منذ باكورة ثورة أهل الشام وطليعة مظاهراتهم ضد طاغيتهم لم يستشعر أهل الشام حاجتهم لقيادة سياسية تهديهم السبيل وتدلهم على خطوات الطريق وترشدهم إلى الحلول الناجعة للمشكلات التي يمكن أن تواجههم أثناء سيرهم، والسبب في ذلك أن المرحلة الأولى للثورة عاينها أهل الشام بتفاصيلها، فقد عاش أهل الشام أحداث مظاهرات تونس ومصر خطوة بخطوة ويوما بيوم وصار مؤكدا لهم أنه إذا خرج الناس في مظاهرات وحافظوا على سلميتها واستمراريتها ودفعوا بها لتثبت في مواجهة قمع النظام فإن ذلك سيدفع رأس النظام حتما لمغادرة البلاد أو التنحي، وهذه النتيجة في حينها كانت مقبولة لدى أهل الشام يومئذ. ولذلك لم يلمسوا أهمية للقيادة السياسية ولم يدركوا ضرورتها، وكان من يقود المظاهرات في الشام ليس شخصا محددا بل لم تكن تتأثر المظاهرات بتغير من يقودها ويسير في مقدمتها...
وفي المرحلة الثانية من الثورة ونتيجة لبطش النظام وإجرامه اندفع الشباب المسلم في ثورة الشام لحمل السلاح دفاعا عن حرماتهم وحماية لأنفسهم وأهلهم وأعراضهم، فاتجهت الثورة كردة فعل على بطشه إلى التسلح فصارت الفصائل وكثرت المعارك وما لبثت أن تحررت القرى والمدن والمناطق...
وفي هذه المرحلة كان أهل الشام لديهم تصورهم عنها، فبالرغم من سعيهم وحرصهم على سلمية الثورة وعدم تسلحها إلا أنهم أدركوا متطلبات الجهاد لما وقع عليهم فرضه وتهيأوا له، فتراهم يومها لا يشعرون بحاجتهم لقيادة سياسية لهذه المرحلة بل ولا يشعرون بأهميتها، فالعمل المطلوب هو الجهاد وصوت السلاح يعلو فوق كل صوت، والجهاد لا صعوبة في فهم معادلته، فخروج المجاهدين لقتال عدوهم المحدد والوحيد وهو النظام وقتها واستمرار قتالهم له للوصول إلى دمشق كفيل بإسقاط النظام واقتلاعه من جذوره، وكل هذا معلوم ومعروف لدى أهل الشام فلا يستدعي بنظرهم وجود قيادة سياسية لتدلهم عليه، لذلك لم يتفاعلوا مع دعواتهم لاتخاذ قيادة سياسية!
لكن الغرب أدرك خطورة ثورة الشام على مصالحه فاستنفر جهوده وصبها في منع إقامة أي عمل عسكري تتوحد الفصائل عليه ويسير بالمجاهدين الصادقين إلى دمشق عاصمة النظام لإسقاطه.
ولاحتواء الموقف لجأ الغرب إلى تقديم الدعم والمال عن طريق بعض أنظمة العرب والمسلمين، ولما ركن المقاتلون لدعم الغرب حينها انخدع الكثير من القادة به وصدقوا نفاقه.
ثم شيئا فشيئا صار الداعمون يختارون القادة الذين يتعاملون معهم ويحددون لهم المعارك والخطط والذخيرة وما يعرف بفاتورة المعركة ونفقاتها، ثم ما لبثوا أن وقعت الفصائل في مطبات مطالب الداعمين التي كانت على استحياء في البداية ثم صارت بلا حياء جهارا نهارا أوامر تفشيل المعارك، وأوامر تسليم المناطق، وأوامر مقاتلة الفصائل، وأوامر الهدن والمفاوضات ووقف إطلاق النار والتوجه للمؤتمرات...
في هذه المرحلة اختلطت الأمور على الفصائل وتكبلت بالهدن وارتهن قرارها للداعمين وانكشفت ارتباطات القادة مع دول الدعم فتعثرت الثورة وتعقدت الأمور عليها...
وهنا أدرك أهل الشام حاجتهم لقيادة سياسية واعية مخلصة خبيرة ترشدهم إلى الطريق وتدلهم على الخير وتسهل عليهم وعورة المسير وتحذرهم من مكائد الغرب ومؤامراته وتفضح عملاءه وتكشف خططهم...
ولكن من هي الجهة التي تمتلك هذه المواصفات والتي يمكن أن تقبل بها ثورة الشام لتكون قيادة سياسية لها؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل لنلقي نظرة على مسيرة الغرب في سعيه لإيجاد قيادة سياسية للثورة موالية له تساعده على إرساء حله السياسي الذي يبقي على عميله ويحافظ على نفوذ أمريكا في الشام ويحمي مصالحها.
في بداية الثورة أظهر الغرب على وسائل إعلامه بعض الشخصيات السياسية ولمّع بعضها من خلال إظهارهم واستعراض مواقفهم، ثم دفع الغرب بعضهم لتشكيل الائتلاف لكي يجعل منهم لاحقاً قيادة سياسية، ولما لم يُثِرْ كل ذلك اهتمام أهل الشام أرادت أمريكا جمع الشخصيات السياسية كلها في هيئة فقام روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا بجمعهم في قطر مع شخصيات أخرى بلغ تعدادها ما يقارب 400 شخصية، وإمعانا في تضليل الناس ولأن الغرب يدرك توجه الثورة نحو الإسلام عمد فورد لأن يكون في رئاسة الائتلاف شيخ مشهور وهو الشيخ معاذ الخطيب. لكن الثورة لم تكترث لهذا التجمع ولم تعتبره أنه منها ولم تأبه لهذه التوسعة للائتلاف وهي مدركة أن الغرب هو من يقف وراءهم...
لاحقا دفع الغرب ليكون للائتلاف وجود على الأراضي المحررة فصارت له مراكز تعليمية ومراكز لتوزيع بعض الإعانات ومراكز فيها بعض الموظفين، ثم تطورت المسألة لحكومة مؤقتة ولها بعض المراكز وبعض ما يطلق عليه وزارات وهيئات، وكل ذلك أيضا لم يجعل للائتلاف قبولا عند أهل الشام رغم مشاركة الإخوان المسلمين فيه وفي الحكومة المؤقتة...
وفي المرحلة التالية عمد الغرب إلى إبراز قيادات عسكرية مختارة أخذت صبغات سياسية وتم توجيهها للمشاركة في المؤتمرات الخارجية لإبرازها... ناهيك عن هيئات ومجالس تكونت لتكون قيادة سياسية وممثلة عن الشارع الثوري لكنها أخطأت التمثيل وأخطأت التوجه إذ فتحت سبلا مع الدول الخارجية...
وفي مؤتمر الرياض الأخير تم إعداد لائحة تشمل معارضة الداخل والخارج لتمثل الثورة لتكون من يوقع على الحل السياسي لكن بوادر فشلها بانت منذ البداية.
وزيادة في الربط بين القيادات العسكرية والسياسيين ولكي تلمع القيادة السياسية صنيعتها قد تعمد أمريكا بعد أن قررت وقف دعم الفصائل عبر غرف الدعم، قد تعمد إلى تحويل هذا الدعم ليكون من خلال هذه الهيئات السياسية فيكون لهم يد على العسكريين وبذلك تبرز قيادتهم السياسية.
وحتى لا يتكرر مع أهل الشام ما حصل لإخوانهم في فلسطين، ولكي تصل ثورة الشام إلى هدفها بأقصر الطرق، عليها أن تسارع إلى:
1-أن تتخذ من حزب التحرير قيادة سياسية لها.
2-أن تتبنى مشروع الدستور الذي أعده حزب التحرير .
3-أن تبعد كل القادة المرتبطين مع الدول وترفضهم وتلفظهم وتختار لها قيادة عسكرية مخلصة توحد المجاهدين الصادقين وتسير بهم من أقصر الطرق إلى دمشق.
4-أن توطن نفسها للاعتماد على قدراتنا وإمكانياتنا ومن قبل صدقنا مع الله، فعلى ذلك يتنزل علينا نصر الله.
فحثوا الخطا يا أهل الشام والله من ورائكم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون
بقلم: المهندس كامل الحوراني
رأيك في الموضوع