- لا تزال ثورة الشام مع نهاية الشهر الأول من عامها السابع، رغم ما يبدو عليها من مظاهر الضعف والهزال، لا تزال عصيةً على جميع محاولات إرغامها على الانحناء، متحملة بصبرٍ أسطوري كل ما يُصب عليها من ألوان العذاب، في انتظار صدور القرار التاريخي من قادة فصائلها بالاستجابة لمطلب الأمة، وتبني مشروع الخلافة على منهاج النبوة، والتوحد جميعاً تحت القيادة السياسية المؤهلة للسير بهم إلى ما يرضي الله، ويحقق سعادة الدارين.
- فقد كشف الأسبوع الفائت عن حزمة جديدة من الأعمال التي أراد منها أعداء الثورة وضع حدٍّ للأفعال التي ظهر منها نية أهل الشام الخروج على إجماع المجتمع الدولي، وإزالة النظام الغربي الرأسمالي الجائر المتحكم بمصير البشرية، وإحلال نظام الإسلام مكانه، نظام العدل والسلم والخير والهدى والعفاف.
- ففي آخر تصريح له من موسكو، يبين مدى وقاحته واستغبائه للثائرين، ومحاولاً جعل قضية الثائرين هي إزالة شخص رئيس النظام فقط مع الحفاظ على النظام، وفي جملة ممجوجةٍ ومكررة ثقّبت آذان أهل الشام عبر ست سنين، أكّد وزير خارجية السعودية خلال اجتماع تآمرٍ له مع وزير الخارجية الروسي أن بلاده "لا تزال تعتقد أن بشار الأسد ليس له مستقبل في البلاد". (بي بي سي عربي، الأربعاء 26/4).
- أما الوزير الروسي نفسه الذي كشف أن "الجولة الثالثة من محادثات أستانة ستعقد في غضون أيام قليلة، وسيتصدر أجندتها وقف إطلاق النار، وضمان تسليم المساعدات الإنسانية، فضلاً عن تهيئة الظروف لممارسة العملية السياسية" (وكالة تاس الروسية ـ السبت 29/4)، ورغم التعارض المعلن بين موقفي روسيا والسعودية تجاه الثورة، إلا أنه نطق بالحقيقة عندما قال: "حينما يتعلق الأمر بالتوصل إلى حل للأزمة السورية فلا توجد خلافات غير قابلة للحل بين البلدين". (بي بي سي عربي، الأربعاء 26/4).
- ورغم ما هو معلوم من الهدف المعلن أعلاه الذي أقيمت لأجله محادثات أستانة، والتي تقرر عقدها يومي 3 و4 من أيار الجاري، فالغريب هو ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط من توافق الفصائل على المشاركة فيها على ضوء "معطيات إيجابية"! ترتبط بتنفيذ وقف إطلاق النار، ودخول أطراف ضامنة جديدة، بعدما كان الأمر مقتصراً على روسيا وإيران وتركيا. حيث أكد عضو الوفد المعارض إلى أستانة، العميد فاتح حسون للصحيفة، أن عوامل جديدة "إيجابية" أضيفت إلى جدول أعمال المفاوضات، وأرسلت إليهم بشكل غير رسمي مع الدعوة، على أن يتم البحث فيها ودراستها رسمياً خلال جلسات المؤتمر". (الشرق الأوسط، الأحد 30/4).
- وبذلك يستجيب وفد الفصائل لدعوة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، التي وجهها لهم السبت للمشاركة باجتماع أستانة المقبل، ودعا فيها الأتراك لأن يكونوا ضامنين للمعارضة (روسيا اليوم، الأحد 30/4)، في الوقت الذي وثقت فيه قناة الجزيرة تدمير ثمانية مشافٍ ونقاط طبية في ريف إدلب خلال الشهر الماضي (نيسان) بالطائرات الروسية الضامنة لمفاوضات المصالحة مع النظام ووقف إطلاق النار!
- أما أردوغان الذي لا يهمه من التدخل في الأحداث ميدانياً سوى تهديد التنظيمات "الإرهابية" على حدوده الجنوبية، والذي لا يزال البعض يتوهّم أن نصرنا في الشام لن يأتي إلا من فيض راحتيه، فقد قال في معرض تعليقه على عملية عسكرية جديدة محتملة خارج حدود بلاده: "نعلم جيداً ما نفعله عندما يحين الوقت... قد نأتي بغتة في ليلة ما". وأكد أن "مدينة منبج هي هدفه المقبل، وأنه على استعداد لتنفيذ عملية الرقة بالتعاون مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة". (وكالة الأناضول، السبت 29/4).
- وعلى نهج النظام التركي في استخدام ورقة لاجئي سوريا كورقة ضغط على الدول الأوروبية لابتزازها، يقوم النظامان في الجزائر والمغرب باستغلال الورقة نفسها لتحقيق مكاسب سياسية بينهما... فقد اتهمت المغربُ الجزائرَ بالسماح لأربعة وخمسين لاجئاً سوريا بالدخول إلى المغرب بطريقة غير شرعية، عبر مدينة فكيك الحدودية بين 17 و19 نيسان. وأضاف بيان للخارجية المغربية أنه "يجب على الجزائر أن تتحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية إزاء هذه الوضعية". وردّت الخارجية الجزائرية برفضها المطلق لهذه "الادعاءات الكاذبة"، وأكدت أنها لا ترمي سوى للإساءة إلى الجزائر، مضيفة أن "الجزائر لم تتخل أبداً عن واجبها في التضامن الأخوي مع الرعايا السوريين". (يورو نيوز، الاثنين 24/4).
- أما عن اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في الداخل فقد أفادت مصادر طبية وأهلية متعددة بوفاة 12 نازحاً بينهم ثمانية أطفال خلال أيام في محافظة الرقة فقط، في حين نزح معظم أهالي مدينة خان شيخون في ريف إدلب بعد الهجمات الكيميائية التي تعرضت لها المدينة مؤخراً. (الجزيرة، السبت 29/4).
- أما على الصعيد الميداني في الجبهات فليس الوضع بأفضل حالاً من سابقيه السياسي والإنساني، في ظل استعادة قوات النظام لجميع ما حرّر مؤخراً من بلدات ريف حماة الشمالي، وزادت عليها بلدتي حلفايا والمصاصنة، وسيطرتها أيضاً على جامع الهداية وعدة مواقع محيطة به بحي القابون في العاصمة، وعلى أجزاء من شارع الحافظ في حي تشرين، حيث ترافق ذلك مع قصف جوي وصاروخي استهدف الحيين بشكل كثيف... وذلك بالتزامن مع اشتباكات مؤلمة بين الإخوة في الغوطة الشرقية، أسفرت عن وقوع العشرات من المجاهدين صرعى فتاوى من لا يخشون الله، بضرورة الاقتتال بين المجاهدين بداعي البغي حيناً والخيانة حيناً آخر، وبأن قتال بعضهم أولى من قتال النظام!!
- وهكذا هي حال المسلمين في سوريا اليوم؛ حقد الأعداء، وخذلان الأصدقاء، مع تراقص القادة على أشلاء المجاهدين... يقابلها تململٌ كبير من الناس، ونموٌّ في الرأي العامّ على ما يجب شرعاً أن يكون... وقد لا يطول ذلك اليوم الذي يَقلب فيه الشارع الغاضب الطاولة على جميع اللاعبين، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.
بقلم: عبد الحميد عبد الحميد*
* رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع