منذ مئات السنين، لم تخمد نار الحقد البوذي التي يكتوي بها مسلمو الروهينجا، لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بربهم وقبضوا على الجمر ورفضوا مساومة القوم لهم على دينهم.
رياح الإعلام المفتوح ووسائل التواصل الإلكتروني هي صاحبة الفضل في النفخ على ذلك الرماد على جمر الهندوس، ولذلك الإعلام الفضل في إطلاع البشرية على تلك الجرائم الفظيعة التي يتعرض لها الروهينجا، وكسر الحصار الذي كانت تفرضه حكومات ميانمار المتعاقبة.
في ظل طغيان القوة والدعم الدولي الذي يتمتع به بوذيو ميانمار من جهة، وضعف الروهينجا وتخلي المسلمين عنهم من جهة أخرى، لا ينفع كثيراً الحديث عن التاريخ، والقول إن الإسلام قد انتشر في تلك البلاد في أواخر القرن الثامن الميلادي أيام العباسيين، وأن التجار المسلمين وكما كان شأنهم دائماً هم من حمل دعوة الإسلام إلى أهل تلك البلاد مع بضاعتهم، وأن الروهينجا هم في جملتهم من أحفاد أولئك المسلمين ومن أهل تلك البلاد...
ولا يفيد كثيراً القول إن الجغرافيا السياسية في ذلك الوقت وبعده لم تكن هي نفس الجغرافيا السياسية اليوم، فكانت الناس تنساب في الجغرافيا كما تنساب فيها المياه...
ومن العبث أن تطالب بتحليل نووي لحمض الروهينجيين، لإثبات أنهم ليسوا طارئين وليسوا مستوردين...
كل ذلك لا ينفع لأن القرار البوذي وبغطاء دولي، هو تخيير الروهينجا بين الموت أو الرحيل بلا رجعة، على اعتبار أنهم غرباء ولا يحق لهم العيش والبقاء في تلك البلاد!
مأساة الروهينجا الحديثة ارتكبتها بريطانيا عام ١٩٤٧/١٩٤٨ من القرن الماضي، والتي أعطت يومها بورما استقلالها الصوري بعد استعمارٍ طويل، لكنها وقبل أن تنسحب أسلمت مسلمي الروهينجا في إقليم أراكان للسيطرة البوذية.
جريمة بريطانيا في تلك السنوات في أراكان، كانت قد صنعت أمثالها في مناطق كثيرة ضد المسلمين ومنها فلسطين وكشمير، حيث أسلمت كشمير للهندوس وفلسطين ليهود.
ولا زال النظام الدولي القديم الحديث والذي صنع تلك المآسي حقداً على الإسلام وأهله وحفاظاً على مصالحه، هو من يوفر الغطاء للمجرمين من بوذيين وهندوس ويهود... وحتى لو دخلت دول استعمارية أخرى جديدة وزاحمت القديمة، كما هي الحال بين أمريكا وبريطانيا، إلا أن النهج المعادي للمسلمين لم ولن يتغير.
الأنظمة الوظيفية القائمة في العالم الإسلامي، صنيعة الاستعمار، شاركت في تلك الجرائم ابتداءً أو لاحقاً عبر استبعاد، لا بل محاربة الحل الحقيقي لتلك القضايا المصيرية والمأساوية، ذلك الحل المتمثل في تسخير طاقات الأمة لتحرير تلك البلاد وحماية أهلها والضرب بيدٍ من حديدٍ على المحتلين.
إن عدم التصدي لحل القضايا المصيرية التي تواجهها الأمة، والتي يجب أن يُتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت وقيادة الأمة بكل طاقاتها في الجهاد لحل تلك القضايا، هي أكبر خيانة يرتكبها حكام اليوم، ولا يقلل من تلك الجريمة ذرّ الحكام للرماد في العيون عبر بعض فتات المساعدات الشحيحة التي يقدمونها لضحايا تلك الجرائم، وبدل أن تكون تلك المساعدات - والواجبة على الجميع بطبيعة الحال - لإغاثة الملهوفين حتى تُحل قضيتهم ويعودوا إلى بلادهم، أصبحت تلك المساعدات المسرحية لاحتوائهم وإذلالهم، لتكريس الأمر الواقع، ولذلك ليس من العجب أن شعباً شُرِّد من بلده، لم يعد إليه أبداً.
عندما فقدت الأمة درعها، (الإمام جُنّةٌ)، وعندما أغمدت الأمة سيفها، أمة مجاهدة خلف درعها، تجرأ عليها الأراذل، وفعلوا بها الأفاعيل، وسيستمر ذلك كله، ما لم يعد للأمة درعها وسيفها.
بقلم: المهندس إسماعيل الوحواح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أستراليا
رأيك في الموضوع