؛ ما يحاك ضد قضية فلسطين؛ لتمليكها ليهود بلا ثمن؛ ضمن ما يسمى بصفقة القرن.
لقد حدثت تطورات خطيرة دولية وإقليمية سنة 2017 وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا؛ تصب في هذه المؤامرة الكبرى؛ من أجل إكمال فصولها، ومن هذه التطورات:
1- تهيئة الأجواء داخل فلسطين، والدول المحيطة بها؛ وخاصة مصر والأردن. فما يقوم به حاكم مصر داخل سيناء؛ من تشريد وقتل وإرهاب، ومن سياسة تجويع وإفقار للناس، وما يقوم به حاكم الأردن من تصعيد للأزمة الاقتصادية، وبث الرعب في أوساط الشعب في الأردن؛ بأن الأردن على شفا الإفلاس، وتحتاج إلى إنقاذ، وما أعقب ذلك من دعوات ملك آل سعود لمؤتمر إنقاذ اقتصادي عقد في مكة المكرمة 11/6/2018. وكان نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قد زار في نهاية شهر كانون الثاني 2018، كلاً من القاهرة وعمان لمحاولة تسويق صفقة القرن، وتضمنت تطمينات أمريكية بخصوص المساعدات الدولية لمصر والأردن)...، وأما داخل فلسطين فلا يخفى ما يمارس من ضغوط سياسية واقتصادية؛ في مناطق السلطة وقطاع غزة.. فقد مارست الرباعية العربية عدة ضغوطات على السلطة للسير في مشروع صفقة القرن؛ حيث صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني الأسبق محمد أبو هديب 20/6/2018، قال: (إن ضغوطاً متزايدة في هذه الأثناء تُمارس على الأردن والسلطة الفلسطينية، في محاولة لتحريك صفقة القرن من بوابة غزة) وأضاف بأن (الأسابيع الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لما يجري الإعداد له أمريكياً)، أما في غزة فإن الضغوطات المشتركة من قبل يهود ومصر لم تتوقف منذ سنوات، وتبع هذه الضغوطات وعود بمساعدات سخية وأموال، وتسهيل على المعابر، وتوسعة مناطق الصيد وغير ذلك من مشاريع.. فقد نشرت (جريدة العربي الجديد) مقالا بتاريخ 17/3/2018 عن تشكيل (لجنة مشتركة) بين أمريكا ومصروكيان يهود، تتولى القيام بمهام إنسانية وإغاثة لصالح الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر؛ وهو ما يتسق مع تسريباتٍ أخرى عن تفكير في نقل مشروعي الميناء والمطار؛ اللذين كان مقرراً إنشاؤهما في غزة (ضمن تفاهمات أوسلو قبل عشرين عاماً)،على أن تتولى مصر إنشاءهما في العريش، أو منطقة أخرى قريبة من سواحل غزة، ليكونا تحت سيطرة القاهرة وإشرافها، لخدمة أهل القطاع.
2- التهيئة الاقتصادية والسياسية (إقليميا ودوليا) لمباشرة هذه الصفقة بالفعل. فهناك مساع أمريكية حثيثة بمساعدة الدول الإقليمية خاصة السعودية، والمؤسسات المالية الدولية؛ لرصد مبالغ مالية كبيرة من أجل هذا المشروع.. فقد نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية 17/6/2018 عن مصادر من كيان يهود: (أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستطلب من دول الخليج استثمار مليار دولار في قطاع غزة لتنفيذ مشاريع اقتصادية طويلة الأمد).
أما المساعي السياسية التي قامت بها أمريكا وحلفاؤها لتهيئة الأجواء فكان أبرزها في السنة الأخيرة اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لكيانيهود، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبار ذلك جزءاً من عملية السلام. حيث قال: (الولايات المتحدة مصممة على المساهمة في تسهيل إبرام اتفاق سلام مقبول من الطرفين)، وأنه(سيبذل كل ما يستطيع للمساعدة على إبرام اتفاق من هذا النوع(. وكان من هذه المساعي أيضا قرارات (قمة الظهران) في السعودية 15/4/2018 التي تدعو إلى حل قضية فلسطين على أساس قرارات هيئة الأمم، والاعتراف بكيان يهود، وبأن القدس عاصمة لدولتين... ومن هذه المساعي السياسية ما تقوم به تركيا؛ حيث استضافت القمة الإسلامية في إسطنبول بعد قمة الظهران 18/05/2018 وكان من قراراتها: (المطالبة بقوات حماية دولية، والدعوة لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية).
3- ممارساتيهود على الأرض، دون اتخاذ إجراءات دولية فاعلة ضدهم. ومن هذه الممارسات؛ ما قام به يهود من قرارات ضم القدس، والدعوة لضم المستوطنات إلى كيانهم؛ حيث صوتت الكنيست اليهودية 28/1/2018 على قانون حظر التفاوض على مدينة القدس، أو التنازل عن أي أجزاء منها، أو تقسيمها في أي تسوية مستقبلية، كما يشترط القانون موافقة 80 نائبا في الكنيست، أي ثلثي النواب البالغ عددهم 120 نائبا، قبل إمضاء أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وصوتت اللجنة المركزية لحزب الليكود نهاية 2017 على مشروع قرار لضم كل مستوطنات الضفة الغربية - وامتداداتها في مناطق ج - لكيانهم. ودعت للتصويت عليه في الكنيست في العام الجديد 2018.
إن هذه الممارسات والأعمال سواء منها الدولي أو الإقليمي، أو على الأرض داخل فلسطين؛ لتدلل بصورة لا تقبل التأويل أن المؤامرة كبيرة وقريبة، وأنها تهدف إلى تمليك ما تبقى من أرض فلسطين ليهود؛ مقابل تمرير (صفقة القرن)، وبالتالي يصبح أهل فلسطين داخل كانتونات؛ معزولة ومنفصلة عن بعضها دون تواصل جغرافي، وبلا سيادة ولو جزئية.. مع استمرار تمدديهود على الأرض واستمرار بناء المستوطنات؛ وذلك كمقدمة لسيطرةيهود الكاملة على ما تبقى من فلسطين.
إن الأمر الأخطر من هذا وذاك؛ في هذه الصفقة الإجرامية؛ هو أنها ضمن مخطط إقليمي ودولي يهدف لمكافحة الإسلام السياسي؛ وذلك بإنهاء الصراع اليهودي العربي، وجعل كيانيهود ضمن منظومة المنطقة في هذا العمل الإجرامي، وبتعاون مكشوف وصريح مع الدول القائمة في العالم الإسلامي. فهل ستنجح هذه الشرور والمكر الدولي والإقليمي بخصوص قضية فلسطين، وقضية مكافحة الإسلام؟
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: لقد أراد الغرب وبمساعدة الدول الإقليمية شرا من إنشاء كيانيهود في قلب العالم الإسلامي. حيث كان الهدف هو المساعدة في حرب الإسلام، والحيلولة دون عودته مرة أخرى إلى واقع الحياة. ولكن السحر انقلب على الساحر؛ إذكان اغتصاب يهود لأرض الإسراء والمعراج سببا في تنبه مشاعر المسلمين للإسلام، وللأقصى والمقدسات. وكان ذلك حافزا لقيام حزب إسلامي من فلسطين حزب التحرير 1953م؛ يعمل لتحرير الأقصى عن طريق إعادة مجد الإسلام.. واليوم تتكرر نفس المسرحية الإجرامية في الكيد والمكر للإسلام وأهله.. والله أسرع مكرا من مكرهم.. فهم يدبرون أمراً، والله يريد غير ذلك. فالله عز وجل سيجعل من هذه المؤامرات الإجراميةالمتواصلة بحق الأرض المقدسة وبحق مسجدها الأقصى وشعبها المسلم المرابط الأبي، سيجعل من ذلك فاتحة خير في لمّ شمل هذه الأمة لإنقاذ الأقصى؛ بوحدة الأمة ورجوعها إلى دينها وحضارتها وتاريخها العظيم؛ الذي حرر الأقصى وحافظ عليه سنوات عديدة. وقد توعد الحق تعالى في سورة الإسراء فساد يهود والنصارى، ومؤامراتهم ضد الإسلام والمسلمين بالعذاب على أيدي المؤمنين المخلصين... قال تعالى: ﴿عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾.
رأيك في الموضوع