إنَّ الذي نسعى إليه بصفتنا مسلمين في هذه الحياة الدنيا هو نيل رضوان الله سبحانه وتعالى، وهو السبيل الوحيد الذي يجنبنا عذاب الله سبحانه تعالى في الدنيا والآخرة، وهو السبب الوحيد الذي يمن علينا الله به بالفرج والنصر وبكل ما نتمنى ونطلب، صحيح أنَّ الله ييسر للظالمين بعض ما يسعون إليه ولكن ذلك لا يكون إلا لبعض وقت، وسرعان ما تأتيهم عاقبة أمرهم، فيخسروا الدنيا والآخرة، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾». أما المعادلة مع المسلمين فهي تختلف، فهم إن عملوا بما أوجبه سبحانه وتعالى عليهم فإن الله ناصرهم في الحياة الدنيا ومنجيهم في الآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
من هذا المنطلق أقول، إنَّه بعد مرور 97 عاماً على هدم الخلافة التي كانت تجمع شمل الأمة، يقاتل النَّاس من وراء إمامها ويتقون به، يتكرر السؤال نفسه، متى نصر الله؟ وعلى الرغم من إلحاح المسلمين في الدعاء ليرفع الله عنهم ظلم الظالمين وجور المتجبرين، وأن يحقق لهم الأمن والأمان والازدهار، إلا أن ذلك غير متحقق، فما زال الظالمون يرتعون في الأرض، يذلون ويفقرون عباد الله، مسلمين وغير مسلمين، وإن كانوا يفضلون أن تكون فريستهم من المسلمين، وما زالت أحوال المسلمين تزداد سوءاً، فما كان بالإمكان بناؤه وتحقيقه في السابق على أيدي الأجيال السابقة كاد يصبح مستحيلا تحقيقه في الأجيال اللاحقة، فأصبح المأكل والمسكن والتعليم والتطبيب حكراً على طبقة من الأقلية من الناس، وباقي الطبقات تنهش منها بالقدر الذي تبقيها على قيد الحياة فقط، وسبب ذلك هو ظلم البشر وعدم سيرهم بما يرضي الله سبحانه وتعالى، فأصبح الظالمون هم الآلهة التي تُعبد من دون الله، باتباع أوامرهم ونواهيهم، وليس عبادة العادل سبحانه وتعالى، فكانت النتيجة الفرقة والبؤس والهوان الذي نعيش ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
لذلك كان يجب أن يكون الحل لهذه الفرقة والبؤس والهوان هو بالعودة إلى الملك العادل الذي بيده ملكوت كل شيء، وهذا الذي حصل عند قدوم سيد الخلق محمد e، حيث حكم بشرع الله، فألّف الله بين قلوب المتناحرين الذين دامت الحروب بينهم إلى أزمان وأزمان، من عرب وعجم، فرسهم ورومهم ومغولهم وتترهم، وأصبح النّاس يعيشون في رغد من العيش، أكلاً ومسكنا وتطبيبا وتعليماً، ولم يُرْوَ أن عاش الناس في ضنك العيش على مدار حكم الإسلام لهم لما يزيد عن الثلاثة عشر قرنا، بل كان رعايا الدولة الإسلامية من المنعمين وكانت تفيض ثرواتهم حتى على خارج حدودها، فكانت الدولة الإسلامية تغيث الجوعى في العالم حتى في أوروبا التي كانت تناصبها العداء، وكانت الأمة سبّاقة في التعليم والتطبيب، حيث كان العلم الذي أنتجته الحضارة الإسلامية الأساس المتين الذي بنى الغرب تقدمه الصناعي عليه، ولولا علم المسلمين لما تحقق للغرب أيّ تطور حديث علمي يذكر، وهذا بشهادة الغربيين المنصفين أنفسهم، حتى وصل الحال أن أرسل قائد المسلمين صلاح الدين الأيوبي، طبيبه الخاص ليعالج خصمه في المعركة "ريتشارد" وهو الذي كانت تسيل دماء المسلمين على سيفه. لذلك يصدق في حقنا قول الإمام مالك رضي الله عنه "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وهذا القول إن لم يكن من كلام النبوة إلا أن عليه مسحة منها ولمحة من روحها وومضة من إشراقها.
على الرغم من طول غياب صرح الإسلام العظيم، الخلافة، التي تصلح حال البشرية جمعاء ومنهم المسلمون، كما صلح به حالهم أول البعثة الشريفة، إلا إنّه لا بديل للبشرية، ولا أقول للمسلمين فقط، وإن كان الواجب آكد على المسلمين لأنّهم أصحاب هذا الدين، لا بديل عنه، ولا بديل للأمة عن العاملين المخلصين لهذه الغاية وخصوصا الواعين على أصول وفروع وتفاصيل الحكم بالإسلام ورعاية شئون الناس بأحكامه من شباب حزب التحرير، ويجب أن يكون جليا في أذهاننا جميعا أننا ندعو إلى الالتفاف حول هؤلاء الثلة طاعة لله سبحانه وتعالى، فخيارهم الخيار الوحيد لا غير، فسفينتهم هي سفينة النجاة لديننا ودنيانا، ومهما تعالت الأمواج وتلاطمت السفينة فيها، فإنه يجب أن لا يجعلنا نفقد الثقة والإيمان بنصر الله سبحانه وتعالى، فالخروج من السفينة والبحر هائج لا شك أن مصيره الغرق، والركوب فيها هو لا شك سبيل النجاة الوحيد. ﴿...وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾.
إن بناء صرح الإسلام من جديد بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة أمر عظيم، لا يقوى عليه إلا الرجال الرجال، الذين تهون في أعينهم الحياة لمرضاة الله سبحانه، لذلك كان أجره عظيماً وهو نوال الفردوس الأعلى، وإن كانت تبدو النصرة التي يحتاجها العاملون المخلصون لإقامة الخلافة من جيوش المسلمين مطلباً عظيماً، لما فيه من صعوبات ومخاطر، إلا أن أجره أعظم، وغاية لا يسعى إليها إلا العظماء من البشر، فهو شرف حقيقي ونيشان حقيقي ليس كالنياشين التي يعلقونها على صدورهم، لخوضهم معارك مع طواحين الهواء أو دفاعا عن الأنظمة الظالمة أو في حروب للتمكين لخطط الاستعماريين في بلاد المسلمين، لذلك يجب أن يعي المخلصون في جيوش المسلمين دورهم الحقيقي في نصرة أمتهم ودينهم، وأن تصلهم الرسالة واضحة، "أنتم أحفاد سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسعد بن زرارة وأسيد بن حضير، فكونوا أنصار الإسلام اليوم كما كان أجدادكم أنصار الإسلام بالأمس، أطيحوا بحكام الضرار، وأقيموا دولة الإسلام".
رأيك في الموضوع