"بكيتُ كما لم أبكِ من قبل، صرخت، كبّرت، ناديتُ المعتصم وصلاح الدين، قلت وا رباه، وا إسلاماه، وا معتصماه، لم تجبني سوى جدران الزنزانة بصدى صوتي". كانت هذه هي الكلمات التي تحدثت بها المرابطة المقدسية خديجة خويص بعد اعتقالها الأخير حيث نُزع عنها خمارها وجلبابها. كما تُمارس ضدها وضد بقية النساء المقدسيات صنوف شتَّى من الإهانة والتنكيل.
هذه الانتهاكات وثّقها بيان صحفي صادر عن وزارة شؤون المرأة والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، منتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف والتجمع النسوي المقدسي. نشرته وكالة معا بتاريخ 23/11 حيث ذكر البيان ما تتعرض له نساء القدس من اعتقال وتهجير وأُسَرَهن من بيوتهن، وفرض الحبس المنزلي على أطفالهن بحيث يُجبرن على أداء دور الجلاد عليهم... وغيرها من الانتهاكات.
هذا التقرير يُبرز الحالة الطبيعية بين يهود وأهل فلسطين. فرغم كل المحاولات لتقزيم قضية فلسطين وفرض الحلول السياسية التطبيعية، وليس آخرها المصالحة التي تمَّت بين فتح وحماس وتم فيها الاتفاق على الدخول في مفاوضات جدية مع يهود والالتزام بالحل السلمي وتسليم سلاح المقاومة، إلا أنّ يهود مستمرون بعنجهيتهم وجبروتهم، مصرِّون على غيِّهم في معاداة أهل فلسطين.
إنّ الاعتداءات التي تتعرّض لها نساء فلسطين في ظلّ الاحتلال، أكبر من أن توجزها الكلمات وإن طال السّرد. فما ذكره البيان الصحفي هي أمثلة موجزة تخفي خلفها الكثير من المعاناة التي اكتوت بنارها نساء فلسطين. لكنَّ الذي نستنكره أكثر من إجرام الاحتلال هو أن تُصنف هذه الوحشية ضمن ملفات العنف ضد المرأة، وتُطلق ضمن حملة بمناسبة حملة عالمية لمكافحة العنف ضد المرأة! فهل اعتداء المحتل اليهودي على المسلمات في فلسطين هو مجرد عنف ضد المرأة؟! أم هو اعتداء ضد المسلمين جميعاً في أرض الإسراء والمعراج، وتتلقى المرأة منه نصيبها مثلها مثل الرجل؟!
والصادم أن تتوجّه هؤلاء القائمات على إطلاق البيان الصحفي، بالاستنجاد بمن مكَّن يهود من فلسطين حتّى ينقذوهنّ من نيران يهود، ويطلبن المساعدة ممّن يدعم الأعداء ليل نهار ويمدُّهم بالمال والسّلاح والدّعم السّياسي الدّولي ضدّ المسلمين في فلسطين وخاصّة المقدسيّين. إنّ حال من يتوجّه إلى المجتمع الدّولي ليجد عنده خلاصاً هو كالمستجير من الرّمضاء بالنّار!
لقد استنصر أهل فلسطين في الماضي بالحكام العرب، وتأملوا خيراً في صدام وعبد الناصر وغيرهما، وتأملوا في أردوغان وملك الأردن "الوصي" على الأقصى... فإذ بكل الحكام يخذلونهم ولم نتوقع منهم غير ذلك. فها هو وكيل وزارة الدفاع الإماراتية يصرِّح - معبراً عن غيره من الحكام في بلاد المسلمين - في فيديو انتشر عبر شبكات التواصل أن الإمارات وكيان يهود هما كالإخوة الذين يأتمرون بأمر أخيهم الأكبر "أمريكا" وقال حرفياً: "إذا قالت لنا أمريكا لا تتقاتلوا فلن نتقاتل". فهل هذه حكومات يُنتظر منها تحرير البلاد وحماية الأعراض؟!!
أما المجتمع الدّولي الذي تناشده النسوة في تجمعهن فهو الذي يغطّي على جرائم البوذيّين في بورما الذين ينتهكون أعراض أخواتنا المسلمات. وهو الذي تعامى عن انتهاك أعراض المسلمات في الشام والعراق والبوسنة من قبل، فكيف نلتجئ لمن يقتل إخوتنا وأهلنا؟! أليس المجتمع الدولي هو الذي يبارك يهود ويعطيهم الحقّ في فلسطين؟ ويسمح لهم بقتل أطفالنا واعتقالهم والتّنكيل بهم؟
إنّ حلّ قضيّة فلسطين، لا يكون عبر القرارات السّياسيّة في أروقة المجالس الدّوليّة، بل هي قضية إسلاميّة تستوجب تحرّك الجيوش لتحريرها؛ تحرّكاً يؤدّب يهود ويستأصل شأفتهم فلا يجرؤون بعده على مجرّد التّفكير في إيذاء مسلمة أينما كانت في بلاد المسلمين. وإنَّ هذا وعدٌ نرقبه بعين الواثق بربِّه، المنتظر نصره. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بقلم: بيان جمال
رأيك في الموضوع