من أخطر خطط الغرب في البلاد الإسلامية وأخبثها أنهم أعطوها التحرر من الاحتلال العسكري، لكنهم احتلوها فكريا وثقافيا، فقد شرّبوا أتباعهم من التغريبيين الأفكار والعادات والمفاهيم التي تخالف العقيدة والشرع وسرّبوها عن طريقهم على أنها وسائل النهضة والتقدم والرقي للحاق بركب الأمم المتقدمة، وأن الإسلام هو سبب التخلف والأوضاع السيئة التي يعيشونها. وكانت المرأة وما زالت محورا رئيسيا في هذا الأمر. وكان اللباس الشرعي الذي يعبر عن هويتها الإسلامية أحد أهم هذه الوسائل بربطه مع اضطهاد المرأة وانتقاص مكانتها وحقوقها في المجتمع، وأن هويتها الخاصة ناقصة وغير حضارية بارتدائه... وكان هذا أيضا في الغرب مع المسلمات القاطنات هناك... حيث وظف الإعلام الغربي المرأة المسلمة "المحجبة" كأداة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين بهدف نقضه كدستور ومنهج وتشريع، واعتبار الدين حجر عثرة في طريق تقدم المرأة، وكرمز لاضطهادها، وكأنها دعوة إلى رفع وصاية الدين عن المرأة: والشواهد على ذلك كثيرة.
ولنأخذ أفغانستان مثالا على الحرب الغربية على هوية المرأة المسلمة. فبعد تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفييتي كان الحجاب من أهم الأشياء التي عمل الاحتلال الأمريكي على طمسها بكل السبل. وكما رأينا في قنوات CNN، وBBC NEWSالتي سلطت الضوء على "تحرير" المرأة الأفغانية من الحجاب بعد ذهــاب طالبان... وكذلك خطاب الســيدة بوش الإذاعي، الـذي أوردته قناة CNNحيث وصفت حياة المرأة في أفـغانسـتان "بالقاسية والمهينة، حتى إن إظهار القليل من المتعة غير مسموح به، فالنساء يواجَهن بالعقــاب عندما يضحـكن بصوت مرتفع، ولا يستطعن العمل خارج المنزل ولا حتى ترك البيـت بمـفردهن". أما ما أفرزته الحرب الأمريكية على أفغانستان بعد ذلك من معاناة مريرة لملايين النساء الأفغـانيات والحياة القاسية المثقلة بالخوف والمرض والجوع، وقضــاء فصل الشتاء بأكمله في مخيمات أشبه ما تكون بمخيمات الموت، كل ذلك لم يشكـل محور اهتمام لوسائل الإعلام الغربية، فتناولته بصورة سريعة وعابرة!!
وفي الآونة الأخيرة شنّت فتيات ونساء أفغانيات حملة عبر الإنترنت مع وسم "أين اسمي؟" تسعى إلى تعزيز هوية النساء وإبراز دورهن، حيث إن المتوارث الاجتماعي هناك يمنع ذكر النساء بأسمائهن، والرجال الأفغان قد يشعرون بالعار إن نوديت نساؤهم بأسمائهن، ومن الجمعيات التي تنادي بذلك "شابات من أجل التغيير"، والتي تعمل تحت رعاية سفارة أمريكا في كابول!!
ومع أن هذا التقليد ليس له علاقة بالدين، فرسولنا e كان ينادي نساءه بأسمائهن... ولكن تناوله هكذا يسير في اتجاه تجاهل التركيز على الهوية الإسلامية للمرأة الأفغانية، فكان من الأوْلى أن تكون الحملة "أين هويتي كامرأة مسلمة؟" أو على الأقل "أين حجابي؟" مع "أين اسمي؟" فليت هؤلاء الفتيات والنساء "الناشطات" يعملن لمواجهة محاولات طمس الهوية الإسلامية للمرأة في أفغانستان بمحاولة تغريبها عن قيم الإسلام وأفكاره ومظاهره بحجة التغيير والتطوير والتقدم!! وليتهن يعملن على التوضيح أن أسلوب الاحتقار والنظرة الدونية للمرأة ليس بسبب أحكام الإسلام، بل بسبب التقاليد البالية والبعد عن تطبيق الإسلام الحقيقي الذي كرّم المرأة.
ولكن هذا لم يحصل لأن هذه الجمعيات مدعومة من الغرب مثل منظمة "شابات من أجل التغيير" والتي تعمل تحت رعاية سفارة أمريكا في كابول، والتي شعارهاالكفاح لاسترجاع حقوق المرأة المسلوبة منها منذ عقود، ولكن نشاطاتها تسعى للتغريب مثل تمكين المرأة وإخراجها من دورها الأصلي... وكذلك قيامها بتنظيم حفلات عروض أزياء، وأنشطة أخرى وتظاهرات تسعى إلى تكريس النموذج الغربي للمرأة وأنه النموذج الذي يحتكم إليه...
نعم، إن التعليم والعمل ضمن الأحكام الشرعية من حقوق المرأة لكن ليس للاستغناء عن الرجل أو جعلها منافسة له، أو جعل دورها امرأة عاملة فقط. وإننا هنا نسأل الذين ترتفع أصواتهم بحقوق الإنسان وحقوق المرأة فقط حينما يتعلق الأمر بأحكام الشرع، أين حقوق المرأة - والتي تنتهك فيها أبسطها وهي حياتها وكرامتها - في فلسطين والعراق وسوريا وميانمار وكشمير... وغيرها من البلاد والمناطق في العالم؟! وفي بلاد الغرب التي تدعي الديمقراطية تُحارب فيها المرأة برمز هويتها الإسلامية وهو لباسها الشرعي وخمارها بحجة (الإرهاب)!! فأين الحرية وأين الحقوق؟!
ولكن الخير والوعي موجود في كثير من النساء المسلمات، فقد جاء في تحقيق مطول في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور أن مجموعة من الطبيبات والمعلمات الأفغانيات أكدن أنهن وبعد ذهاب طـالبان لم يتخلين عن حجابهن، وما تناقلته وسائل الإعـلام الغربية عن تخليهن عنه غير صحيح، وأن أحكـام الإسلام يتبعها المسلمون في أفغانستان طوعاً رجالاً ونساء، ولم تُفرض بحد السيف كما يصورها الإعلام الغربي. واستشهد التقرير برأي إحدى الاستشاريات المسلمات التي علقت على التدخل الغربي المكثف في شؤون المرأة الأفغانية بقولها: "إذا كانت المرأة في أفغانستان متضايقة من وضعها، فهي التي لها الحق في تغيير هذا الوضع وليس أنتم، نحن كمسلمات نريد أن يكون التغيير بطريقة تتماشى مع ثقافتنا ولا يكون التغيير ضدها".
فأيتها الأخوات المسلمات في كل مكان، وخاصة في أفغانستان: تمسكن بهويتكن الإسلامية من خلال التمسك بالفكر الإسلامي النقي وأحكام الله، ولا تركنَّ إلى أفكار الكفر... احذرن من الحرب الشرسة على الإسلام من خلالكن، وكنَّ واعيات على الشّراك التي ينصبونها لكنّ ويصورونها أنها هي حبل النجاة وهي فعلا هاوية سحيقة ندعوكن أن لا تقعن فيها.
واعملن بجهد لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستجلب العدل للإنسانية وتحررها من تبعيتها العمياء للرأسمالية، وتنشر الخير والعدل في ربوع العالم الإسلامي، بل العالم أجمع. ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
بقلم: مُسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع