قد تمضي الأعوام والعقود دون أن يتمكن أسير من أسرى أهل فلسطين في سجون كيان يهود من معانقة ابن أو بنت له، وقد يرحل ذووه دون أن يتمكن من رؤيتهم، وقد يصاب بأمراض الدنيا كلها دون أن يتلقى علاجا لها، بل إن كيان يهود يتعمد إمراض الأسرى وزيادة عذاب من مرض منهم، وقد يحجز في الحبس الانفرادي شهورا وربما سنين دون أن يرى شيئا سوى جدران الزنازين التي صممت بأيدي خبراء ومهندسي يهود لزيادة التعذيب النفسي وإحباط الأسرى، فضلا عن الاعتقال الإداري والذي يتجدد وتتجدد معه آلام الأسرى وذويهم معه كل مرة، فيتحول الأمل بالإفراجإلى ألم متجدد، وما يسبق كل ذلك من تعذيب وانتزاع اعترافات وتهديدات مختلفة على أيدي ضباط يهود وبعض من عملائه الذين يسخرهم لانتزاع الاعترافات فيما يعرف بغرف "العصافير"، كل ذلك وأكثر هو جزء من عذاب أصاب أهل فلسطين وما حولهم وما يزال، بعد احتلال أرض فلسطين.
فقضية الأسرى هي إحدى آثار إجرام يهود بحق أهل فلسطين، ذلك الإجرام الممتد ليشمل الأرض ومصادرتها والاستيطان ومنع السفر والقتل والتشريد، منذ قيام هذا الكيان الملعون،وسيستمرإلى أن تتم إزالته.
والأمة المقهورة بحكامها أضحت من كثرة ما أصابها من ضربات تكاد لا تلتفت إلى هذه القضية، فضلا عن تغول يهود على أهل فلسطين سواء الأسرى داخل سجونه، أو خارجها في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وكل فلسطين.
فكيان يهود يستشرس على أهل فلسطين وهو يرى الحكام في المنطقة يركعون أمامه في تطبيعهم وعلاقاتهم السرية والعلنية، بل وهو يرى السلطة الفلسطينية تقدس لهذا الكيان حماية أمنه عبر تقديس التنسيق الأمني.
فما كانت قضية الأسرى لتكون لولا احتلال المسرى، ولولا حماية الأنظمة والسلطة لكيان يهود وأمنه وتأمين حدوده، فضلا عن التطبيع معه.
وقد بدأ آلاف من الأسرى في سجون كيان يهود بالإضراب عن الطعام في ذكرى ما يسمى بيوم الأسير، ما تسبب في تدهور الحالة الصحية للعديد منهم.
وككل القضايا التي تعاني منها الأمة، لم يتركنا إسلامنا الحنيف حيارى في كيفية التصرف، فالرسول e يقول «فكوا العاني»، أي يجب العمل على إطلاق سراح الأسرى، مثلما يجب العمل على تحرير المسرى، وهذا لا يكون إلا بالقوة العسكرية التي تمتلكها الأمة.
لذلك فإن اقتصار الحديث عن معاناة الأسرى وحصرها فقط في تحسين ظروف اعتقالهم، هو إجرام كبير بحقهم، فالمفروض هو العمل على تحريرهم بالقوة، قوة الأمة وجيوشها، وتحرير فلسطين.
أما تحرير الأسرى عبر المفاوضات ومن خلال استثارة (إنسانية ورحمة!) الجلاد أو قوى الشر والكفر كأمريكا وأوروبا، فإنها لا تنتج إلا مزيدا من الجرش في رحى فارغة.
فتلك المنظمات والمحافل الدولية، تمثل ساحات إعدام للقضايا العادلة، فهي لم تنصر مظلوما ولم تفك قيد أسير، وكيف تفك قيد الأسرى، والدول القائمة على تلك المحافل الدولية هي التي تدعم كيان يهود، بل وهي التي تدعم الأنظمة وتنشئ فيها السجون السرية للتحقيق والتعذيب لمن يفكر في مقاومة الغرب وأمريكا، بل وهي التي وعدت على لسان رئيسها السابق أوباما بإغلاق سجن غوانتنامو ولم يغلقه، وبقي اسما يذكّر المسلمين بإرهابوإجرام أمريكا، الداعم الأول لكيان يهود.
وحتى السلطة التي رهنت كل مواقفها برضا أمريكا، لن تحرر الأسرى، وهي إن حررت بعضهم كما حصل في السابق يكون تحريرا منقوصا ومنتقيا وفي سياق الخدمات التي تقدمها لأمريكا وكيان يهود، لتجعل من أهل فلسطين ليس فقط أسرى عند يهود، بل وخدماً وحراساً لأمنهم.
بل إن هذه السلطة تدعي التضامن كذبا مع إضراب وجوع الأسرى بينما هي التي تساهم في حصار أهل غزة وتجويعهم لابتزاز حماس أكثر وإخراج موافقتها على برنامج منظمة التحرير التفريطي وتقوية موقف المفاوض الفلسطيني السخي في تنازلاته.
إن المطالبات التي تقودها السلطة وبعض الحركات، والتي تنادي بالتضامن مع الأسرى، لن تحل قضية الأسرى بل قد تسهم في تخديرها أكثر، عبر الاكتفاء بتحسين ظروف الأسرى، بينما يبقون في الأسر لسنوات وعقود، وبعضهم حكم بالسجن عشرات المؤبدات.
فنصرة الأسرى ليست بتحسين ظروف اعتقالهم والسماح لهم بالزيارات وإدخال بعض الأدوات والسماح لهم بالدراسة، بل هي بتحريرهم وتحرير أرض فلسطين من رجس يهود، وبذلك تنتهي كل آثار احتلال يهود ومنها قضية الأسرى.
لذلك فإنه لمن المستغرب أن تطالب الحركات في فلسطين "الوطنية والإسلامية" كما يطلق عليها بكل شيء في قضية الأسرى، سوى تحريرهم! وأن يستمروا في قصر قضية فلسطين على أهلها وحدهم، دون جعل المطالبة بتحريك جيوش الأمة لإزالة كيان يهود على رأس مطالبهم.
فالأسرى ليسوا بحاجة إلى تضامن، أو مجرد تحسين ظروف اعتقالهم بينما يبقون في الأسر، بقدر ما هم بحاجة إلى تحرير وفك أسرهم وإزالة المحتل عن الذي أسر الأرض والبشر.
وقضية الأسرى حتى تنتهي لا بد من تحرك جيوش الأمة، وهذا لن يكون في ظل السلطة الهزيلة أو في ظل الأنظمة العميلة، بل في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة تنهي عذابات أهل فلسطين ومن جاورهم بإزالة هذا الكيان وإزالة آثاره وجرائمه.
حسن المدهون
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
رأيك في الموضوع