أعلن النائب الأول للرئيس السوداني، رئيس مجلس الوزراء، مساء الخميس ١١/٥/٢٠١٧م، حكومة جديدة باسم "الوفاق الوطني" مشكلة من 31 وزيرا و44 وزير دولة، كما عين 65 نائبا برلمانيا من الأحزاب التي شاركت في عملية الحوار، لينضموا إلى 426 عضوا، هم أعضاء المجلس حاليا ليكون عدد الأعضاء ٤٩١ عضواً وكشف صالح عن تلقيهم لقوائم من الأحزاب المشاركة شملت 1500 شخص لتولي الحقائب الوزارية. (سودان تريبيون الخميس ١١/٥/٢٠١٧م).
(حكومة الوفاق الوطني)، تظهر حقيقتها من اسمها؛ الذي يعني توافق عدد من الأحزاب السياسية، والحركات المسلحة، على اقتسام المناصب السياسية حيث جعلوا الحكم محاصصة تفترس فيها المناصب السياسية، وتنهب فيه موارد البلد عبر ما يسمى بقسمة السلطة والثروة، والاستوزار، ليأخذ كل حزب أو حركة مسلحة أكبر قدر من المناصب والحقائب الوزارية، كما عبر عن ذلك رئيس الجمهورية البشير، في مؤتمر صحفي بالقصر الجمهوري، على هامش تنصيب نائبه بكري حسن صالح رئيسا للوزراء: "الكيكة صغيرة والأيادي كتيرة ويتنافس عليها 90 حزباً وأكثر من 40 حركة مسلحة ستجد موقعها في السلطة التنفيذية والتشريعية" (سكاي نيوز 03/03/2017م).
حكومة في حقيقتها أنها خادمة للمستعمر ومنفذة لمشروعه في البلاد، إقصاء الإسلام، وتمزيق السودان، حيث لم يجعل المشاركون الإسلامَ أساس الدستور، فقد وُضِع الإسلام مع الأعراف والمعتقدات الأخرى في مرتبة واحدة، ولم يناقشوا الأمور على أساس قوة الدليل، بل وُضعت مواد الدستور صراحة بشكل مائع فضفاض تسمح بالارتداد وتسمح بإلغاء الحدود الشرعية، كما في المادة 38 من التعديلات الدستورية نيسان/أبريل 2017م.
تأتي الحكومة لتهيئ الأجواء لشرعنة العلمانية وجعلها دين أهل السودان، فقد ظهرت بعض الجهات من قمقمها مبشرة بهذا المشروع، فقد كشف الأمين العام للمركز الإسلامي للدعوة والدراسات المقارنة الدكتور عمار صالح في إفادة لصحيفة التيار، أن المركز استقبل 5 حالات ردة عن الإسلام في 4 شهور من العام الجاري، وأن كل حالات الردة كانت من فئة طلاب الجامعات... متهماً الحكومة بالتساهل في التعامل مع قضية الردة والإلحاد، وأن سياستها تشجع وتغري بمزيد من وقوع حالات الردة وسط الشباب وطلاب الجامعات... وأشار إلى أن هناك مراكز ثقافية تلعب دوراً كبيراً في بث الإلحاد وسط الشباب (صحيفة التيار الأربعاء 10/5/2017م - العدد 1884)
هذا ما تبشر به حكومة الوفاق، التساهل، والتنازل عن شعارات الإسلام، وإبعاده من أن يكون الحَكَم والأساس في الدستور، وفي رعاية شؤون الناس في الدولة والمجتمع، وهذا بلا شك يفتح شهية أمريكا، مما جعلها تكشف عن وجهها القبيح وتباشر الإشراف على إدارة أمور الحكم في السودان بشكل سافر مفضوح، وها هي تخرج من باطن الأرض بوكالات تجسسها، لتؤكد تقارير السي آي إيه الانبطاح والتنازلات التي قدمتها حكومة السودان.
ففي تقرير للاستخبارات الأمريكية أمام الكونغرس، أكد وفاء السودان بجملة شروط ستمهد لرفع العقوبات المفروضة عليه منذ عشرين عاما بشكل نهائي هذا الصيف. (سودان تريبيون 12 أيار/مايو 2017م).
وبحسب تقرير لـ "أفريكا إنتلجنس" بعنوان "تصعيد التعاون الاستخباراتي بين السودان والولايات المتحدة"، كُشف عن استضافة الخرطوم محطة لوكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" ضمن شراكة لمكافحة ما يسمى بـ(الإرهاب). الخرطوم 7 نيسان/أبريل 2017م، أمريكا عدوة الإسلام والمسلمين التي أعلن رئيسها بكل وقاحة حرباً مفتوحة للقضاء على الإسلام حسب تعبيره حيث قال دونالد ترامب يوم تنصيبه في 20/1/2017م: (سنحارب التطرف (الإسلامي) العنيف وسنقضي عليه من على وجه الأرض). وفي الوقت ذاته يرى معهد السلام الأمريكي: أن السودان أفضل بوابة لسياسة ترامب تجاه أفريقيا.
ماذا تريد أمريكا من حكومة الوفاق؟!
تريد من هؤلاء السياسيين المتهافتين الفاشلين في رعاية الناس والعاجزين عن تقديم أي خير للناس، تريد منهم أن يبصموا جميعهم على إقصاء الإسلام كهدف استراتيجي أولي، ومحاربة حملة دعوته، ومن ثم تمزيق السودان باسم الفدرالية والحكم الذاتي.
ولعل المتابع لهذه الأجواء التي أُعلنت فيها هذه الحكومة يدرك حقيقة هذه الأهداف التي ذكرناها حيث منعت السلطات معرضين للكتاب الإسلامي في مدينة الأُبَيِّض، ومنعت مهرجاناً إسلامياً حاشداً لحزب التحرير بمناسبة مرور ٩٦ عاما على هدم الخلافة العثمانية، كان سيتحدث فيه عدد كبير من العلماء ومن قادة الحركات الإسلامية في السودان، واعتقلت عددا من شباب الحزب في عدد من الولايات.
هذه الحكومة لن تتورع عن فعل كل شيء، بل وتغيِّر كل الأحكام والقوانين، وإن خالفت النصوص الشرعية، حتى تأخذ شهادة حسن السير والسلوك من أمريكا، لأنها قررت أن تكسب ود أمريكا، وأمريكا لا تعترف بدين يتدخل في الحكم والسياسة، والدليل على ما أقول أن الخبير المستقل للأمم المتحدة قال في شباط/فبراير إن السودان استجاب لـــــ180 توصية من مجموع 244 توصية ذات صلة بالإصلاح الدستوري والقانوني، ولم يتبقَ من توصياته الخاصة بما يسمى بحقوق الإنسان إلا 64، وقال إن البرلمان وعده بتعديلات إضافية متعلقة بالقوانين والدستور بما يتناسب مع الشرعة الدولية. والخبير نفسه موجود منذ يوم الخميس ١١/٥/٢٠١٧م في الخرطوم لذات الغرض.
ثم إن حكومة الوفاق تأتي في وقت تزداد فيه الصراعات القبلية وتنتشر في أطراف السودان حيث جيشت القبائل نفسها، وتسلحت بالأسلحة الثقيلة والنوعية لحماية نفسها بعد أن فقدت الدولة هيبتها في مكان النزاعات في أطراف السودان، بالإضافة إلى وجود مليشيات قبلية تستخدمها الحكومة في حروبها وفي أطراف السودان، ولعمري هذا فتيل أزمة لا يؤدي إلا إلى أمر واحد، وهو تمزيق وتدمير النسيج المجتمعي، ومن ثم فتح الباب أمام الدول الاستعمارية لبث الفتن لتمزيق ما تبقى من السودان (لا سمح الله).
لن تزيد هذه الحكومة الوضع إلا سوءاً، ونهباً لخيرات البلد وضيقاً للمعيشة، وذلك للصرف على هذه الأعداد الضخمة من الوزراء والتنفيذيين والنواب، مما يؤثر على ابن البلد فيعود عليه ضيقاً وشقاءً وضنكاً، لذا فليعلم المسلمون في السودان، أنه لن تُحل مشاكلهم، ولن تستقر أوضاعهم، إلا بدولة تعبر عن قناعاتهم، وتطبق فيهم شرع ربهم، وتقطع أيدي المستعمرين عن بلادهم وثرواتهم، وتحاسب السياسيين الفاسدين، المرتبطين بهم، ولن تفعل ذلك إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة العائدة قريباً بإذن الله! التي تجعل الإسلام أساساً في كل شؤون الحياة، والحكام فيها رعاة، وليسوا جباةً، وخَدَمَة للأمة، وليسوا متسلطين عليها. فليصدقوا العمل لها وليؤيدوا العاملين لها، فإنه والله خيري الدنيا والآخرة.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)*
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع