لقد حدثت مؤامرات عديدة عبر السنوات السبعين الماضية؛ من أجل تثبيت كيان يهود، وخداع الأمة وصرفها عن الهدف السامي لتحرير فلسطين وإنقاذها من براثن يهود. وكان من أبرز هذه المؤامرات الجديدة؛ لتثبيت كيان يهود بإيجاز:
1- قام حكام المسلمين عبر سنوات طويلة؛ أي منذ اغتصاب الإنجليز ويهود لأرض فلسطين بتضليل الشعوب للحيلولة دون تحرير فلسطين.. فخدعوا الحركات الجهادية داخل فلسطين في بداية الأمر بأنهم يريدون تحريرها، وما عليهم إلا أن يُسلموا الأمور لقيادة الجيوش العربية المشتركة، ويسلموا أيضا أسلحتهم لها... وإذ بالقيادة العربية المشتركة تسلم فلسطين ليهود سنة 48، ثم حصلت بعد ذلك ما تسمى بنكسة سنة 67 وسُلمت باقي فلسطين ليهود؛ بما فيها المسجد الأقصى المبارك.
2-في مؤتمر القمة العربي الطارئ المنعقد في الإسكندرية سنة 1946 أكدت دول الجامعة على عروبة قضية فلسطين، واعتبرتها في قلب القضايا العربية الأساسية، وأن مصير فلسطين مرتبط بمصير دول الجامعة العربية كافة، وأن ما يصيب عرب فلسطين يصيب شعوب الجامعة العربية ذاتها.. وجعلت قضية فلسطين قضية عربية مركزية حسب قرار الجامعة العربية سنة 1950؛ والذي نص على: (اعتبار كيان يهود خطرا مشتركا على البلاد العربية، وأن واجب الدفاع عن فلسطين هو واجب مشترك (معاهدة الدفاع المشترك)...) وعملت الدول العربية على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 بقرار من جامعة الدول العربية في مؤتمر القمة العربي العادي الأول في القاهرة سنة 1964.. وقد نص ميثاق هذه المنظمة سنة 1964 في المادة (13-14): (إن واجب تحرير فلسطين يقع على الدول العربية جميعا، وليس فقط على أهل فلسطين)، ولكن هذه المواثيق الغليظة، والقرارات الرنانة قد جرى تغييرها أو شطبها نهائيا؛ فأصبحت قضية فلسطين بعد ذلك قضية فلسطينية بدل عربية؛ حيث صدر أول قرار عربي يتخلى عن واجب تحريرها في قمة الرباط سنة 1974، وجاء فيه: (إن قادة الدول العربية؛ يؤكدون حق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطة وطنية مستقلة؛ بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية؛ (بصفتها الممثل الشرعي الوحيد) للشعب الفلسطيني، على كل أرض يتم تحريرها)، ثم أصبح واجب تحريرها بعد ذلك غير موجود؛ لا في مواثيق الجامعة العربية، ولا منظمة التحرير... وأصبح السلام مع كيان يهود هو الاستراتيجية الجديدة؛ بدل استراتيجية التحرير والعمل العسكري؛ سواء في قرارات الجامعة العربية أم في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الجديدة... حيث نص قرار الجامعة العربية في قمة بيروت 2002 وقمة الظهران 2018: (إن السلام مع يهود هو استراتيجية وليس تكتيكا.. وإن القرارات الدولية وخاصة قرار 242 هو الأساس لأية تسوية سلام مع اليهود، وإنه لا مانع من اقتسام القدس مع اليهود...) ونصت قرارات الجامعة العربية كذلك، وقرارات المجلس الوطني المتتالية على إمكانية إقامة سلام مع اليهود؛ على أساس القرارات الدولية؛ مقابل الانسحاب من أراضٍ احتلت سنة 67 وإقامة دولة فلسطينية؛ وكانت أولى الخطوات في مؤتمر المجلس الوطني المنعقد في الجزائر 1983 حيث جاء فيه: (قبول مشروع قرارات قمة فاس)؛ وهو انسحاب كيان يهود من الأراضي التي احتلها عام 1967 وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وحق اللاجئين في العودة (أو التعويض)، والسلام بين الدول العربية وكيان يهود...) ثم عقدت الدورة التالية للمجلس الوطني في عمان 1985، وكان من أهم قراراتها: (قبول مبدأ الأرض مقابل السلام، وموافقة المنظمة على عقد (مؤتمر دولي للسلام)، تحضره كل الأطراف بما فيها كيان يهود، (ونبذ الإرهاب) من قبل منظمة التحرير...) وعبارة (نبذ الإرهاب) كانت تشير إلى العمل العسكري ضد اليهود... وانعقد بعد ذلك مؤتمر الجزائر للمجلس الوطني سنة 1991؛ والذي سبق مؤتمر مدريد للسلام؛ حيث كان أهم قراراته: (ضرورة انعقاد مؤتمر مدريد على (أساس القرارين 242 و338 تحت شعار الأرض مقابل السلام..) وجاءت بعد ذلك الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني سنة 1996 في مدينة غزة التي ألغيت فيها أغلب بنود الميثاق الوطني، وأكد على احترام معاهدات السلام مع كيانيهود؛ حيث جاء في قراراته: (التزام منظمة التحرير لاتفاق إعلان المبادئ (أوسلو 1) والاتفاق الموقع في القاهرة، ورسائل الاعتراف المتبادلة الموقعة في 9، 10 أيلول 1993، والاتفاقية (الإسرائيلية) الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو 2) الموقعة في واشنطن 1995 الذي وافق على اتفاقية أوسلو وجميع ملحقاتها؛ إذ يستند إلى المبادئ التي انعقد على أساسها مؤتمر مدريد للسلام ومفاوضات واشنطن... وكان من قرارات هذه القمة تعديل الميثاق الوطني بإلغاء المواد التي تتعارض مع الرسائل المتبادلة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة (إسرائيل) يومي 9، 10 أيلول 1993م... (ويكلف المجلس الوطني الفلسطيني اللجنة القانونية؛ بإعادة صياغة الميثاق الوطني ويتم عرضها على المجلس المركزي في أول اجتماع له...).
إن الأمر لم يقف عند حد الاتفاقات مع منظمة التحرير، وإقامة سلام مع يهود في أوسلو سنة 1993، وإنما تعدّى ذلك إلى كثير من الأنظمة العربية؛ فأقامت علاقات سلام واتفاقات مع كيانيهود - قبل أوسلو وبعده -؛ منها عسكري ومنها سياسي ومنها تجاري... وغير ذلك. وكان أبرز تلك الاتفاقات ما قام به النظام المصري من توقيع معاهدة سلام مع كيانيهود سنة 1979 (كامب ديفيد)..وتبع ذلك التطبيع والعلاقات التجارية والأمنية، وفتح السفارة في القاهرة.. وقام النظام الأردني بتوقيع معاهدة (وادي عربة)؛ بعد أوسلو مباشرة سنة 1994، واحتوت بنودا تتعلق بالتطبيع وإقامة العلاقات والتمثيل السياسي والتجاري.. وغير ذلك.. وفتحت موريتانيا سفارة يهودية في نواكشوط سنة 1999 ثم تبع ذلك الإمارات سنة (2008- 2009) حيث أعلنت وزارة الخارجية في كيان يهود افتتاح ممثلية دبلوماسية لدى وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة (إيرينا)؛ التي تتخذ من أبو ظبي مقرا لها... وقامت قطر أيضا سنة 1996 بتوقيع اتفاقية بيع الغاز ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب، وافتتاح المكتب التجاري اليهودي في الدوحة... وفي سنة 1996، فتح كيانيهود مكتبا للتمثيل التجاري في سلطنة عمان لتطوير العلاقات الاقتصادية والعملية والتجارية... وفتحكيانيهود مكتب ارتباط في العاصمة المغربية الرباط في تشرين الثاني/نوفمبر 1994، وفتح المغرب مكتبه في كيانيهود بعد ذلك بأربعة أشهر أغلق بسبب الانتفاضة..وفي سنة 1996، فتحكيانيهود مكتبًا لرعاية المصالح في تونس، وردت تونس بخطوة مماثلة بعد ذلك بستة أسابيع في أيار/مايو 1996، لكنها قامت بإغلاقه بسبب الانتفاضة الفلسطينية... أما تركيا فإنها تقيم علاقات كاملة مع كيانيهود تشمل العلاقات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، والتجارية وغير ذلك من علاقات...
إن فصول المؤامرة على فلسطين وأهلها لم تقف عند هذا وذاك؛ فما زالت أطماع يهود هي في الاستيلاء على كل أرض فلسطين، وتهجير المتبقي من سكانها، ورفض عودة أحد من أبنائها المهجرين. وإن العالم الغربي ليعمل بنفس الطريقة التي أضاع فيها فلسطين؛ بتآمر من حكام المسلمين عبر ما يسمى (بصفقة القرن)؛ التي تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في شريط ساحلي على أرض سيناء، وجعل الحلول بخصوص فلسطين حلولاً مؤقتة مرحلية، ليكون ذلك مقدمة لمؤامرة جديدة مستقبلاً؛ وهذه المؤامرة هي العمل شيئاً فشيئاً لجعل سيناء وطناً لأهل فلسطين، وتهجير باقي سكانها منها بطريقة تدريجية؛ تتوافق مع الهجرات اليهودية من أنحاء العالم، ومع الزحف الاستيطاني على ثرى فلسطين...
هذا ما فعله الغرب الكافر وما زال يفعله بخصوص مسرى رسول الله e... وهذه أعمال حكام المسلمين العملاء ومؤامراتهم بخصوص قضية الأقصى، وأكناف الأقصى والمسلمين المرابطين الصامدين على أرضهم وديارهم... فهل سينجح الغرب مستقبلا في تفريغ هذه الأرض من سكانها، وتمليكها ليهود؟
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: لقد حافظ المسلمون على فلسطين عبر التاريخ؛ بعد أن فتحها الفاروق عمر رضي الله عنه.. وخلّصوها من المغتصب أكثر من مرة عبر التاريخ في عهد الصليبيين، وفي عهد المغول، ثم في عهد الصليبيين مرة أخرى.. وفي آخر عهد الخلافة، وهي في أضعف أوقاتها حاول حفنة من اليهود بزعامة زعيم الحركة الصهيونية هرتسل مراراً وتكرارا إغراء حكام الدولة العثمانية بالأموال الطائلة، وتسديد كامل ديون الدولة؛ وخاصة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني للحصول على وطن قومي لليهود فيها.. لكن محاولاتهم كلها باءت بالفشل الذريع فلم ينالوا من أرض فلسطين شيئا.. لقد جعل الكفار من قيام كيان يهود في أرض فلسطين، خدمة لمشاريعهم الاستعمارية لبلاد المسلمين وكان على رأس مشاريعهم الاستعمارية الحيلولة دون عودة الخلافة التي هدموها، وإبقاء الأمة منشغلة بالحروب والقلاقل والتهديدات من قبل هذا الكيان الشرير لصرفهم عن الهدف الرئيسي؛ وهو إقامة الخلافة. ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فنسأله تعالى أن يعجل بعودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.. وأن يكرمنا بتحرير الأقصى وأكناف الأقصى.. وفتح روما بشرى رسول الله e.
رأيك في الموضوع